لا تتردد الدولة الإيرانية لحظة واحدة في إعلان دعمها للمقاومة في لبنان ممثلة في حزب الله، وللمقاومة في فلسطين ممثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكل من يحمل السلاح لمواجهة إسرائيل، إنها تجاهر بذلك على أفواه كبار مسؤوليها العسكريين، والسياسيين، ورجال الدين، وتجعل من موضوع دعم المقاومة المادة الرئيسية في وسائل إعلامها..

 كما أن طهران لا تخفي مساندتها للعراق وسورية ودعمها لهما في محاربتهما للإرهاب المختلف الأشكال والألوان الذي استوطن المنطقة واحتلها عقب الغزو الأمريكي للعراق، وحلِّ جيشه وأجهزته الأمنية، وتدميره التدمير الشامل، فقبل الغزو لم يكن في المنطقة، لا داعش، ولا النصرة، ولا القاعدة، ولا أحرار الشام.. وتعلن إيران عن تأييدها لحركة الحوثيين في اليمن، وتدعو لإيجاد حل سلمي للصراع بين اليمنيين، عوض لغة السلاح المستعملة من طرف قوى التحالف السعودي الإماراتي..

وحين تقوم إيران بذلك، فإنها لا تتصرف، كما قد يتوهم بعضنا، تحت واعز الاعتبارات المبدئية أو الأخلاقية أو الدينية المحضة، فمن الجائز أن تكون مثل هذه العوامل حاضرة في عقل صاحب القرار الإيراني، ولكنها وحدها لا تكفي لا تخاذ قرارات مكلفة ومرهقة بشريا وماديا، فالمصالح المادية الصرفة هي التي تتحكم في السياسة، وتملي على الفاعلين فيها اختياراتهم التي تكون في بعض الأحيان اختيارات مؤلمة. يجوز القول، إن العامل الحاسم في دعم إيران للمقاومة في لبنان، وفي فلسطين، ودفعها للوقوف إلى جانب الدولة السورية والعراقية هي المصلحة القومية الإيرانية بالدرجة الأولى.

 لا تملك إيران ما بعد الثورة ترف التصرف بلامبالاة أمام المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة الذي يستهدف قطع رأسها، إنها تواجهه في فلسطين وتخلق له المشاكل لتشغله عنها. تدرك طهران أن تصفية القضية الفلسطينية، يعني التفرغ لها، وأن تدمير سورية والعراق وتقسيمهما كما تشاء وتعمل لذلك الإدارة الأمريكية، ومعها ربيبتها إسرائيل، يشكل مقدمة لتدمير وتقسيم إيران نفسها، من المستحيل أن تترك واشنطن وتل أبيب إيران دولة قوية وموحدة ومتمكنة، في حين تكون بجوارها دول هشة وضعيفة ومقسمة، مثل العراق وسورية واليمن، لأن ذلك سيغري إيران بمد الذراع لهذه الدول وفرض السيطرة عليها، وهذا ما لا تقبل به الإدارة الأمريكية، ومعها إسرائيل، وستعملان على خلق نفس الواقع التقسيمي في إيران، إن تحقق لهما ذلك في العراق وسورية.

 ومن هنا فإن الدفاع عن وحدة سورية والعراق هو في الحقيقة دفاع متقدم عن إيران ذاتها، ولقد صرح بذلك العديد من المسؤولين الإيرانيين، وقالوا إن عدم محاربة الإرهاب في العراق وسورية كان سيستوجب محاربته في قم وخراسان وطهران.. ووظيفة الإرهاب والإرهابيين ليست بث التدمير والفوضى والقتل وسفك الدماء فحسب، إنهم لا يقومون بذلك لذاته، كما قد يتخيل بعضنا، التدمير والقتل والتخريب ليسوا إلا أدوات وآليات لتحقيق ما هو أخطر، والذي هو تفتيت دول المنطقة على أسس طائفية، وعرقية، ومذهبية، كما صرحت بذلك الوزيرة كونداليزا رايس، حين بشرتنا بضرورة إنشاء الشرق الأوسط الجديد بالفوضى الخلاقة في خضم عدوان تموز 2006 على لبنان..

والهدف النهائي هو أن تصبح دول الشرق الأوسط ممزقة بالحروب، والفتن، وغارقة في دمائها وأشلاء ابنائها، في حين تكون إسرائيل وقتها هي الدولة القوية، المتماسكة، والمعافاة، والمتطورة اقتصاديا، وتقنيا، وعسكريا، والتي لها اليد الطولى في المنطقة تتحكم فيها كما يشاء ويحلو لها، وتقودها بالشروط المناسبة لها، وليس أقلها تصفية القضية الفلسطينية، ومنع دول المنطقة من تحقيق تنميتها واستقلالها الفعلي للاستمرار في الهيمنة  المطلقة على خيراتها، وثرواتها، ونهبها وحرمان أهلها من توظيفها لفائدتهم في الحال وفي المستقبل..

وإذا كانت إيران ضد التجزئة والتفتيت لدول المنطقة في المشرق العربي، فإنها لا يمكنها أن تكون إلا كذلك، ضد التجزئة في المغرب العربي، وذلك انطلاقا من المصلحة الإيرانية الصرفة، فالإيرانيون يتميزون بما يكفي من الذكاء لإدراك أن أي تقسيم لأي دولة في المغرب العربي، سيوازيه وقد يتبعه تقسيم لدول المشرق، فالأمريكان والإسرائيليون يتعاملون مع هذه المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، والتي تشمل أيضا إيران بمنطق واحد، إنهم يعتبرونها وحدة متكاملة، ما يسري في جهة منها، إن كان تقسيما، قد يمتد لباقي الجهات الأخرى.

ولذلك، ليس من مصلحة إيران دعم انفصال الأقاليم الصحراوية عن المغرب، إن في ذلك تهديدا محتملا لوحدتها الترابية هي أيضا، وفيه تهديد لوحدة الجزائر وليبيا وموريتانيا.. كما أن تدمير إيران وتقسيمها قد يؤدي إلى إلحاق نفس المصير بالمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، وربما مصر، وليبيا، والسودان ناهيك عن سورية والعراق واليمن..

 إن في وحدة كل دولة من دول المنطقة وسلامة أراضيها، ضمانا لوحدة باقي الدول المجاورة لها ولسلامة أراضيها، وكل تقسيم لأي دولة، ستنتقل عدواه لباقي الدول المحيطة بها، كما أن لإيران وحزب الله ما يكفي من المشاكل في المشرق العربي، ولا أظن أن لهما منفعة أو فائدة في إضافة مشاكل أخرى لهم، بمنطقة المغرب العربي..