المفتشية العامة لوزارة العدل: الواقع و المأمول
يشكل تدبير المرفق العمومي تحديا حقيقيا للقائمين عليه، و ذلك نظرا لدوره المحوري في عملية التنمية، كونه القناة الرئيسية التي يتم من خلالها تصريف السياسات العامة. وقد عرف تدبير الشأن العام بالمغرب تطورا ملحوظا أملته ظروف تطور البلد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية؛ على الرغم من ذلك لازالت اجهزة التدبير تعاني من بعض النواقص مما يحد من انجاح مسلسل تخليق الحياة العامة و ارساء ركائز الحكامة الجيدة. و في هذا السياق، شكل دستور 2011 نقلة نوعية من حيث كونه اطر المطالب السياسية وصاحب التطورات الاجتماعية و ارسى بابا خاصا للحكامة الرشيدة؛ مما اضطر المهتمين بالشأن العام (من سياسيين و اكاديميين و تكنوقراط…)، الى اعادة النظر في التطورات التي عرفها المرفق العمومي و الافاق الممكنة لتدبيره بشكل اكثر فاعلية بما يضمن جودة عالية وتكلفة اقل ، و اخضاعه لمبدأ الشفافية و النزاهة و الديمقراطية و ربط المسؤولية بالمحاسبة. لذلك فان تكييف المرافق العمومية لمتطلبات التنمية تقتضي معالجة الاختلالات البنيوية و الوظيفية التي تعاني منها، و اخضاع سيرها و عمليات التدبير التي تقوم بها لمجموعة من المبادئ و القيم المؤطرة لنشاطها. و من هنا تكمن اهمية دور الرقابة في تحديد مدى نجاعة المرفق و تقويم الاختلالات التي قد تعصف به.
آراء أخرى
واذا كان المغرب لا يعاني من نقص في اجهزة الرقابة المتنوعة و المبثوثة في مختلف مستويات الشبكة العمومية، فانه يفتقر الى ديناميكية خاصة لهذه الالية. و في هذا الاطار يبرز الوزن المهم للمفتشيات العامة للوزارات كأداة رقابية مقابل الدور المحدود لعملها نظرا للإكراهات الكثيرة التي تعاني منها.
في محاولتنا لمقاربة هذا الموضوع ، سنتطرق بالدراسة لمفهوم التفتيش العام الذي تمارسه هذه الهيئات اولا؛ ثم سنخصص جزءا من اهتمامنا لاستعراض عمل المفتشية العامة لوزارة العدل كنموذج؛ و ذلك لا براز الدور الرقابي للمفتشية العامة لهذه الوزارة و كيف يمكن له؛ اذا ما تم تأهيله و تطويره؛ ان يرفع من نجاعة القضاء و يساعد على تخليقه من جهة، و لكونها الية من اليات الحكامة الجيدة في مجال تدبير الشأن العام من جهة اخرى. و سننطلق من فرضية ان ما يعيق عمل المفتشية العامة و لا يسمح لها بالمساهمة في الر فع من جودة مرفق العدالة، كونها قد استنفذت في مستواها الرقابي الزجري، و لم تتمكن من الوصول الى مستوى التقييم و التحفيز. و سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال التصميم التالي:
I- دور التفتيش في تدبير المرفق العمومي
II- المفتشية العامة لوزارة العدل
III- خلاصات.
I- دور التفتيش في تدبير المرفق العمومي:
تطور مفهوم التفتيش بالمرافق العمومية تبعا للتطور الذي عرفته هذه المرافق. و هكذا، فقد انتقل من مستوى التعريف الوظيفي، الذي يحدد مهامه في ضبط و زجر المخالفات التي قد يرتكبها القائم على تدبير المرفق العمومي اثناء قيامه بمهامه. هذا التعريف جعل من التفتيش جهازا زجريا بامتياز، وظيفته الرئيسية احصاء الاخطاء و رفع التقارير التي ينتج عنها عقوبات تأديبية؛ و حول المفتش الى شخص غير مرحب به، يستدعي التعامل معه حذرا شديدا و تواصلا محدودا؛ و هو ما ادى في النهاية الى حصر التفتيش في مستوى متدني من حيث النجاعة و دفع في كثير من الاحيان الى حصر المفتشين و مقاطعتهم من طرف العاملين بالمرفق و النظر اليهم بعين الشك و الريبة.
