أوضح المركز المغربي لحقوق الإنسان في تقرير أنجزه، بعد حادث وفاة عاملين، الأخوين حسين (23 سنة) وجدوان (30 سنة)،  في آبار الفحم الحجري يوم 23 دجنبر. وهي آبار يتحكم فيها بارونات الريع استفادوا من تراخيص استغلال الفحم الحجري التي منحتها السلطة المحلية والإقليمية والجهوية لهم بعد الإغلاق المنجم سنة 1998.

 يقوم بارونات الفحم الحجري و الريع بمدينة “جرادة” المنكوبة بتسخير عمال استخراج الفحم وممارسة استغلالهم البشع من طرف  بارونات الريع دون أدنى شرط السلامة لحماية العمال الذين يعملون بوسائل جد بدائية، وبعلم السلطة المحلية والإقليمية و الجهوية التي وفرت ولازالت توفر كل ظروف ارتكاب جرائم الاستغلال القريبة من القنانة، الوضع الذي أدى إلى استشهاد عاملين آخرين، كما ورد في تقرير “المركز المغربي لحقوق الانسان”.

إن هذا الحادث المأساوي ليس سوى نتيجة لسياسة اقتصاد الريع الذي يمارسها النظام السياسي والتي تطلق اليد لبارونات الريع و لطبقة كمبرادورية تمتص دماء الطبقة العاملة وتجني الأرباح و الثروة من بؤس العمال.    

بعد إغلاق مناجم جرادة العشوائية رخصت السلطات المحلية والوزارة الوصية استغلالها لفائدة بارونات الريع الذين لا هم لهم سوى مراكمة الثروة. أما العمال فليس لهم أبسط الحقوق. يشتغلون بنظام السخرة. يشتغلون في ظروف حيوانية بدون حقوق ولا كرامة ولا اعتبار لإنسانيتهم. يعيشون في بيوت غير لائقة للسكن. حياة الفقر والبؤس والمصير المجهول. الشقاء و الموت يعرفهم. و ليس لهم خيار لأن الدولة وحكومتها و برلمانها يحسنون صياغة الخطاب الزائف والبكاء كلما فضح الواقع مأساة من مآسي بؤس الاستغلال الطبقي والحكرة و هدر كرامة و دونية الإنسان الشعبي المغربي.       

يجب رؤية مئات العمال، الذين يقدر عددهم بالألف، عمال البؤس و هدر إنسانيتهم في مناجم جرادة يتحركون في الفجر لونهم شاحب معفر بسواد الفحم. أغلبهم تسكنهم نحافة ناتجة عن إصابتهم بتصون الرئة (silicose). يغرقون في آبار المنجم وكل أملهم أن يخرجوا كنها أحياء. وفكرة تلازمهم الموت داخل بئر الفحم بدلا من العيش شحاذين يمدون اليد للاسترزاق. الأمل في الحياة يتقلص بقدر هبوط العامل إلى آبار السيليكوز.

  هذه الحفر سوداء ضيقة بالكاد يتحرك فيها العامل و فوق رأسه أطنان من الفحم قد تنهار في أي لحظة.  الأخوين حسين و جدوان، 23 و30 سنة، داهمهما ماء جارف وهما يحفران الفحم بحثا عن لقمة خبز، كانا صحبة عامل آخر استطاع النجاة داخل البئر المنجمي  يوم الجمعة 22 دجنبر.. لكن لم تنتشل جثتهما إلا بعد 36 ساعة من طرف عمال آخرين في غياب شبه كامل للوقاية المدنية.

وباستثناء آبار الفحم والموت، ليس للعمال وللمواطنين وللمواطنات في مدينة جرادة بديلا للحصول على مورد مالي أو عمل للاستمرار في عيش علقم  و حياة البؤس.  

