لماذا يحارب المثقفون المغاربة اللغة الدارجة بكل هذه الشراسة؟
تخيلوا معي لو أن المغرب قرر عام 1956 أن يتبنى اللغة اللاتينية LINGVA LATINA (لغة الرومان القدامى) كلغة رسمية دستورية وكلغة إجبارية في كل المدارس والإعلام الرسمي والإدارات وأنه قرر أيضا أن يقمع اللغتين الشعبيتين: الأمازيغية و”الدارجة الڤولگارية” Vulgar (لنتخيل مثلا أن تلك “الدارجة الڤولگارية” الافتراضية خليط من الأمازيغية واللاتينية).
آراء أخرى
فرغم أن اللغة اللاتينية الفصحى لا يتحدثها مغربي واحد كلغة أمّ فإنها ستنجح كلغة مكتوبة مدرسية وأدبية وإعلامية في المجال المكتوب بفضل التدريس الإجباري والتمويل الحكومي، وستكون حالتها مطابقة لحالة العربية الفصحى اليوم بالمغرب. وإذا طالب المغاربة بتدريس وترسيم الأمازيغية و”الدارجة الڤولگارية” فسيخرج أنصار اللغة اللاتينية الفصحى من الأمازيغ المغاربة المُتَرَوْمِنِينَ (أتباع النزعة القومية الرومانية) ورجال الدين الرسمي يزمجرون ويتهمون أنصار الأمازيغية و”الدارجة الڤولگارية” بمحاربة اللغة اللاتينية الفصحى (التي هي طبعا “لغة الجنة”) وبالتآمر على الدين الرسمي وبالتقسيم والانفصالية والعرقية والوثنية والصهيونية والتلهيج وبأنهم عملاء للمخابرات الإغريقية الخطيرة! وسيكتب المغاربة المناصرون للغة اللاتينية الفصحى المقالات الإنشائية باللاتينية الفصحى يمدحون فيها اللاتينية الفصحى ويحاربون فيها “الدارجة الڤولگارية” والأمازيغية ويعبرون عن اشمئزازهم من كلمات “العامية” الشعبية مثل seksu أو kseksu أو sakuk أو abeɣrir أو xringu أو atay أو amlu أو sellu أو argan أو zembu أو taẓemmiṭ ولا شك في أنهم سيعتبرون هذه الكلمات “العامّية” مؤامرة على اللغة اللاتينية الفصحى!
كنت قد نشرت مقالا مكتوبا باللغة الدارجة عنوانه: “خاصّنا نكتبو لمازغيا بلحرف لّاتيني و نقرّيو دّاريجا و نّگليزيا”. ومن يقرأه لن يستطيع أن ينكر أن اللغة الدارجة لغة قائمة بذاتها وقابلة للكتابة فورا وأنها تملك قواعد لغوية طبيعية متماسكة consistent كأية لغة طبيعية أخرى.
ولكننا نلاحظ أن معظم أو أكثر المثقفين المغاربة يحاربون اللغة الدارجة بشراسة منقطعة النظير وباستعلاء وغطرسة مذهلة ستذهل حتما كل الأجانب عن المغرب وعلى رأسهم العرب الحقيقيون في السعودية.
وحسب ملاحظاتي فإن معظم المثقفين المغاربة التعريبيين والإسلاميين يؤمنون بأن اللغة الدارجة تهديد خطير للعربية الفصحى، ويرفضون إدماج اللغة الدارجة مع اللغة العربية في نفس الكتاب المدرسي وكذلك يرفضون أن تكون الدارجة لغة مدرسية مكتوبة مستقلة بذاتها ومنفصلة عن العربية الفصحى.
