بما أن تركيا تملك أدلة مادية ملموسة حول اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده من طرف كتيبة قتل سعودية، وبما أن النظام السعودي غير متعاون مع السلطات التركية ولا يسمح إلى حدود الآن بتفتيش مقر القنصلية ومقر بيت القنصل السعودي، فما الذي يمنع تركيا إذن من إعلان نتائج التحقيق من جانب واحد؟

ما الذي يمنع الرئيس طيب رجب اردوغان وحكومة بلاده من كشف ما لديها من معطيات مادام أنها هي التي تقوم بالتسريبات الإعلامية للصحف القريبة من مربع السلطة من خلال جهاز المخابرات أو من خلال مسؤولين حكوميين أو من خلال مستشارين في الرئاسة التركية أو في حزب العدالة والتنمية الحاكم؟

ما الذي يمنع السلطات التركية من اتخاد إجراءات دبلوماسية يسمح بها القانون الدولي في تدبير مثل هذه الأزمات، مثل إعلان القنصل السعودي وطاقم البعثة القنصلية السعودية أشخاص غير مرغوب فيهم؟ ما الذي يمنعها من تقديم مذكرة بحث في حق السعوديين المشتبه فيهم او المتهمين بتنفيذ عملية التصفية الجسدية لخاشقجي؟

ما الذي يمنع تركيا من إعلان قطع علاقتها الدبلوماسية مع دولة متهمة بانتهاك سيادتها، وارتكاب فعل جرمي داخل مقر قنصلية تم تحويله إلى مكان للتعذيب والتصفية الجسدية في انتهاك صارخ لمقتضيات اتفاقية فيينا لسنة 1963، استنادا لما رشح في وسائل الإعلام من تسريبات خطيرة حول مصير جمال خاشقجي؟

صحيح أن الحكم في السعودية وجد نفسه في ورطة  من خلال عجزه المطلق على تعليل روايته الاولى، والتي تفيد أن الكاتب السعودي جمال خاشقجي دخل الى القنصلية وخرج منها بعد إجراء معاملات إدارية، وصحيح أن حجم الضغوط الدولية على السعودية كبيرة جدا، ولا سيما، ضغوط الرئيس الأمريكي الذي يعرف جيدا من أين تؤكل الكثف، وصحيح أيضا أن هناك مساعي غير معلنة وجولات مكوكية سرية في عواصم الدول الأكثر تأثيرا في القرار الدولي،  للخروج من هذا النفق المظلم باقل خسارة ممكنة على أكثر من مستوى.. 

لكن بموازاة ذلك، فإن  موقف السلطات التركية، وردود فعلها الرسمية إلى حدود الآن، يكتنفهما الكثير من الغموض، ويتيحان هامش مناورة كبير للنظام السعودي من أجل إيجاد المخرج الملائم للورطة الذي وجد نفسه فيها بسبب خاشقجي، في ظل ضغط  إعلامي ودبلوماسي جد مكثف على حاكم السعودية وعلى ولي عهده محمد بن سلمان تحديدا، ولاسيما، الضغط الذي يمارسه الرئيس الامريكي الذي أصبح  يطالب السعوديين بشكل ابتزازي غير مسبوق في تاربخ العلاقات الامريكية السعودية بالدفع مقابل الحماية!!

لا شك أن حسابات الدول جد معقدة، ولا شك أن  علاقاتها الدولية غالبا ما تكون محكومة بحسابات الربح والخسارة، ولا شك أيضا أن تركيا تلعب على البعد الحقوقي والإنساني في تسويق قضية خاشقجي من خلال لعبة الإعلام لخدمة أجندتها الدولية، لكن ما هو مؤكد الى حدود الآن، هو أن حياة الصحفي جمال خاشقجي، الذي أدى فيما يبدو، ثمن خروجه عن طاعة ولي العهد، وتمرده على تقاليد الحكم المرعية في مملكة الخوف حسب وصف الكثير من المراقبين، تحولت إلى سهم مغري في بورصة الاستغلال الدولي لحقوق الإنسان من طرف تجار الحق في الحياة!

يبدو أن مصالح الدول أكبر وأولى من حقوق الإنسان. كما أن وضعية الفرد في القانون الدولي، لازالت محتشمة أمام سيطرة منطق المصالح في العلاقات الدولية. قضية خاشقجي ستطوى دبلوماسيا من خلال تخريجة التحقيق الدولي لتوضع بذلك في رف الاختفاء القسري ويسري عليها ما سرى على غيرها من الحالات المماثلة!