الحزب الأكثر ديمقراطية في المغرب..هكذا كان زعماء العدالة والتنمية يُعرفون حزبهم دائما، وحتى في أكثر اللحظات  تأزما كانوا يصرون على جعل الكلمة الأخيرة، كلمة الفصل  للديمقراطية ..وهو ما بدا عليه الأمر خلال المؤتمر الوطني الثامن للحزب الذي أعاد السيد سعد الدين العثماني ليتربع على رأس الأمانة العامة بعدما غادرها سنة 2008..

كانت كل المؤشرات تقول أن هذا المؤتمر لن يكون عاديا لأنه يأتي في ظروف الأكثر تعقيدا في تاريخ الحزب، فبعد إعفاء السيد عبد الإله بن كيران من رئاسة الحكومة وما خلقه ذلك من تصدع داخل البيت الداخلي للحزب، وبعد تصويت المجلس الوطني بالرفض على مقترح منح بن كيران ولاية ثالثة على رأس الحزب…كان الاعتقاد السائد بين أوساط المتتبعين للمشهد السياسي المغربي  يقول أن الحزب سيخرج منقسما على نفسه من هذا المؤتمر و أنه لا يمكن أن يستمر بنفس الوحدة التي طبعت كل هياكله وتنظيماته لأزيد من عشر سنوات..إلا أن بداية المؤتمر أعطت انطباعا أن هذا الاعتقاد كان خاطئا تماما خاصة بعد كلمة الأمين العام السابق عبدالاله بن كيران الذي اتضح أنه على دراية تامة بكل ما يُقال عن الحزب من صغيرة وكبيرة، اتضح أنه متفطن جدا لإمكانية انقسام الحزب على نفسه لذلك تحدث بلغة ليست لغة منهزم، بل هي لغة الباحث عن إعادة لحمة الحزب وهو ما تفاعل معه الحاضرين بالتصفيقات الحارة..طبعا دون أن ينسى السيد بن كيران توجيه اللوم مرة أخرى للسيد سعد الدين العثماني المساهم بالقدر الأوفر في أزمة الحزب التي يعيشها اليوم عبر موافقته (كفرد)على المقترح الذي أعفي بن كيران بسببه، أقصد مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة…لا أعتقد أن بن كيران سينسى تلك الطعنة يوما.

قلت أن المؤتمر أعطى انطباعا بكون الحزب أعاد التحامه ووحدته عبر انتخابه السيد سعد الدين العثماني أمينا عاما له متفوقا على السيد إدريس الأزمي الإدريسي، عمدة مدينة فاس، بفارق بسيط،1006 صوت مقابل 912 صوت، ما يعني أن المنافسة كانت شرسة بين الاثنين، ومرت في جو ديمقراطي…إلا أننا نعتقد أن انتخاب السيد العثماني على رأس الحزب سُيكرس أزمته لأنه لا يُمكن القبول بأن يُصبح المسؤول الأول عن أزمة الحزب مسؤولا أولا على تسيير الحزب. وهو ما بدأ يتأكد بخروج بعض أعضاء الحزب بتدوينات وتصريحات تضرب في  مخرجات المؤتمر، بل هناك منهم من ذهب إلى القول أن المؤتمر كان لحظة انتقام بددت إمكانية الالتحام من جديد..وهو ما سيتأكد خلال الأيام القليلة المقبلة إذ أننا نتوقع أن المحطة الانتخابية المقبلة ستكون المرآة العاكسة لحقيقة ما وصل إليه الحزب من ضعف..و ربما إن ما نحن تأملنا نتائج بعض الانتخابات الجزئية سنفهم إلى أين يتجه الحزب الذي كان بإمكانه أن يُنقذ نفسه عبر مؤتمره الثامن إلا أنه أضاع الفرصة و اتجه إلى تكريس أزمة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر..

في الأخير نعود لنقول أن العدالة والتنمية الذي كان يرأسه بن كيران انتهى..و أن ما بعد بن كيران سيكون “خرابا” إن لم يتم تدارك الأمر والتفطن للذين يشتغلون لصالح تيار ” التحكم”..