يعني: لا يريدون للدارجة أن تعيش مع العربية الفصحى في الكتب والمدارس ولا يريدون للدارجة أن تدرس كلغة مستقلة بذاتها. أي أنهم يريدون للدارجة أن تبقى إلى الأبد في أسفل سافلين متشردة في الشوارع وشفوية لا يكتبها أحد ولا يقرأها أحد، وذلك لكي تعيش العربية الفصحى لوحدها (أو مع الفرنسية) في المكاتب الوثيرة والجامعات الرفيعة والمجالس السامية والصالونات الأنيقة لا تكدّر نعيمها لغة الرعاع الدارجة أو الأمازيغية.
وإذا وضعنا موقف التعريبيين والإسلاميين من اللغة الدارجة في سياق الأيديولوجيات السياسية التعريبية والإسلامية فسنجد أن الأمر يتعلق بإمبريالية استعمارية عربية إسلامية تحارب كل ما هو وطني ومتميز وغير عربي (الأمازيغية، الدارجة، الهوية الأمازيغية، الاستقلالية المغربية) وتروج المشروع الأجنبي الذي هو إدماج بل صهر وتذويب المغرب في “عالم العرب” (“العالم العربي”) لخدمة قضايا العرب (مثل فلسطين والجولان والحرب ضد إيران) ولتذويب المغرب في المشروع السياسي للإسلاميين المتمثل في الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية التي لغتها الرسمية الوحيدة هي العربية الفصحى القرآنية الإسلامية.
في هذا العصر، لا يوجد في العالم المتقدم شعب طبيعي سوي ولا مثقف طبيعي سوي يحتقر اللغة الشعبية والدارجة الشعبية لبلده ويمجد اللغات الأجنبية على حساب لغة أو لغات وطنه الشعبية. هذه ظاهرة خاصة بالشعب المغربي والمثقفين المغاربة وبالشعوب الأمازيغية المستعربة والمتفرنسة التي تعاني من التخلف.
من بين التناقضات الصارخة أن المثقفين التعريبيين والإسلاميين المغاربة ومعهم جزء من الشعب المغربي ينددون يوميا بالاستعمار الفرنسي القديم والجديد (وينسون دائما الاستعمار الاسباني القديم والاستعمار الإسباني الحالي العسكري واللغوي لمليلية Mřič وسبتة Sebta و 21 جزيرة أمازيغية مغربية) ولكنهم يرحبون ترحيبا عظيما بأيديولوجية القومية العربية الاستعمارية التوسعية التي من أهم أركانها: تدمير كل اللغات المحلية (الأمازيغية والدارجة) وإحلال العربية الفصحى مكانها.
ورغم ادعاء هؤلاء التعريبيين والإسلاميين بأنهم ضد الاستعمار فتناقضاتهم تفضحهم كونهم لا ينزعجون من الاستعمار الأجنبي والغزو الثقافي الأجنبي إلا إذا كان غير عربي/غير إسلامي. ولا ينزعجون من اللغات واللهجات الأجنبية إلا إذا كانت غير عربية.
إما إذا كان الاستعمار الأجنبي أو الغزو الثقافي الأجنبي سعوديا أو قطريا أو إخوانيا أو سلفيا أو أمويا أو لبنانيا أو عروبيا أو تعريبيا أو بعثيا فأهلا وسهلا به!
إذن، التعريبيون والإسلاميون يرون أن:
– الفرانكوفونية قبيحة وشريرة. القومية العربية جميلة وخيرة.
– الاحتلال الفرنسي والإسباني والروماني قبيح وشرير. الاحتلال الأموي والعثماني جميل وخير.
– التأثير الفرانكوفوني والأوروبي شر مرفوض. التأثير السعودي واللبناني جيد ومرغوب.
– فرنسة المغرب مؤامرة شريرة. تعريب المغرب واجب نبيل.
– ترويج الدارجة والأمازيغية رذيلة. ترويج المصرية واللبنانية والسعودية فضيلة.
– كلمة “لبغرير” الدارجية ذات الأصل الأمازيغي (abeɣrir) شر ومؤامرة، ولكن كلمة “الكعك” و”الكعكة” ذات الأصل الأوروبي أو السومري (cake في الإنجليزية) فهي كلمة عادية حلال في نظر التعريبيين.
