أشتغل منذ أسابيع على تاريخ ” الاختيار الإسلامي”، إحدى فصائل الحركة الإسلامية التي عرفتها الساحة الدعوية والسياسية والإعلامية المغربية إبان فترتي الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، كمحاولة لإنجاز كتيب حول هاته التجربة التي تحدثت عنها مجموعة معتبرة من الشخصيات سواء تلك المنتمية للتيار الإسلامي أو اليساري بحكم أنها كانت تمثل يومئذ نموذجا لعلاقة الإسلاميين باليسار المغربي .

“حركة الاختيار الإسلامي” توصف عادة حسب كل من تحدثنا إليهم “بالمظلومة” و”المهمشة”، بل هناك من وصفها ب”اليتيمة”، لا عراب ولا أب لها، رغم أهميتها ومكانتها التنظيمية والفكرية والسياسية والدعوية، حيث كانت السباقة ليس فقط في التأسيس، بل أيضا في الاجتهاد والتأصيل الشرعي لمجموعة من القضايا التي كانت محط خلاف وسط الإسلاميين المغاربة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، كالمسألة النقابية وتواجد المرأة في القيادة والمسؤولية .. وغيرها كثير، بل إنها كانت في فترة من الفترات أكثر انتشارا وتوسعا من باقي التنظيمات الإسلامية الأخرى رغم اختياراتها التي هي محط نقاش لدى مختلف الأطراف، ومنها اختيارها العمل التنظيمي الشبه السري في عملها رغم أن وثائقها الداخلية تؤكد على أهمية وضرورة التشبث بالمنهج السلمي الوسطي المعتدل، بل وتؤكد على أن العمل العلني الواضح ضرورة ملحة في التدافع السياسي، كما اطلعنا على ذلك من خلال مجموعة من الوثائق رغم قلتها.

مسألة السرية في تقديري فيها الكثير من النظر، عكس ما هو متداول وسط المهتمين، على اعتبرا أن الحركة عبر مسارها كانت تتوفر على إعلام ورقي، وجمعيات محلية ووطنية تابعة لها، وفصيل طلابي بمختلف المواقع الجامعية، بل وكان المسار في اتجاه تأسيس حزب سياسي لم يكتب له النجاح والترخيص، وبالتالي فاعتبار الاختيار الإسلامي حركة سرية أمر يحتاج إلى مراجعة، وإن رأى البعض عكس هذا فله ذلك.

وتأتي أهمية الكتابة حول هذه التجربة، بالنظر لتعرضها حسب العديد من المتابعين لظلم واضح، أولا من أبنائها وبناتها بسبب عدم دفاعهم عنها بما يكفي، بداعي أن الأمور واضحة ومن في الساحة يعرفنا، ومن خصومها ومنافسيها من جهة أخرى، بحيث بقيت العديد من الأمور التي الصقت بها دون توضيح وإزالة، رغم مساهمتها الفعالة في عدد من المبادرات التي عرفتها الساحة الدعوية والسياسية والإعلامية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

ولا بد من الإقرار أن  المهتم يجد صعوبة في سبر أغوار هذه الحركة، التي لا زالت الكثير من إخفاقاتها ومنجزاتها التفصيلية حبيسة قياداتها ومن تصدروا واجهة التنظيم في سنواتها الذهبية التاريخية، لأسباب منها ما هو ذاتي يتعلق بالحركة وقياداتها المؤسسة منها على الخصوص التي ترفض حتى الآن الحديث عن هذا الموضوع، ومنها ما هو موضوعي، وفي مقدمته تخلص الحركة من وثائقها في فترات متعددة وأساسا ماي 2003 و فبراير 2008 ، والتي كانت ستساعد كثيرا المهتم في الكتابة وتسليط الأضواء على مراحل مهمة من مسيرتها ومواقفها، وهو ما جعلنا نسلك طرق أخرى، نقدر أنها قد تفي بأشياء كثيرة، لكن ليس بكل الغرض، منها استقاء شهادات مكتوبة وأخرى شفوية لمجموعة من رموز “حركة الاختيار الإسلامي”، عايشت أحداث ومحطات، وإن كانت ليس من الهيئة المؤسسة، لكنها على الأقل محاولة لتقديم هذه الحركة للرأي العام المتتبع لشأن الإسلاميين المغاربة، وللأجيال القادمة، خاصة وأنها من القلائل التي بقيت خارج الكتابات التي خرجت حتى الآن، وكلها تتناول وتدافع عن مكانتها وأحقيتها في الريادة التاريخية، ووصل الخلاف حول هذا الموضوع لدرجة الحدة في النقاش داخل التنظيم الواحد، بسبب ما اعتبر ابرازا لمكون على باقي المكونات رغم أهمية و مساهمة الجميع في ما قدمته حتى الآن الحركة الإسلامية المغربية كل من زاويته.