ادت وضعية التفتيش التي اشرنا اليها الى ضعف مردوديته و سمحت لكل الانحرافات و الفساد التي تعرفها الادارة بالاستمرار، بل و التغول، على الرغم من وجود جهاز التفتيش كألية. و اصبح دور التفتيش شكليا وزيارة المفتشين للمرافق العمومية مسالة دورية و روتينية، تكرر نفس الممارسات و ينتج عنها نفس التقارير؛ حتى اصبحت “اوضاع الادارة العامة كما تصفها مختلف التشخيصات، لتستدعي الاسراع بالتدخل على المستوى التنظيمي و الهيكلي و الوقائي و العلاجي للتصدي الى مختلف الاختلالات و الانحرافات لتمكين الادارة من المناعة اللازمة لها حتى تكون فاعلة في تحقيق التنمية الادارية و الاقتصادية و الاجتماعية” . و استلزم الوعي بأهمية التفتيش و وضعيته المزرية، تطور مفهوم التفتيش العام شيئا فشيئا، و ذلك في اطار الرؤية العامة حول تحديث و عصرنة الادارة، ليصبح جهازا رقابيا حديثا عن طريق خلق جسور مع مختلف الاجهزة المكلفة بأنواع الرقابة المختلفة.
واذا اعتبرنا بان تطور مفهوم التفتيش قد جاء استجابة للتطور العام الذي تعرفه الادارة و الى ارتقاءها الى ان تكون ادارة مواطنة، منظمة و منتجة و تتبنى انماطا حديثة في التدبير لتصبح عنصرا فاعلا و ايجابيا في مسلسل التغيير الذي يعرفه البلد؛ لكل هذه الاعتبارات، فان مهام التفتيش وفق منظوره الجديد يجب ان تتضمن مجموعة من الوظائف المتكاملة؛ و التي يمكن ان نجملها في ما يلي:
مهام التدقيق التنظيمي و الاداري و المالي
مهام المراقبة للأداء الفعلي للأجهزة الادارية
مهام الاستشارة و التوجيه للمشرفين الاداريين
مهام التأطير للكوادر البشرية العاملة بالإدارة
مهام التقييم من خلال مقارنة الاهداف المسطرة و النتائج المحصلة على ضوء الوسائل المتوفرة و السياق العام لعمل الادارة.
وعلى المستوى التنظيمي و الهيكلي بالمغرب؛ تتواجد مؤسسات تفتيش في كل الادارات العمومية و تتقاسم هذه الاجهزة بعض الخصائص التي تعوق عملها مثل:
المركزة الشديدة: اذ تتواجد المفتشيات على مستوى الادارة المركزية لكل وزارة
غياب تعريف واضح للمهام: تظل النصوص القانونية التي تؤطر عمل التفتيش بالادارات العمومية فضفاضة و تتطرق لمهام واسعة و متشعبة و كثيرة، و يعقد الامور اكثر انعدام دلائل مرجعية لتوصيف المهام و الكفاءات
غياب التنسيق التام بين هذه المفتشيات: و ذلك لغياب جهاز مركزي للتفتيش يراقب و يقيم تدبير الشأن العم ككل مما يفت فرصة الحصول على صورة تركيبية لحقيقة الامور من جهة و يفوت ايضا امكانية تبادل الخبرات بين المفتشين بمختلف الادارات
ضعف الكادر اللوجستيكي و البشري و الاعتماد المالي كليا على الادارة
غياب استراتيجية واضحة لا هداف و ادوار التفتيش على مستوى كل ادارة و يؤزم الامور اكثر غياب استراتيجية سياسية واضحة لتدبير المرفق العمومي
تظل كل المفتشيات العامة للوزارات ذات طبيعة استشارية فقط.
ولتجاوز هذه المعضلات، حاولت الدولة ان تمنح المفتشيات العامة مزيدا من الاهتمام و ذلك تنزيلا للدستور الجديد من جهة، و تماشيا مع السياسة العليا للبلاد التي اولت اهتماما خاصا “لتعزيز اليات الحكامة الجيدة، و تخليق الحياة العامة، و محاربة الفساد، بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة و متناسقة في هذا الشأن” .
