بينما نتابع سلوك البلدان الآسيوية، وسعيها الجاد لتجنيب المنطقة ويلات الحروب، والتدخل    العسكري الأمريكي، نلاحظ تهافت بعض قادة بلدان الخليج العربي نحو تأييد الإجراءات التصعيدية والعدوانية ضد بلدان الجوار لاسيما إيران و سوريا…مبدئيا، لسنا من المؤيديين للسلوك الإيراني العدائي تجاه الإقليم العربي، خاصة ضد المسلمين من السنة، فهي تلعب دور خبيث ذو صبغة طائفية، يرسخ للفوضى و العنف والفرقة في المنطقة، فدورها  في العراق وسوريا واليمن كان ولازال سلبي للغاية…

لكن، علينا في ذات الوقت أن نقر بأن موقف بلدان الخليج تجاه الملف النووي الإيراني والانحياز السافر للتصور و الرؤية الأمريكية والصهيونية، يعد شكل من أشكال العدوان و التهديد للأمن القومي الإيراني ، فالمسؤولية إذن مشتركة، لكن إذا كانت إيران تخدم مصالحها وتحاول توسيع دائرة نفوذها بالمنطقة لضغط على الغرب ، وحماية أمنها القومي ، فبالعكس الموقف الخليجي يضر بمصلحة شعوب الخليج، التي لا تملك ناقة ولا جمل في الملف النووي الإيراني…

و حجتنا في ذلك، أن موقف الخليج المؤيد لانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي ، هو توجه خاطئ ولن تجني من ورائه بلدان الخليج أي مكاسب أمنية أو سياسية أو اقتصادية، فالتصعيد العسكري سيضر لا محالة بشعوب الإقليم، والتدخل العسكري ضد إيران سيعطي لهذه الأخيرة، الغطاء الشرعي لضرب دول الجوار الحليفة لأمريكا و إسرائيل..

فبلدان الخليج تدفع وستدفع الثمن غاليا، فموقفها المعادي لثورات الربيع العربي وسعيها الحثيث لكبح جماح التحول الديموقراطي السلمي و المدني، في مصر و اليمن وليبيا وسوريا، وتأمرها في السابق للإطاحة بصدام حسين وتدمير الدولة العراقية، جعل المنطقة فارغة و مطاطة، وهو ما استغلته إيران لترسيخ نفوذها الإقليمي…

فالتحدي الذي يواجه بلدان الخليج هو البحث عن جمع شتات الكيان العربي ، والسعي نحو رفع اليد على حركات التحرر في الإقليم وخاصة في مصر، باعتبارها القوة العربية الوحيدة التي تملك القوة الصلبة لمواجهة التمدد الإيراني، لكن وجود نظام حاكم استبدادي معادي للمصالح الوطنية والقومية يمنع من تفعيل الدور المصري الايجابي في المنطقة العربية، فتحرر مصر من قبضة الاستبداد وتحرر باقي البلاد العربية وصعود أنظمة حكم ديموقراطية هو البوابة لمواجهة حالة الانحدار والتفكك في الإقليم العربي…

كما أنه ينبغي دعم الجار الإيراني في سعيه لدفاع عن حقه المشروع في الحصول على التكنولوجيا النووية والابتعاد عن فرض الوصاية على الطموح النووي الإيراني، مادام أن الكيان الصهيوني يمتلك السلاح النووي فمن حق بلدان الإقليم أن تسعى لامتلاك أدوات الردع، بل من الواجب شرعا وعقلا على البلدان العربية أن تسعى بدورها لتطوير قدراتها العسكرية و النووية لمواجهة التهديد الصهيوني مصداقا لقوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَاتُظْلَمُونَ })الأنفال الآية ٦٠).

أما التبعية للموقف الأمريكي و الإسرائيلي فلن يخدم مصلحة بلدان الخليج ، فهي من ستدفع فاتورة التوثر من أموال ودماء شعوبها، لأجل ذلك، فمن الحكمة و الكياسة الاستفادة من بلدان شرق آسيا التي عملت على نبذ لغة التهديد والوعيد تجاه الجار الكوري الشمالي ، بل عملت على نهج أسلوب مرن يشجع على فتح قنوات الحوار والتعاون، وهو ما توج باللقاء التاريخي بين زعيمي كوريا الشمالية والجنوبية..

فعلى بلدان الخليج تبني ذات الأسلوب المرن واعتبار الملف النووي شأن داخلي يهم أهل الإقليم بدرجة أولى..وقنوات التواصل مع إيران مفتوحة ومتاحة و القواسم المشتركة أكثر من نقاط الخلاف، لكن ما على أهل الإقليم إلا الإنصات لصوت العقل والمصالح المشتركة..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…