تابع كثير من المغاربة ورواد وسائط التواصل الاجتماعي و المواقع الإلكترونية المسيرة الإحتجاجية التي شهدتها مدينة تطوان (شمال المملكة) إحتجاجا على موت الطالبة المغربية “حياة” ، والتي قتلت برصاص البحرية المغربية، و هي على قارب للهجرة بإتجاه إسبانيا، و إذا كنا ندين قتل هذه المغربية و معها ثلاثة أخرين أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة و نحمل المسؤولية في ذلك إلى النظام السياسي المغربي، و ليس فقط لمن تولى عملية إطلاق الرصاص، فهذا الأخير ينفذ أوامر صدرت له من جهات أعلى،  فالجريمة التي أُرْتُكِبَت لا تقل بشاعةً عن حادثة طحن “محسن فكري” في شاحنة لنقل الأزبال بمدينة الحسيمة، و عن طحن نحو 30 إمرأة تحت الأقدام فيما عرف بفاجعة “الدقيق” بمدينة الصويرة ، وكل هذه الفواجع و المٱسي  يتحمل المخزن و الحكومة المغربية و النظام المغربي ككل المسؤولية السياسية و الأخلاقية الكاملة عن حدوثها وتكرارها … و أن السياسات الخاطئة و الفشل التنموي الذريع، و سياسة التفقير و التجويع الممنهج لغالبية المغاربة المسؤول عنها النظام الذي إختار سياسات “شُوفِينِيَة” تَنْحُو بإتجاه  تغليب مصالح الأوليغارشية الحاكمة والمسيطرة على المناصب و الثروات…

وإذا كنا ندين هذا التوجه الخاطئ، و المجانب للصواب، و نعبر عن تضامننا مع مطالب الغالبية من المحرومين و المهمشين من الفقراء و العاطلين و سكان دور الصفيح الذين يتم هدم أكواخهم و رميهم إلى العراء ، فإننا ندعو مختلف قوى الشعب الحية إلى توحيد الجهود و الوقوف في وجه الإستبداد و “الحكرة”، بهدف إنقاذ البلاد من المستقبل المظلم والغامض في ظل إدارة سياسية تحاول إشعال الفتنة في البلاد و ربما إدخال البلاد في حرب أهلية لا قدر الله…

وبالمقابل، فإننا نرفض بشكل قاطع أن تُرفَع أعلام إسبانيا أو غيرها من الأعلام الأجنبية في مظاهرات شعبية، فالتحدي هو مواجهة الفساد و الطغيان بطرق سلمية، والضغط على الأوليغارشية الحاكمة للدخول في حوار مع عموم الشعب و إحداث تغييرات جدرية في إدارة البلاد وتذبير ثرواتها إنفاق و تحصيلا، و صياغة دستور جديد و تعاقد إجتماعي يخدم أغلبية الشعب و يتيح للقادرين و المؤهلين و الأكفاء لإدارة البلاد و تحقيق التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية الحقيقية والفعلية، بعيدا عن سياسات التسويق الإعلامي و الخطابات الرنانة التي لا تدعمها الأفعال و الوقائع…

نرفض أن تحمل أعلام إسبانيا على التراب المغربي، قد نجد تبريرا لمطالب البعض بالرغبة في إسقاط الجنسية و لهم الحق و الحرية في ذلك، بإعتبار ذلك أسلوبا من أساليب الإحتجاج، لكن لا ينبغي أن يدفعنا الغضب إلى رفع الأعلام الأجنبية فلا مبرر لذلك، فوحدة البلاد مسؤولية كل مغربي حر، و البلاد ليست ملك لعائلة أو فئة أو حزب ، و إنما البلاد ملك للأمة المغربية و السيادة للأمة المغربية…