(ملاحظة طريفة: التعريبيون والإسلاميون فشلوا لحد الآن في تقديم المقابل العربي الفصيح لكلمة “لبغرير”. إذا عرف السبب بطل العجب. “لبغرير” اختراع أمازيغي مغربي مثلما أن “بيتزا” pizza اختراع إيطالي.)
– كلمة “لبريوات” الدارجية التي هي تصغير لـ”لبرا” (الرسالة) ذات الأصل الأمازيغي (من tabratt “الرسالة”) يعتبرها التعريبيون شرا ومؤامرة، ولكن كلمة “السكر” (المادة الحلوة المعروفة) ذات الأصل الفارسي “شكر” Shakar التي جاءت بدورها من الكلمة السنسكريتية الهندية “شاركارا” Sharkara فهي كلمة عادية جائزة وشرعية وحلال في نظر التعريبيين.
– كلمة “لغريبيا” أو “لغريبا” الدارجية حرام ومؤامرة على العربية في نظر التعريبيين. ولكن “البطاطس والطماطم” المأخوذتين من اللغات الأوروبية (potato and tomato) فهما كلمتان عربيتان حلال في نظر التعريبيين. ولكن حذار ثم حذار من “لبطاطا” و”لماطيشا” فهاتان الكلمتان الدارجيتان جزء من مؤامرة صهيونية صليبية خبيثة ضد العربية الفصحى والإسلام!
الموقف الطبيعي للمغربي هو أن يرفض الخضوع للفرانكوفونية والهيسبانوفونية والقومية العربية وأن يرفض التأثير الثقافي الفرنسي والإسباني والسعودي واللبناني معا إذا كان هذا التأثير الثقافي الأجنبي ضارا بالمغرب أو يحتل مكان اللغات والثقافات الأمازيغية المغربية الأصلية.
فالمغربي الأصيل والأمازيغي الأصيل الواعي سيستهجن وينفر حتما ممن يستعمل عبارة ?Ça va الفرنسية أو العبارة العربية الآسيوية “إيش لونك؟” لأن المغربي أو الأمازيغي الذي يستخدم هذه العبارات الأجنبية بشكل متعمد ومتكرر ومنتظم (وليس كمزحة لغوية مؤقتة) هو في الحقيقة يحاول إزالة العبارات الدارجية الأصيلة “كي راك؟” أو “كي راكي؟” أو “كي داير؟” أو “كي دايرا؟” والعبارات الأمازيغية ?Mamec tellid أو ?Mamec tedjid أو ?Manza keyyin أو ?Manza kemmin أو ?Manika tgit أو ?Matta cek أو ?Matta cem ويحاول تعويضها بعبارات أجنبية فرنسية من قارة أوروبا أو عربية من قارة آسيا. وهذا السلوك اللغوي المتفسخ هو استسلام غير ضروري وغير مبرر لثقافات ولغات أجنبية وتنازل عن ما هو أصيل ومتوفر وسهل ومفهوم، وهو محاولة للتلاعب بأساسيات اللغة الوطنية الشعبية وبعمودها الفقري جريا على تقليعات الموضة أو تأثرا بالأجانب.
وبسبب انعدام كتابة وتدريس اللغة الأم في المدرسة فإن المغرب أصبح أرضا مشاعا للغات ولهجات كل من هب ودب من الأجانب، لأن المغربي حين يشاهد التلفزة واليوتيوب فهو غالبا لا يجد أمامه إلا لغات ولهجات الأجانب الفرنسيين والعرب مكتوبة ومنطوقة في الأخبار والأفلام والأغاني فيتأثر بهم ويحاول أن يكون نسخة منهم ناسيا أو متناسيا لغته الأم الأمازيغية والدارجة. وحتى لو شاهد المغربي شيئا بالدارجة أو بالأمازيغية على التلفزة والإنترنيت فهو غالبا تهريج سمج رديء قبيح يجعل اللغة الأم الأمازيغية والدارجة ترتبط في عقل المغربي دائما بالسماجة والقبح والرداءة فيهرب منها إلى لهجات الأجانب العرب والفرنسيين الذين ينفقون أموالا ضخمة على لهجاتهم في إعلامهم وأفلامهم وبرامجهم الوثائقية فتبدو أنيقة جذابة.