أغلقت الدولة مناجم جرادة سنة 1998 بدعوى أن ليست لها مردودية مالية. وتم التخلي عن حوالي 5000 عامل دون بلورة مشاريع اقتصادية في مدينة جرادة لأنها مدينة منسية وغير نافعة للطبقة المسيطرة. الدولة لا تهتم بمصير مواطنين يفقدون عملهم بسبب سياستها. و 70 سنة إنتاج (1929-1998) وسياسة تدبير المناجم ومداخلها لم تبلور خطة اقتصاد بديل يحقق مشاريع اقتصادية بديلة لتنمية المدينة اقتصاديا و مجاليا وإنسانيا وطرقا تكسر عزلتها وتضمن الشغل لشباب ولساكنة مدينة جرادة.    

                                                             2

بالنسبة لإدريس بنهيمة، الذي كان وزيرا سابقا للطاقة و المعادن ومديرا عاما سابقا للمكتب الوطني للكهرباء يعتبر أنه طيلة 70 سنة تدفقت على مدينة جرادة أموالا طائلة لكن لم يتم خلق أنشطة اقتصادية لخلق مناصب الشغل لأن هذه المدينة المعزولة لا تجلب مستثمرين. كما يعتبر أن استمرار منجم الفحم في العمل أصبح آنذاك أمرا مستحيلا، بالنظر لأن استخراج الفحم الحجري لجرادة أصبح مضاعفا بأكثر من 3 مرات عن سعره في السوق العالمي. و من جهة ثانية استمرار العمل في المنجم يعني انتشار مرض السيليكوز. لذلك تم إغلاق المنجم وتعويض 5000 عامل، تقاضى كل عامل 000 260 درهم. 

لكن ما لم يفهمه السيد إدريس بنهيمة، هو أن تعويض العمال بالطريقة التي تم بها كان عملا هدفه الأول والأخير هو تشتيت حركة العمال المناهضة لقرار الإغلاق دون بلورة مخطط قصير ومتوسط المدى مع العمال لاستثمار ولتنمية هذه التعويضات في مشاريع اقتصادية في قطاعات الفلاحة، والصناعية والخدمات لتنمية اقتصادية واجتماعية وإنسانية للمدينة وللمنطقة.  

كما أن أسعار الفحم الحجري اليوم في العالم وصلت إلى حوالي 300 دولار للطن في بعض التعاملات مع نهاية بسبب المضاربة على الأسعار في الصين أكبر مستهلك للفحم في العم و زيادة طلبها على مزيد من الفحم. (انظر “ميتال اكسبريت” موقع “الاتحاد العربي للحديد والصلب”).

ثم قول ادريس بنهيمة أن إنتاج الفحم الحجري المغربي يكلفنا 750 درهم للطن في المغرب هذه معطيات وفي العالم لا يتعدى الطن من الفحم الحجري 250 درهم. كان ذلك آنذاك وهذه معطيات 1998 !! أما اليوم فقد  أصبح سعر الطن الواحد عالميا مرتفعا اليوم يصل إلى حوالي 300 دولار(3000 درهم) للطن الواحد يشتريه المغرب بالعملة الصعبة مقارنة و ليس كسعر سنة 1998 الذي كان منخفضا حسب تصريح بنهبمة لا يتجاوز 25 دولار للطن من الفحم الحجري.            

مع إغلاق المنجم، أي منذ عقدين، بدأ نزول “جرادة” و مواطنيها إلى جحيم الفحم الذي عرف عدة مآسي راح  ضحيتها شباب وكهول لأن هذه المآسي تتكرر داخل آبار الفحم العشوائية أو بسبب مرض السيليكوز الذي نخر أجساد العمال الـ 5000 و ينخر اليوم العمال الشباب الذين يخاطرون بحياتهم ليغتني بارونات الريع الذين رخصت لهم الدولة استغلال العمال والفحم الحجري.