وفي نفس الاطار حاولت الحكومة ان تتجاوز النقص القانوني الذي كانت تعاني منه اجهزة التفتيش، بإصدارها للمرسوم 112.11.2 الصادر بتاريخ 23-06-2011 الذي حدد “الاختصاصات الموكولة اليها و القواعد المؤطرة لسير اشغالها و ضبط شروط و كيفية ممارسة مهام التفتيش” .
وبالنظر الى الدور الحيوي الذي تضطلع به المفتشيات العامة للوزارات، و كذا للدور الذي يراد لها ان تلعبه، في ظل المفاهيم الحديثة لترقية و تدبير المرفق العمومي، فقد تمت اعادة النظر في اختصاصات هذه الهيئات لتمكينها من كل الوسائل التي ستساعدها على انجاح مهامها بشكل صحيح؛ حيث تم ارساء مهام التفتيش على اسس واضحة (على الاقل حسب النصوص المنظمة)، فصارت ” تشمل مهام المراقبة و التدقيق و تقييم النتائج فضلا عن التنسيق و التواصل و التتبع مع مؤسسة الوسيط و التعاون مع كل من المجلس الاعلى للحسابات و المفتشية العامة لوزارة المالية و الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة” .
غير ان هذه المواكبة الرسمية لازالت قاصرة عن نقل التفتيش من حيز الرقابة الجامدة الى مستوى التقييم الايجابي و ذلك في مستويين على الاقل:
مستوى التأويل: فقد ربط تطور مفهوم التفتيش و الرقابة بتبني مفهوم الحكامة الجيدة كما اوصت بذلك تقارير جل المنظمات الدولية، و خصوصا تلك التي يرتهن لها المغرب. ومعلوم ان مفهوم الحكامة لازال مثار نقاش و جدل بين المنظرين و الدارسين له .
على مستوى التنزيل: وسعت الدولة من مهام المفتشيات العامة للوزارات، و جعلتها اداة اساسية للمراقبة الداخلية؛ و اذا ما اخذنا بعين الاعتبار النقص الحاد في الموارد البشرية والامكانيات اللوجستيكية لمختلف المفتشيات ، و التي لا تمكنها من القيام بدورها التقليدي المنوط بها، فضلا عن ضعف تكوين جل المفتشين في المجالات التي اردفت الى مهامهم؛ يمكننا ان نتصور الفارق بين النظرية و التطبيق.
II- المفتشية العامة لوزارة العدل:
تتبع المفتشية العامة مباشرة لوزير العدل، و لا تخضع لاي سلطة اخرى و لو بالتفويض، بما في ذلك الكاتب العام للوزارة ، الذي يقوم بمؤازرة الوزير في مباشرة التوجيه العام لسير الاعمال المتعلقة بالوزارة، كما يتولى “في نطاق المهام المسندةا الى الوزارة، مراقبة اعمال المديريات و الاقسام و المصالح التابعة للوزارة و تنسيق و تنشيط اعمالها ما عدا المفتشية العامة التي تكون تابعة للوزير مباشرة” .
وتجدر الاشارة الى ان هذا التنظيم الهيكلي الذي تتبعه وزارة العدل مستمد في مجمله من التنظيم الهيكلي لوزارة العدل الفرنسية، و التي تتبع فيها المفتشية العامة للمصالح القضائية، لسلطة الوزير ايضا؛ على الرغم من انها شهدت تطورا ملحوظا من حيث الاهداف، و المهام و الوسائل حتى سار جهاز التفتيش الذي انشئ سنة 1958، و تمت تقوية حضوره بموجب المرسوم الصادر في 25-07-1964، يقوم بمهام متعددة وتخضع لعمليات التدقيق التي يقوم بها كل المصالح القضائية التي تخضع لوزارة العدل الفرنسية. و قد تم توسيع مجال اختصاص المفتشية العامة بفرنسا بموجب اصلاح 29-12-2010، فصار من صلاحيات المفتش العام القيام بمهمة دائمة للتنشيط، و الربط و المراقبة الداخلية لكل المديريات و المصالح المركزية و اللا ممركزة لوزارة العدل وكذا على مستوى المحاكم و كل المؤسسات التابعة للوزارة او الموضوعة تحت وصايتها . كما تسهل الملاحظة ايضا، ان هذا التنظيم من حيث شكليته قد استوردته مجموعة