الشيء الغريب في مسلسل محاربة المثقفين المغاربة للغة الدارجة بسبب خوفهم على العربية الفصحى هو أن اللغة العربية الفصحى في حالة جيدة أو لا بأس بها من الانتشار المدرسي الكتابي والأدبي والإعلامي المكتوب. فالعربية الفصحى لا يتحدث بها أحد كلغةٍ أمّ ولكنها في المجال الكتابي في حالة جيدة ومنتشرة كلغة صحافية وإعلامية مكتوبة (مثل نشرات الأخبار والصحافة) بفضل دعم أكثر من 20 دولة لها بملايير الدولار سنويا. ولا تستطيع اللغة الدارجة تهديد وجود اللغة العربية الفصحى في الإعلام المكتوب أو أخذ مكان اللغة العربية الفصحى في الإعلام لأن الأمور لا تتم بهذه السرعة ولا البساطة ولأن الأمر يعتمد على إرادة الشعوب. وهناك شعوب تقرر أن ترسّم وتستخدم عدة لغات في الدستور والمدرسة مثل الشعب السويسري الذي لديه 4 لغات وطنية ورسمية هي الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانتش، وهي رسمية في الدستور ومدرّسة في المدارس ومكتوبة على جواز السفر وعلى أوراق عملة الفرنك السويسري جنبا إلى جنب بالتساوي وبالحرف اللاتيني، دون أن تشكل تلك اللغات الأربع أية مشكلة لدولة أو شعب سويسرا، بل إن الاعتراف بتلك اللغات الأربع شكل لبنة لتقوية وحدة سويسرا وازدهارها.
إذن فاللغة الدارجة لديها إمكانياتها وفرص نموها وتطورها شفويا وكتابيا في اتجاه مواز لا يهدد العربية الفصحى.
لماذا يحارب كثير من المثقفين المغاربة اللغة الدارجة؟
1 – بسبب تضعضع ثقتهم بالعربية الفصحى. فالمثقفون المغاربة التعريبيون والإسلاميون يدركون قوة اللغة الشعبية ويخافون أن تأخذ الدارجة والأمازيغية الشعبيتان مكان العربية الفصحى في المؤسسات الرفيعة. ومن فرط تضعضع وانهيار ثقتهم بالعربية الفصحى أصبحوا يعتبرون أية كلمة غير عربية (مثل “لبغرير” Abeɣrir) قشة جبارة ستقصم ظهر البعير العربي. وبسبب استحواذ العقلية الأمنية المخابراتية على طريقة تفكير التعريبيين والإسلاميين فإنهم يعتبرون كلمة أو اثنتين من الدارجة اختراقا أمنيا استراتيجيا خطيرا بالضبط مثلما تتصرف أجهزة الأمن والمخابرات مع جاسوس أو إرهابي واحد ينكشف أمره. فالأمنيون والمخابراتيون لا ينتظرون حتى يكون هناك 1000 جاسوس أو 1000 إرهابي وإنما ينتقلون إلى حالة استنفار قصوى بمجرد الاشتباه في وجود جاسوس واحد أو إرهابي واحد بالمغرب. هكذا يشتغل التعريبيون والإسلاميون. فبمجرد اكتشافهم وجود بضع كلمات دارجية مكتوبة في كتاب مدرسي فإنهم يعتبرون ذلك اختراقا أمنيا استراتيجيا خطيرا (لذلك يستخدمون عبارة “الأمن اللغوي” و”الأمن الروحي”، فعقليتهم أمنية مخابراتية) فيدقون جرس الإنذار العسكري المخابراتي التعريبي الإسلامي ويشحذون أسلحتهم ضد اللغة الدارجة (وضد الأمازيغية بشكل مبطن) ويبدأون في بث نظريات المؤامرة الصهيونية الفرانكوفونية الصليبية. وبسبب فقدان التعريبيين والإسلاميين الثقة في قوة العربية الفصحى فإنهم يشعرون بالحاجة إلى حمايتها بمنع اللغات الأخرى من الوجود والتدريس، ولذلك يرون في تدريس أية لغة شعبية تهديدا خطيرا سيقضي على وجود اللغة العربية الفصحى قضاء مبرما. إن انعدام ثقة التعريبيين والإسلاميين في العربية الفصحى واحد من أبرز أسباب سلوكهم الهستيري المحارب للدارجة وكلماتها، وهو نفس السلوك الهستيري الذي حاربوا به الأمازيغية وبنفس الكلمات: “المؤامرة الفرانكوفونية الصهيونية” … “الحرب على العربية والإسلام” … “التقسيم” … “البلقنة” … “اللعب على وتر الأقليات” … “التغريب” … “التنصير” …إلخ.