وبالتالي في غياب سياسة تنمية اقتصاد بديل في مدينة جرادة بقيت مدينة حبيسة موقعها المعزول والسيليكوز وحوادث موت العمال. وهي المدينة التي كانت أهم منتج للفحم الحجري المزود تاريخيا في المغرب بجزء مهم من الطاقة. لكن هذه الميزة ستكون، في غياب مشاريع اقتصادية بديلة، سببا في تدهورها البيئي والاقتصادي والاجتماعي بعد إغلاق مناجمها الفحمية.

حسب مقال PIERRE-OLIVIER ROUAUD  المنشور في موقع  (https://www.usinenouvelle. com)  بتاريخ 25 غشت 2014 يؤكد أن 20 % من الطلب على الكهرباء في المغرب ستغطيها سنة 2020 الطاقات المتجددة (الشمسية و الهوائية…)، لكن لضمان الاستجابة لحاجات المغرب، عدد من مشاريع الفحم الحجري تمت برمجتها. “طاقة”، مجموعة أبو ظبي، ستطلق بالتالي في المغرب مع بداية 2014  خدمة توسيع محطة

JLEC قرب الميناء الصناعي “الجرف الاصفر”.  وهذا التوسيع الذي بلغ 700 ميغاوات سينجز على دفعتين من إنتاج الطاقة بالفحم الحجري الخالص مصنوع من طرف ميتسو (Mitsui) ودايوو للهندسة   ( Engineering  (Daewoo). 

 وحدها ( JLEC) أنتجت 38% من الطاقة الكهربائية للبلاد في عام 2013، ومن المتوقع أن يصل إلى 50 في المائة هذا العام توسيع الـ 700 ميغا وات بشريحتين للفحم النظيف، المصنعة بواسطة الهندسة ميتسوي والهندسة دايو بمبلغ 1.6 مليار.

   محطة أخرى حرارية للطاقة النظيفة من الفحم يتم إنشاؤها  في أسفي، جنوب جرف الأصفر. هو مشروع على دفعتين تصل إلى 693 ميغاوات تنجزه شركات ناريفا Nareva وGDFالسويس وميتسوي، تجمعت في الشركة سافيك (Safiec)، تعمل تحت نظام “المنتج المستقل” مع عقد بيع أكثر من ثلاثين عاماً إلى المكتب الوطني للكهرباء تم توقعه في سبتمبر 2013.

وستجهز ميناء تابع للمحطة الحرارية القادرة على التهام 3 مليون طن من الفحم الحجري سنوياً!

أنجز المحطة “Daewoo  Engineering”،و تكلفة المشروع تصل إلى 2.5 مليار تمول كديون.

وباﻹضافة إلى ذلك، تمديد Onee الفحم جرادة له النبات، “جنوب وجدة”، 270 مليون يورو، عقد فاز الصيني الثالثSepco. في المجموع، من 2011 إلى 2015، يجب أن تجتاز ساحة الفحم 1 785 3 805 ميغاواط.

وتستعد إدارة المحطة الحرارية، بتنسيق مع الشركة الصينية المكلفة (Sepco III)، بإنجاز مشروع الشطر الرابع. (موقع “مغرب اليوم”).

أما أسعار الفحم الحجري اليوم في العالم فإنه يصل إلى حوالي 300 دولار للطن في بعض التعاملات مع نهاية بسبب المضاربة على الأسعار في الصين اكبر مستهلك للفحم في العم و زيادة طلبها على مزيد من الفحم. (ميتال اكسبريت موقع “الاتحاد العربي للحديد والصلب”).

من كل ما سلف يتضح مرة أخرى أن السياسة الاقتصادية الرأسمالية الكمبرادورية السائدة في المغرب، و التي ينص عليها دستور 2011 في صيغتين من الفصل 35 : “تضمن الدولة حرية المبادرة” و وتضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر”) لا تخدم مصالح الطبقات الشعبية بقدر ما تخدم مصالح قوى الدول الرأسمالية العالمية وطبقة البرجوازية الكمبرادورية (تجارية، عقارية، فلاحية، صناعية) التي لم تعد منذ نشأتها في حضن الاستعمار وتطورها في حضن المخزن لوطنيتها.