عندما كنت طالبا في  إحدى الجامعات الأمريكية في  ثمانينيات القرن الماضي، جاء عضو الكونجريس الأمريكي مكلوسكي  لإلقاء محاضرة حول مشاكله مع اللوبي المالي الصهيوني في ولا ية كاليفورنيا، وحكى لنا حكاية خطيرة ذات مغزى  عميق، ما تزال آثاره  ممتدة إلى يومنا هذا، حيث قال في محاضرته تلك: “كنت أتلقى دعما ماليا من أحد الأبناك الأمريكية بولاية  كاليفورنيا، لكن بعد إعلاني  تعاطفي مع الفلسطينيين  ومصافحتي للقائد الفلسطيني ياسر عرفات، اتصل هذا اللوبي الصهيوني بمدير ذلك البنك، ثم أمره  بالكف عن دعمي، وإلا فإن مؤسسته البنكية ستتعرض للإفلاس لأن هذا اللوبي الصهيوني سيسحب فورا أرصدته المودعة بالبنك. وبذلك سيصيبها الإفلاس الفعلي بسرعة. إن الهَوَس الإيديولوجي هو المعضلة البشرية الفظيعة المزمنة، بل هو الوباء الذي لا يكفُّ عن الانتشار”. ثم أعلن ذلك المحاضر قائلا: “إنني لن أترشح مرة أخرى لعضوية الكونجرس الأمريكي، لأنني أعرف مسبقا قوة هذا اللوبي المالي الصهيوني الذي سيحول دون نجاحي في الانتخابات المقبلة،لأنه يمتلك المال، ووسائل الإعلام، وسيوظفهما ضدي”، ثم ختم عرضَهُ قائلا: “ليس هناك سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية،أوفي البلدان الغربية الكبرى  قادرًا  على الاعتراض على أطماع إسرائيل التوسعية”.  

   عندما علمت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وقع على مرسوم نقل  مقر سفارة بلاده إلى القدس، خطرت ببالي حكاية مكلوسكي،ففهمت فورا أنَّ ترامب لم يقدم على ذلك الفعل إلا إرضاء لجماعات الضغط الصهيوني الأمريكية لكي يحظى بمساندتها له في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فيضمن النجاح فيها ويتقلد منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية.

لهذا، فإني أعارض هذا القرار الذي يخدم السياسة الاستعمارية الإسرائيلية. كما أندد بسياسة إحدى  مشيخات الشرق الأوسط الصغيرة التي تكاد  تتحول إلى ملحقة إسرائيلية، حيث إنها توظف أموالا طائلة من أجل تمزيق عرى الوحدة الوطنية لبلدان منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر  تمويل  الصراعات القبلية والطائفية لإشعال نار الفتن بهدف تفتيت أوطان هذه المنطقة، وتحويلها بعد ذلك إلى مشيخات وعشائر وطوائف، وذلك تنفيذا للخطةالاستراتيجية للقوى العظمى وإسرائيل بهذه المنطقة. وقد استهلت نشاطها هذا بعزمها على  التبشير بثقافة ترمي إلى إذكاء  النعرات القبلية والطائفية بغية تمزيق أوطان هذه المنطقة ..

   وتجدر الإشارة إلى ضرورة تمييز الصهيونية واليهودية. لست ضد أي دين، بل إني أدافع عن حرية التدين، بصرف النظر  عن نوعية الدين، و أعتبر الدين إيمانا فرديا يلبي حاجة كيانية للفرد، يهدف إلى تنظيم علاقته بالغيب، لكني ضد توظيف الدين في السياسة وإقحامه في شؤونها، لأن هذا الاستغلال لا يؤدي إلا إلى العنف والتقتيل المفضيين إلى تفتيت الوحدة الوطنية. وبذلك فأنا لست ضد اليهودية، ولا ضد اليهود، لاسيما أن اليهودية قد وردت في القرآن الكريم، إذ اعترف بها وبأنبيائها دَاوُود وأيوب وسليمان الذين لا يؤذون المسلم، كما أن القرآن الكريم يعترف بالشرع  اليهودي الذي يتقاطع كثيرا مع نظيره الإسلامي. إضافة إلى ذلك، فقَصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم قد وردت أيضا في التوراة.

 تبعا لذلك، فالقرآن يعترف بالآخر، لكن بعض المتأسلمين يرفضون الاعتراف باليهودية، بل يلعنونها، وبذلك فهم يضعون أنفسهم خارج دائرة القرآن، لأنهم يعارضون الاعتراف باليهودية  الذي ورد في النص القرآني نفسه.