من الدول الواقعة تحت التأثير الفرنسي. ففي كل دول المغرب العربي تقريبا يتشابه التنظيم الهيكلي لوزارات العدل من حيث الشكل (يكفي الاطلاع على المواقع الإلكترونية لهذه الوزارات لملاحظة الشبه القوي من حيث الهيكلة و التنظيم)، و تقوم المفتشيات العامة بها بنفس المهام تقريبا. ففي موريتانيا مثلا، يشير المرسوم المنظم لوزارة العدل بها الى ان المفتش العام للإدارة القضائية و السجنية ، يتبع مباشرة لمكتب الوزير ، و انه مكلف بمهمة عامة و دائمة لتفتيش كل البنيات الادارية و القضائية التابعة للوزارة كما يقوم بكل المهام التي قد يكلفه بها الوزير . و بالعودة الى المغرب ، نشير الى ان التنظيم الهيكلي لوزارة العدل المنظم بموجب قرار لوزير العدل رقم 10-1993 و الصادر في 11-04-2011 ، قد حدد اختصاصات و تنظيم الاقسام و المصالح التابعة للمديريات المركزية فقط؛ و لذلك لم يتضمن اية اشارة الى المفتشية العامة. فما هي مهام المفتشية العامة لوزارة العدل ، و ما هي هيكليتها؟ و كيف تقوم بدور الرقابة و التقييم بمرفق حيوي و مهم؟
1- الدور والمهام:
يجد عمل المفتشية العامة لوزارة العدل سنده القانوني في التنظيم القضائي للمملكة، الذي خصص الباب الاول من القسم الثاني منه لتفتيش المحاكم فجاء بعنوان تفتيش و مراقبة المحاكم. و عرف الفصل 13 من القانون المشار اليه، ما يقصد من تفتيش المحاكم حيث نص، في فقرته الاولى، على ما يلي: “يقصد من تفتيش المحاكم بصفة خاصة تقييم تسييرها و كذا تسيير المصالح التابعة لها و التنظيمات المستعملة و كيفية تأدية موظفيها من قضاة و كتاب الضبط لعملهم” .
ان قراءة هذا القانون، الذي يعتبر السند المرجعي الرئيسي لجهاز التفتيش، تضعنا امام حقيقة انه قد اناط مهمة التفتيش بالقضاة فقط دون غيرهم من مكونات اسرة العدالة . كما مكن هذا النص المفتشين من سلطة التحري و المراقبة و استدعاء قضاة و موظفي المحاكم و الاستماع اليهم و الاطلاع على كل الوثائق التي تفيد مأمورياتهم . و الى جانب التفتيش الذي يقوم به المفتشون المركزيون، ارسى التنظيم القضائي تفتيشا تسلسليا يقوم به الرؤساء الاولون لمحاكم الاستئناف و كذا الوكلاء العامون بها، للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم، كل في حدود اختصاصه، مرة في السنة على الاقل، او كلما رأوا فائدة في ذلك، و يرفعون تقارير حول مهمتهم التفتيشية الى وزير العدل .
ويلاحظ ،على النصوص المنظمة للتفتيش بوزارة العدل، انها جد قديمة يتجاوز عمرها اكثر من اربعة عقود، شهد فيه المغرب تطورا هائلا في جميع الميادين، كما اختلف مفهوم التفتيش ودوره و الهدف منه منذ اصدارها وحتى الان؛ و هي تشكل حاليا محور النقاش الدائر حول تحديث و عصرنة العدالة. و بالاعتماد على النصوص المتوفرة، الى حين صدور نص اخر يتمم او يصلح او يغير من تعريفها للتفتيش؛ نلاحظ انها اوكلت مهمة التفتيش حصريا لسلك القضاة، في حين ان المسائل المفتش عنها، والتي قد تكون محل مساءلة، ويجب ان تدخل في مجال تقييم عمل الموظف و المرفق، تتضمن اشغالا قد لا يكون القاضي على اطلاع بتفاصيلها؛ خصوصا في ظل غياب دليل مرجعي للمهام والكفاءات. كما ان انقسام العمل داخل المحاكم الى عمل قضائي بحت واخر اداري صرف؛ وغياب تقسيم واضح للمسؤوليات و تداخل الصلاحيات بين الرئيس القضائي/ الاداري للمحكمة و رئيس مصلحة كتابة الضبط من شانه ان يعقد مهمة القائم على التفتيش.