من أبرز الصعوبات التي تواجه أي مهتم في الاقتراب من تاريخ “حركة الاختيار الإسلامي”، هو عدم تفاعل قيادات الصف الأول مع محاولات مهتمين وإعلاميين، لتسليط الأضواء على هذه التجربة، مع وجود استثناءات طبعا، وهو أمر لم نجد له حتى الآن أي تفسير أو حتى تبرير منطقي ومقبول، لأنه بكل بساطة، المعطيات التاريخية الخاصة ب”الاختيار الإسلامي” التي وقفنا على بعضها بشق الأنفس تشي بنفس دعوي وسياسي وإعلامي وطلابي وتوعوي جد إيجابي وفيه الكثير من التميز ومختلف عن ما هو متواجد في الساحة أنذاك، صحيح أن هناك غموض يلف فترات شهدت هزات تنظيمية وأخرى فكرية، من تاريخ الحركة، وأساسا سنوات 1992 ،1995، 1996، أثرت بشكل أو بآخر على مسار الحركة،  لكن هذا لا يعني التنصل منها كما فعل البعض أو محاولة البعض الآخر التهرب من تقديمها للرأي العام الذي يجهل الكثير الكثير عن هذه التجربة السلمية التي في تقديري يحق لأصحابها ومن صنعها ومن ساهم في بنائها الافتخار بها، وليس العكس، هذا إذا علمنا أن مجموعة من الرموز والقيادات السياسية والاقتصادية والبحثية والإعلامية والتربوية والحقوقية التي تحفل بها الساحة المغربية اليوم تنحدر أو على الأقل أخذت نصيبها من التكوين والوعي السياسي والجمعوي داخل أروقة “حركة الاختيار الإسلامي” والإطارات الجمعوية القريبة منها، وفي التنظيمات التي تفرعت عنها لاحقا، سواء بهذه الطريقة أو تلك.

صعوبة أخرى، غاية في الأهمية تتعلق بتخلص مختلف مكونات وقيادات الحركة، من الوثائق والأوراق التي كانت تحتفظ بها لسنوات طويلة، وذلك في سياق اعتقال السلطات في فبراير 2008 لمجموعة من القيادات التي كانت تنتمي لهذه الحركة في قضية أسالت الكثير من المداد بفعل غرابة الملف خاصة وأن تلك الأسماء معروفة وسط الساحة بوسطيتها واعتدالها، وقبلها الأحداث والعمليات الدموية المدانة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في ماي 2003، والتي أحدثت هزة غير مسبوقة على مختلف المستويات، وسط الإسلاميين المغاربة بمختلف تلاوينهم ومشاربهم، ونعني هنا أساسا حركة التوحيد والإصلاح والحركة من أجل الأمة وجماعة العدل والإحسان وحركة البديل الحضاري، والتي توصف عادة بالتنظيمات المعتبرة في المغرب.

في حوارات ولقاءات وجلسات عقدتها مع عدد ممن عاشوا أو تعايشوا مع هذه التجربة في سياق الإعداد لهذا الكتيب المشار إليه آنفا، يتضح أن الحركة تحتاج فعلا إلى إخراجها من الزاوية والكتابة حولها، ولا يمكن ذلك بسهولة بسبب إصرار بعض قادتها على استمرارها في الظل، وان كان هناك من يريد لها الاهتمام بل والصدارة والمكانة التي تستحقها وسط الكتابات التاريخية التي كتبت حتى الآن حول تاريخ الحركة الإسلامية المغربية، لكن ما جمعته وما وصلت إليه حتى الآن من وثائق على قلتها ومن معطيات عبر حوارات ولقاءات وجلسات، كفيل بالخروج بخلاصات واستنتاجات يمكن أن تساهم ولو بقسط في تسليط الأضواء على تجربة أعتقد أن الكثير سيتفاجأ بما قدمته للمغرب وللمغاربة ان تقدمت القيادات وخرجت لتقديمها للرأي العام، بمميزاتها وإضافاتها الكثيرة، وأيضا ملاحظاتها التي لم يخلوا منها أي تنظيم يطمح للعمل المشترك للإصلاح والتغيير .