2 – العاطفة الإسلامية والأيديولوجيا السياسية الإسلامية المضادة للدارجة والأمازيغية مستمدة من كون العربية الفصحى اللغة الرسمية للإسلام دينا وطقوسا ودولة وأيديولوجيا. فالحقيقة التي يعرفها الجميع ويسكت عنها الجميع هي أن الصلوات الإسلامية الخمس لا تجوز إلا بالعربية الفصحى. والحج الإسلامي لا يجوز إلا بالعربية الفصحى. فمن صلى الصلوات الإسلامية الخمس بلغة أخرى كالدارجة أو الأمازيغية أو الإنجليزية فصلاته باطلة وغير مقبولة من طرف الله حسب رجال الدين الإسلامي. وكذلك الحج بلغة أخرى غير العربية الفصحى باطل غير مقبول. وقد تطورت هذه القاعدة اللغوية العربية في الإسلام بسبب الطابع الجماعي والسياسي للإسلام حيث أن المصلين المسلمين يصلون صفوفا متراصة كالجيش المنظم خلف الإمام الذي هو الخليفة والحاكم والقائد في نفس الوقت، وهذا كله يستدعي أن تكون الصلاة الإسلامية بلغة واحدة موحدة وبكلمات موحدة محفوظة لكي تتم الوحدة الإسلامية السياسية المطلقة خلف الإمام الأمير الحاكم الملك الخليفة. فالصلاة بلغات مختلفة تجعل الصلاة الإسلامية الجماعية (خلف الإمام الحاكم) غير ممكنة إلا بالصمت وتجعل الدين شيئا فرديا وشخصيا أكثر فأكثر مما يفتح الباب أمام تغيير الناس أديانهم بسرعة وتكاثر المذاهب والهرطقات والتفسيرات الفردية للدين، وهذا كله يضعف سلطة الخليفة (المبنية على الدين) ويضعضع سلطة كهنة الإسلام ويُفقدهم السيطرة على رقاب الناس وحياتهم، وهذا ما لا تريده الدولة الإسلامية. وإنما الذي يريده الخليفة ورجال الدين هو ربط تدين الناس بالخليفة وإبقاء الناس على دين ملوكها وتعويد الناس على الصلاة الجماعية وراء الخليفة بنفس اللغة العربية الفصحى ونفس النصوص لترسيخ سلطة كهنة ورجال الدين الإسلامي ولترسيخ سلطة الإمام الذي هو خليفة المسلمين وقائدهم. ومن يحاول أن يشوش على هذا النظام اللغوي السلطوي الديني العربي الإسلامي ويطالب بتدريس اللغة الشعبية (الدارجة والأمازيغية) ستحاربه الدولة الإسلامية وستستهدفه جحافل رجال الدين لأنه يهدد سلطتهم المبنية على أحادية العربية الفصحى الإسلامية.