وتعاني المفتشية العمة لوزارة العدل من مركزة شديدة ، و نقص حاد في الموارد البشرية و اللوجستيكية؛ مما لا يمكنها من القيام بدور التفتيش المنوط بها تقليديا، فبالأحرى القيام بمهام جديدة تتطلب تخصصا لا يتقنه اغلب المفتشين؛ و يغيب عن تكوينهم في سلك القضاء ،منذ التحاقهم بمعهد القضاء كملحقين قضائيين، و طيلة مسيرتهم المهنية حتى تقليدهم مسؤولية التفتيش و الرقابة.
كما ان ارتباط المفتشية العامة هيكليا، بمكتب الوزير مباشرة، و انفصالها التام عن المصالح الادارية الاخرى –بدافع منحها استقلالية تامة و تجرد كامل- قد يطرح سؤالا بشان التبعية السياسية للمكلفين بها و مدى استقلالهم و تجردهم ، في ظل تبعية الجهاز المالية الكاملة للوزير؛ بما يسمح و لو نظريا بالضغط على عمل المفتشية العامة و تحويلها الى اداة بيد من يتحكم بها في مواجهة المصالح او الاشخاص الذين لا يقاسمونه رؤاه السياسية حول كيفية تدبير و تطوير قطاع العدل.
وانطلاقا من واقع الحال بوزارة العدل، و المتمثل في اشرافها على مشروع ضخم يتعلق بتحديث و اصلاح منظومة العدالة؛ فان مكونات اسرة العدالة المختلفة، مطالبة بتقديم اقتراحاتها حول هذا المشروع بما في ذلك تصورها حول دور و مهام المفتشية العامة للوزارة. و في هذا الصدد تقدمت الجهات التي تمثل كتابة الضبط (و نقصد النقابة الديمقراطية للعدل –كونها النقابة الاكثر تمثيلية بالقطاع، و ودادية موظفي العدل و مكتب الدراسات لاصلاح و تحديث الادارة القضائية التابع لها)، كأحد افراد اسرة العدالة الرئيسيين، باقتراحات تمس جوهر التنظيم الحالي للمفتشية، و تقترح اعادة هيكلتها، و ذلك بتقسيمها الى مصلحتين منفصلتين: مصلحة تعنى بتفتيش السلطة القضائية، و تتشكل من القضاة، و تتبع للسلطة القضائية العليا؛ و اخرى تعنى بتفتيش الادارة القضائية و تتبع للسلطة الادارية للوزارة. و تنطلق مقترحات كتابة الضبط من روح الدستور الجديد الذي شدد على ضرورة فصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، و لان العمل بالمحاكم ينقسم الى عمل قضائي و اخر اداري بحت؛ كما انطلقت هذه المقترحات من واقع ان جل النصوص المنظمة للعمل بالمحاكم، او المؤطرة للتفتيش، قد تقادمت و اصبحت متجاوزة و متعارضة مع مبادئ قرب و نجاعة العدالة. و من جهة ثانية تأتي مقترحات كتابة الضبط كتطور طبيعي لها؛ اذ انها قد عرفت و لأكثر من عقدين من الزمن تغيرا عميقا في كادرها البشري؛ اذ اضحت تضم عددا لا يستهان به من حملة الشهادات العليا في مختلف التخصصات، مما رفع لديها درجة الوعي الذاتي بإمكانية مساهمتها في ورش اصلاح العدالة. دفعت هذه العوامل مجتمعة كتابة الضبط الى ان تنبري للدفاع عن مطلب توسيع اختصاصاتها؛ وذلك اعترافا بأهمية الادارة القضائية الى جانب السلطة القضائية كمكونيين لجسم القضاء لا غنى لاحدهما عن الاخرى، و لا سطوة لأي منهما على الجهاز القضائي. وقد ترجم سعي كتابة الضبط الى تحسين وضعها، في شكل مراسلات و دراسات قدمت للمسؤولين، او وضعت تحت تصرف الاعلام؛ حملت في جلها تعبيرا عن خيبة الامل من جل النصوص القانونية التي تعد حاليا (و من ضمنها التنظيم القضائي للمملكة)؛ و قد حاول من قدمها “الوقوف عند الدور البسيط الذي اعطي لموظفي الادارة القضائية ضمن مكونات المشهد القضائي، ذلكم الدور الذي يحد من مستوى الخدمات التي يمكن لهذا الجهاز ان يقدمها للمرفق و المرتفقين خدمة للعدالة و تحقيقا للنجاعة القضائية” .
