نعيش خلال هذه الأيام أزمة تربوية، طالت معظم الأسر المغربية، حيث أصبح أمرا مثيرا للقلق، أن تفقد كثير من هذه الأسر القدرة على ضبط وتهذيب سلوك أبنائها وبناتها، وحتى الأسر المحافظة والملتزمة، لم تسلم من ذلك، والغريب أن بعض “الملتزمين” عوض أن يهتموا بدعوة أقاربهم إلى الأخلاق والقيم الإسلامية، ينشغلون بدعوة عامة الناس ممن لا تربطهم بهم أية علاقة، وهو ما أدى إلى ظهور انحرافات سلوكية داخل الأسر المحافظة والملتزمة بشكل لم نعهده من قبل.

إن الجيل الجديد من الأسر المغربية الملتزمة، لم يعد يعطي أهمية كبيرة لقضية تربية أبناءه وبناته على قيم الإسلام، عكس الأجيال السابقة، وإنما أصبح همها الوحيد هو العمل على تلبية احتياجاتهم المعيشية، وهذا ما جعلنا نسجل بأسف شديد، تنامي الانحراف الخلقي داخل هذه الأوساط، بحيث لا يمكن التمييز في السلوك بين أبناء وبنات الأسر الملتزمة وغير الملتزمة، وأصبح كثير من الآباء والأمهات “الملتزمين دينيا” لا يجدون حرجا في التعايش مع أبناء يرتدون لباسا مثيرا وقصات شعر غريبة، وبنات  بدون حجاب، ومع ذلك، تجدهم أحرص الناس على “الدعوة” خارج بيوتهم..؟؟ !!

هذا الواقع المختل، يدل على أن هناك أزمة تربية لدى الأسرة المغربية عامة، والأسرة المحافظة والملتزمة خاصة، والتي ترجع بالأساس إلى التقصير والتراخي في تحمل الآباء والأمهات لمسؤوليتهم التربوية، وخاصة في السنوات الأولى من عمر الأولاد، بحيث ينشغلون بتعليمهم وتأمين احتياجاتهم المادية، ويغفلون عن تربيتهم على القيم والأخلاق الإسلامية، فتمرّ سنوات الطفولة بسرعة، ليتفاجؤوا ببلوغ أبنائهم وبناتهم سن “المراهقة”، دون أن يكون لديهم رصيد من التربية الإسلامية الصحيحة، وعندما يريدون تصحيح الخطأ، واستدراك ما فاتهم من التزامات أسرية،  يجدون رفضا وتمردا منهم، وفي بعض الأحيان، يكون مصير هؤلاء الأولاد الخروج عن سيطرة والديهم.

لا يمكن فصل معاناة كثير من الأسر المغربية مع أبنائها وبناتها، عن تهاونهم وتقصيرهم في القيام بواجبهم التربوي، عندما كانوا صغارا ولديهم قابلية للتوجيه والهذيب، وقد يكون سبب ذلك تصور خاطئ، مفاده أن الأولاد لا زالوا صغارا، ولا يمكن تحميلهم فوق طاقتهم، وحملهم على القيام بالواجبات الشرعية، كأداء الصلاة ولبس الحجاب مثلا، لأنهم لم يبلغوا سن التكليف، لكنهم يغفلون عن كون تشجيع الأبناء وتعويدهم على ممارسة الشعائر والتحلي بالأخلاق الإسلامية في الصغر، من شأنه أن يجعلهم مهيئين فكريا ونفسيا، للقيام بالواجبات الدينية طواعية، عند بلوغهم مرحلة الرشد والتكليف…

ومن خلال معرفتي لعدد غير قليل من الأسر الملتزمة، أستغرب كيف تسمح لبناتها بالخروج بلباس مخالف لضوابط اللباس الشرعي، وأبناؤها لا يؤدون فريضة الصلاة، رغم بلوغهم سن التكليف، ومن المعلوم من الدين الإسلامي أن الآباء والأمهات يتحملون مسؤولية تعليم أبنائهم وبناتهم على أداء الصلوات منذ سبع سنين، ومع ذلك، لا نجد للأسف أثرا لهذا الهدي داخل عدد من هذه الأسر، بسبب انشغالها بالالتزامات المادية، عن الالتزامات التربوية.