بعد تعين السيد جطو وزيرا أولا غداة انتخابات شتنبر 2002 صرح السيد عبد الرحمان اليوسفي  في سياق خطابه  بندوة بروكسيل عن فشل تجربة التناوب التوافقي، إذ لم تفض إلى النتائج المرجوة أي الانتقال إلى التناوب الديمقراطي، و بعد ذلك وبتاريخ 27أكتوبر2003 أعلن السيد اليوسفي بواسطة رسالة مقتضبة إلى المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي عن استقالته من الحزب و اعتزاله العمل السياسي . وبعد ما يزيد على عشر سنوات من هذا التاريخ كتب السيد محمد الأشعري وزير الثقافة  في حكومة التناوب الأول وحكومة السيد جطو في مقال له ورد فيه ما يلي : “.. إن المغرب حتى وهو يعطي انطباعا خادعا بأن لاشيء يحدث تحت قشرته الهادئة ، فإنه اليوم بعد تناوب أول يساري وتناوب ثاني إسلامي قد أحرق في فرن التناوب أهم أحزابه السياسية أو لنقل إنه استنزفها حتى النخاع ..”  وفي هذا و ذاك اعتراف صريح و بتوقيع قيادة التناوب الأول وكل مهندسيه ومنظريه بأن التناوب الأول مشروع لم يكتمل، و ذلك بوصوله عمليا إلى الباب المسدود.                           

 وبعد تعيين السيد العثماني رئيسا للحكومة بعد ستة أشهر من أزمة البلوكاج الحكومي الذي تعرض له السيد بنكيران بعد فوز حزبه في انتخابات أكتوبر 2016، و ما تلا ذلك من تداعيات داخل الحزب بخصوص المواقف المتباينة من حكومة أبريل  ، و بعد فشل كل المحاولات الرامية لمنح السيد بنكيران ولاية ثالثة على رأس الحزب، قال السيد بنكيران في كلمته التي ألقاها بمناسبة انعقاد المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية: ” إن دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان ضربة قاسية لحزبه بعد ضربة إعفائه من رئاسة الحكومة”. وختم بنكيران كلمته بالقول “اليوم نعيش فراقا صعبا، صحيح أن هناك اهتزاز لصورة الحزب في المجتمع، لكن هذا الاهتزاز لا يعني أننا سنتراجع، فبعد هذا المؤتمر وبعد اختيار أمين عام جديد يجب أن نحافظ على قيمنا وننهض من جديد، لذلك أنا لا أحتاج أن أوصيكم بالنزاهة، وعلى العموم سلوكاتكم مشرفة، وحزبنا سيبقى حزبا واحدا بذات واحدة ومسار واحد.      

ولئن كان قادة التناوب الأول ومهندسوه قد اعترفوا بما لا يدع مجالا للشك بأن التجربة   باءت  بالفشل لأسباب ذاتية و موضوعية، فإن قادة التناوب الثاني و رغم كل الانتكاسات المتتالية و منذ بداية التجربة اعتمادا على تحالفات هشة مع أحزاب لا يجمعها أي قاسم مشترك سوى تأتيت المشهد السياسي بتكميل النصاب القانوني مقابل المناصب و المغانم، بما في ذلك الحزب اليساري الذي راهن عليه  العدالة و التنمية بخصوص منحه المشروعية التاريخية التي تنقصه، قبل أن ينتهي به الأمر إلى إعفاء قيادييه بتهمة ضعف الحكامة وسوء التدبير، ورغم التقارير الدولية و المحلية التي ترتب البلد في المراتب المتدنية المهينة بخصوص واقع التنمية البشرية باعتبارها معيار ترتيب دول المعمور و تصنيفها، وفاجعة ضحايا التدافع من أجل الدقيق أكبر شاهد على ذلك، ورغم تفاقم و استفحال آفة الفساد في كل القطاعات ووصولها حالة الاستعصاء التي اعترف بها و استنكرها الجميع بما فيها تلك الصادرة من أعلى مستويات الدولة و ما ترتب على ذلك من إعفاءات و إجراءات عقابية لا تمس المعنيين بها فقط، بل تطال التجربة برمتها أخذا بعين الاعتبار ما تم ترديده طيلة التجربة و لا زال يردد رغم الانتكاسات المتتالية لما يسمى بالانسجام الحكومي، و رغم ما وصل إليه وهم مواصلة الإصلاح المتعذر وما آل إليه من مخرجات تم الاعتراف رسميا خلالها بتورط وزراء القطاعات الاستراتيجية كالتعليم والصحة و السكن في ورطة ضعف الإحساس بالمسؤولية وسوء الحكامة و غياب الفاعلية و النجاعة في التدبير، ورغم ضياع ست سنوات كاملة في الصراع المرير مع فاعل سياسي جديد جيء به لملء الفراغ المميت الذي ترتب نتيجة فشل التناوب الأول في تحقيق الحد الأدنى من الحاجات والانتظارات ، حيث تحول الشعار من محاربة الفساد و الاستبداد إلى بذل أقصى الجهود لتقديم ما يكفي من الأدلة حول من ألأجدر و الأقدر على القرب من الدولة و خدمتها والحفاظ على المواقع ضمنها و مهما كلف ذلك من ثمن، و رغم الوقوف عمليا على الرسائل المتكررة بخصوص حدود و أعطاب شرعية انتخابية تعول على حلفاء متمرسين بالتعايش مع الفساد، شاركوا في كل التجارب الحكومية السابقة و يتحملون جميعهم مسؤولية تفشي واستفحال المعضلات التي يدعون اليوم التحالف من أجل مواجهتها، ورغم تجرع كل آليات الإبعاد القهري و الابتعاد الاختياري من مواجهة المشكلات الحقيقية و على رأسها المعضلة التعليمية التي يتم التفرج اليوم على ما آلت إليه المدرسة من وضع تحولت معه من فضاء لتشريب القيم إلى فضاء سائب أقرب ما يكون إلى واقع عنف الكل ضد الكل ،و رغم التعايش و التطبيع بل و الاستفادة من آليات و صيغ الريع السياسي الذي اتخذ شكل ريع مقنن تواطأت عليه الأحزاب تحت عنوان لوائح النساء و الشباب كأدهى حيلة لتأتيت المشهد مقابل “الحق في الريع” بمباركة الجميع  ….رغم كل ذلك وغيره كثير مما لا يتسع له المقام فإن قادة و مهندسي و منظري ووزراء و برلمانيي  التناوب الثاني بشوطيه لم يعترفوا بعد بوصول التجربة إلى الباب المسدود، بل و على عكس ما اقر به قادة التناوب الأول من شجاعة في الإعلان عن الفشل، لا زال قياديو التناوب الثاني يمنون النفس مرددين شعار مواصلة الإصلاح، و مواجهة التحكم مما يطرح معه سؤالين صريحين :                                                                             

-هل يتعلق الأمر برهان حقيقي على إصلاح ممكن توفرت كل شروطه الذاتية والموضوعية، أم هو مجرد تمسك بمواصلة السير في الطريق الآمن الضامن للبقاء في السلطة، وانتظار فسح هامش للاندماج في بنية التحكم ومهما بلغت كلفة هذا البقاء أو الإدماج؟.                                          

– و هل قدر فضيلة الاعتراف و كما علمنا التناوب األأول لن تتوفر إلا بعد مغادرة السلطة أي بعد فوات الأوان و حينها لن  يصبح للاعتراف أية قيمة أخلاقية، بل مجرد حق أريد به باطل؟.