2-المفتشية العامة: من الزجر الى التقييم؟
تقتضي خصوصية قطاع العدل نظرة خاصة و جديدة لدور و فعالية المفتشية العامة كما و نوعا، بما يمكن من تحقيق الاهداف العامة لمشروع اصلاح العدالة، اعمالا لفصول ومبادئ الدستور في ارساء حكامة جيدة.
ولكي تقوم المفتشية العامة بالدور المنوط بها احسن قيام، وجب اعادة النظر في مجموعة من الامور:
•على مستوى الاطار القانوني: بتحيين و وعصرنة النصوص القانونية المؤطرة لعملية المراقبة و التقييم، و خصوصا بإصدار نص خاص بالمفتشية العامة و دليل مرجعي لعملها، ينطلق من دليل مرجعي اوسع يشمل كل الوظائف و المهام و الكفاءات التي من شانها ان تراقب و تقيم عملها و اداءها
•على المستوى البشري: لابد من تمكين المفتشية العامة من الكادر البشري الكافي، المكون تكوينا مبدئيا جيدا، مع ضمان تكوين مستمر له يسمح بمواكبته كل جديد في ميدان المراقبة و التتبع و التقييم؛ كما لا يخفى ايضا ضرورة ان يحظى القائم بالتفتيش بالتحفيز المادي و المعنوي له
•على المستوى المالي و اللوجستيكي: يجب تمكين المفتشية العامة من ميزانية مستقلة ويكون المفتش العام للوزارة امرا بالصرف، و يقدم حساباته للجهات المختصة
•على المستوى الوظيفي: تعميم العمل بمبدئ المساءلة و التقييم على جميع المرافق و العاملين بها، من موظفين (بجميع درجاتهم و اسلاكهم) و مسؤولين ومشرفين على تدبير مرفق العدالة؛ و ان يتجاوز عمل المفتشية الدور الاستشاري الذي يتوقف عند مجرد تقديم التقارير و الاقتراحات، الى التفعيل من خلال المشاركة الجادة والمسؤولة في وضع استراتيجية قطاعية، تلبي احتياجات المواطن و تساءل السياسة الحكومية في القطاع
•على المستوى التنفيذي: ضرورة تحديث و عصرنة مناهج و طرق و اساليب عمل المفتشية العامة؛ من خلال اعتمادها الاساليب الحديثة للمراقبة و التدقيق؛ و تمكينها من نظام معلوماتي متطور؛ و ايلاء العناية الكاملة للتقارير التي تقدمها، حتى ينعكس عمل المفتشية على الجوانب التنفيذية للعمل الاداري و القضائي ككل
•على المستوى السيكولوجي: يجب قطع العلاقة مع المفاهيم الزجرية التقليدية، و ربط المساءلة بالمسؤولية و العقوبة بالخطأ؛ و رفع مستوى التواصل بين المفتشية العامة وكل المصالح و الاقسام و المحاكم؛ و ابراز الدور الفعال الذي يمكن ان تقوم به في تحفيز الموظف، و عقلنة التدبير و نجاعة الخدمات.
ان من شان “دمقرطة” المفتشية العامة، من خلال فتح امكانية الانتساب اليها على اساس الكفاءة المهنية فقط، ان يحول عملها جذريا من مجرد التفتيش عن الاخطاء وترصد الهفوات، الى نظام للتأطير و تصحيح المسار في الوقت المناسب و بتكلفة بشرية و ادارية و مالية معقولة
•على المستوى التنظيمي: و ذلك بخلق مصالح لا متمركزة للتفتيش تسمح بالتخفيف من مركزية المفتشية العامة و ابتعادها عن واقع التسيير اليومي للمحاكم، وما يطرحه من اشكالات قد يؤدي تراكمها الى استحالة او صعوبة حلها. في حين ان تواجد مفتشين محليين او جهويين، يملكون صلاحيات واضحة، من شانه المساهمة في الرفع من مستوى العمل و حل كل الاشكالات العارضة، ان على مستوى المساطر او العلاقات المهنية و الادارية او مع المرتفقين
وسيواكب لا تمركز المفتشية العامة ايضا التنظيم الترابي للهيئات التي فرض الدستور التواصل معها في اطار المهام المنوطة بها كمؤسسة الوسيط التي باتت تتوفر على تمثيليات جهوية، و كذا المجالس الجهوية للحسابات ايضا.