3 – تعريب المغرب لتذويبه وصهره في “العالم العربي”. هذا هو هدف القوميين العرب والتعريبيين والإسلاميين. فهم يريدون تحويل المغرب من بلد أمازيغي إلى بلد عربي ومن شعب أمازيغي إلى شعب عربي. الأمازيغية والدارجة هي غصة في حلق التعريبيين والإسلاميين لأن هاتين اللغتين تفضحان حقيقة المغرب وتبرهنان على أن: 1- المغرب أمازيغي، 2- المغرب مستقل عن العرب والفرنسيين، 3- تاريخ المغرب سابق لظهور الإسلام وهذا يذكر الناس بأن الأمازيغ المغاربة القدامى كانوا يؤمنون بأديان أخرى. القوميون العرب والتعريبيون يريدون تعريب المغرب إرضاء لنزعتهم الهوياتية العربية ولشعورهم بالانتماء إلى آسيا وبالغربة في أفريقيا. أما الإسلاميون فيريدون تعريب المغرب لأنهم يرون أن العربية والتعريب والاستعراب والعروبة أشياء تقرب المغرب من الإسلام أكثر وترفع من فرص إقامة الدولة الإسلامية.
4 – تصفية ما تبقى من الحساب مع الأمازيغية. وقد أصبحت محاربة اللغة الدارجة قناة أو مسلكا لمحاربة الأمازيغية وذلك لأن حالة الأمازيغية متطابقة مع حالة الدارجة: لغة شعبية. فمن يحارب الدارجة له مشكل مع الأمازيغية ولا شك. ولا غرابة في أن كل محاربي الدارجة اليوم هم أنفسهم محاربو الأمازيغية. والأسطوانات التي يرددونها ضد الدارجة هي نسخ طبق الأصل من التي رددوها ضد الأمازيغية، فكل ما فعله محاربو الدارجة هو حذف كلمة “الأمازيغية” ووضع “الدارجة” مكانها في نظريات “المؤامرة الصهيونية الفرانكوفونية التلهيجية التقسيمية المحاربة للإسلام والعروبة” التي يرددونها ليل نهار.
5 – رغبة التعريبيين والإسلاميين في الحفاظ على امتيازاتهم الشخصية ومناصبهم الريعية وعلى مركزهم الاجتماعي المستمد من العربية الفصحى التي لا تتقنها إلا القلة في المجتمع. فلو بدأ الشعب في الكتابة والتعبير وممارسة السياسة بالدارجة والأمازيغية فإن دائرة المشاركين في الشأن العمومي ستتسع أكثر فأكثر وسيزدحم المجال السياسي بالمشاركين والطامحين و”لقافْزين” والمبدعين والشعبويين (populists) وهذا سيجعل النخب المثقفة المترهلة أو المتحجرة المستعمِلة للعربية الفصحى والفرنسية منتهية الصلاحية ومهجورة ومتروكة ومستغنى عنها (بالإنجليزية: obsolete). وطبعا لا يوجد شخص يحب أن يكون مهجورا متروكا مستغنى عنه. لذلك فواحد من أهم أسباب محاربة المثقفين التعريبيين والإسلاميين للدارجة (والأمازيغية) هو رغبتهم في تسيد المجتمع والتحكم في المعبد والإمساك بناصية الشعب عبر تقديس اللغة النخبوية (العربية الفصحى والفرنسية) للاحتفاظ بمناصبهم وسلطتهم المادية والمعنوية وللحفاظ على علة وجودهم. لهذا لا يريد التعريبيون والإسلاميون للرعاع (أفراد الشعب) أن يفلتوا من قبضة حراس المعبد وكهنة الإنشاء اللغوي.
أفظع كوابيس التعريبيين والإسلاميين هو أن يتحرر الشعب منهم ويبدأ في القراءة والكتابة والتفكير والكلام وتغيير الدولة والمجتمع باللغة الشعبية الأمازيغية الدارجة.