نناشد الشباب المغربي بأن يدرك أن المغرب هو صمام الأمام لجميع مواطني هذا البلاد، و على أرض هذا البلد يمكن أن يتحقق العيش الكريم لعموم المغاربة، و الفشل التنموي هو بفعل السياسات الخاطئة وليس قدراً، فمن الممكن تحقيق الإقلاع الإقتصادي و التغيير الشامل في المغرب في ظرف أقل من عقد من الزمن،  و أن حلم الهجرة رغم أنه حق مشروع تكفله المواثيق الدولية والشرائع السماوية، فقد  قال تعالى :  {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10]…إلا أن هذا الخيار ليس هو الحل الأفضل و الأنجع، و أن هذا الحلم لن يسع ملايين المغاربة و من هذا البلد الذي يستطيع إستقبال ملايين المهاجرين، فالتحدي هو مقاومة الظلم و الطغيان وكسر شوكة الإستبداد و إقامة الفردوس الأوروبي على هذه الأرض..

 فالعوامل المولدة و الداعمة  لحلم الهجرة منها ماهو ذاتي  ومنها ماهو وموضوعي، لكن  محركها الأول و الأساس غياب الكرامة والحرية و إحترام حقوق الإنسان، فعلى الرغم من أن الظروف الإقتصادية والإجتماعية السيئة لغالبية المغاربة،  فبالإمكان  التغلب على هذه المصاعب بالقبول بوظائف أدنى أو أقل أجرا، أو إمتهان حرف موسمية…

لكن مصيبة المصائب هو الإستبداد وعدم إحترام حقوق الناس فقيرهم وغنيهم، فكرامة الإنسان مقدسة و لا ينبغي إمتهانها، فنحن  نرى كيف يتعامل بعض الذين يتولون إنفاذ القانون مع الفئات المهمشة و الباعة المتجولين، إذ يتم التضييق عليهم ومصادرة بضائعهم و إتلافها بشكل مهين …و يتم ترحيل سكان أحياء الصفيح في قلب العاصمة الإقتصادية للبلاد بأسلوب  لإنساني ودون توفير بدائل لهذه الفئات ودون أدنى إحترام لكرامتهم وممتلكاتهم ، فمن غير المعقول الرمي بالناس و ذويهم و بنيهم إلى قارعة الطريق …

فالنموذج التنموي و التوجه السياسي المتوحش الذي يتم إتباعه منذ عقود ينبغي التوقف عنه، و مقاومته بمختلف الطرق السلمية المتاحة، و تغيير آليات الإشتغال، فالمغرب خاضع لليبرالية متوحشة تُغْنِي الغني و تُفَقِر الفقير…

فالبلاد بحق أما مفترق طرق خطير ، و لا نريد ان تُجَرْ البلاد إلى مسلسل دموي عنيف، على غرار ما يحدث في سوريا أو ليبيا،  فإمكانية التغيير السلمي متاحة وممكنة إذا توحدت جهود القوى الحية و الوطنية و غلبت الصالح العام بدلا من تغليب الحسابات الضيقة الأفق، و الخروج من التصنيفات التقليدية إسلامي/ حداثي / علماني، و الإتفاق على القواسم المشترك، فالجميع يسعى إلى تحقيق وطن كريم حر يضمن العيش الكريم و الحرية والمواطنة لكل مغربي بغض النظر عن الإنتماء السياسي أو الإثني أو العقائدي ، فالمرونة الفكرية والوسطية والإعتدال في هذه المرحلة مطلب لابد منه للخروج بالبلاد و العباد إلى بر الأمان..

وعلى الشباب المغربي التمتع بقدر من التعقل و اليقظة، و لاداعي بنظرنا لرفع الأعلام الأجنبية، فلا أحد يقبل بأن يخضع التراب المغربي لأي سلطة أجنبية، بل إننا نرى أن وحدة الشعب ضد الفساد و الحكرة و التفاوت الإجتماعي و سياسة التفقير والتجويع و نهب الثروات الوطنية و المحاصصة السياسية، و الريع السياسي، مطلب لابد منه لتطهير البلاد من الفساد و النخب السياسية الفاسدة و المسؤولة عن الفشل التنموي الذريع و تعريض أمن البلاد و سلامتها لتهديد، فعلينا أن لا ننسى أن مدينتي سبتة و مليلية محتلتين من قبل الإسبان، وسبب إحتلالهما نابع بدرجة أولى من تخلف المغرب وغياب الديموقراطية و العدل…و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..