ومن شان الاستجابة لمطلب كتابة الضبط بفصل السلطة القضائية عن الادارة القضائية، على جميع المستويات بما في ذلك تركيبة و تنظيم جهاز الرقابة و التقييم؛ من شانه ان يعطي دفعة ايجابية لعمل المفتشية، و يمكنها من القيام بمهامها في احسن الظروف بما يسمح لها من تسطير برنامج تفتيش عملي و تنفيذه على ارض الواقع، و هو ما سينعكس ايجابيا على المرفق ككل.
III- خلاصات:
انطلقت مقاربتنا للدور الذي تلعبه المفتشية العامة لوزارة العدل من تشخيص لواقع حالها؛ حيث انحصر دورها في مجرد ضبط الاخطاء و رفع التقارير و الاستشارة فقط. و امام تطور مفهوم التفتيش و الرقابة و استجابة لضرورة تحديث الادارة، كان لزاما عليها ان تطور من اداءها و طريقة عملها لترقى للمستوى المأمول منها، و الذي عبر عنه دستور 2011، بجعلها اداة لترسيخ قيم الديمقراطية و الحداثة و الحكامة الجيدة.
وفي هذا الاطار، لا تختلف المفتشية العامة لوزارة العدل و الحريات عن مثيلاتها بالقطاعات الوزارية الاخرى ؛ من حيث محدودية الامكانيات، و جمود الاليات و عظم التحديات والآمال . و لتفادي هذا الوضع لابد من تثوير عمل المفتشية العامة لوزارة العدل، و تمكينها من الوسائل الكفيلة بالسماح لها بلعب دورها الحقيقي و المساهمة الفعالة في انجاح مشروع اصلاح العدالة.
ان تحديات العصر الحديث تلزم على مسيري القطاعات العمومية (و من ضمنها قطاع العدل طبعا)، زيادة على تخليق المرفق، التكيف مع الاساليب العلمية الحديثة بأسلوب رفيع يهدف الى الرفع من مستوى الانتاجية و المردودية، و تجاوز النمط التقليدي القائم على الامتثال للأوامر و تنفيذ التعليمات و الرقابة التأديبية، و الانفتاح و التحاور و استخدام اليات التواصل الحديثة خدمة للمرفق و المرتفقين و الوطن.
المراجع:
•يشو ميمون(2003): التفتيش العام للوزارات في منظوره الجديد هو قاطرة اصلاح و تحديث الادارة، المجلس الاقتصادي و الاجتماعي للامم المتحدة، بيروت 1-3 يوليوز
•الملكي ليوم 17-06-2011، المحور التاسع
•رئيس الحكومة: منشور رقم 8|2011 الصادر بتاريخ 25-08-2011، الموضوع: تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات
•وزارة تحديث القطاعات العامة (2011): اجهزة الرقابة و دورها في محاربة الفساد، مطبعة الرسالة، الرباط، 2011
* LAKHAL Ahmed (2014) : La gouvernance urbaine : quel rôle pour les villes moyennes marocaines dans le processus du développement territorial ?in actes de colloque : Gouvernance et développement territorial, Centre Universitaire de Guélmim, Université Ibno Zohr
•الموقع الالكتروني لوزارة العدل www.justice.gov.ma مادة الوزارة، الكتابة العامة
• Decret N° 2010-1668 du 29 décembre 2010 relatif aux attributions et à l’organisation des missions de l’inspécteur général des services judiciaires, Article 2, alinéa 1
• Décret N° 021-2013 fixant les attributions du Ministère de la Justice et l’organisation de l’administration centrale de son Département, Article 4
• Décret N° 021-2013 fixant les attributions du Ministère de la Justice et l’organisation de l’administration centrale de son Département, Article 7
• الجريدة الرسمية عدد 5949، بتاريخ 06-06-2011، ص 2773
•وزارة العدل: ظهير شريف بمثابة قانون رقم 338.74.1 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 (15-07-1974) يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة