إثر ما يشهده باطن الأرض من حركة كتل صخرية ضخمة، تحدث اهتزازات فجائية تعتري قشرتها، من خلال تصدعات وتشققات ناتجة عن دفع قوي من تراكم طاقة حرارية متجمعة، في مكان محدد مناسب من عمق الأرض عبر فترات زمنية طويلة جدا. وهذه الطاقة المتجمعة تسمح بظهور قوة حركية هائلة، بدايتها تكون على شكل اضطرابات في مكان تأثيرها، حيث تأخذ الصخور بالتشوه في بنيتها وشكلها. ومع تزايد هذه الطاقة المتجمعة وتزايد شدة تأثيرها، يزيد ما هناك من توثر واضطراب لتظهر شقوق قبل أن تتجمع عبر أحزمة. بحيث في لحظة ضعف كبرى للصخور وهو ما يعرف ب”اللحظة الحرجة”، تنشق الكتل الصخرية مع حدوث تصدع أو شق كبير يدفع الصدع باتجاهيين، حيث يرتفع الأول وينخفض الثاني والعكس أيضا خلال ثوان أو دقائق معدودة. ليمتد الصدع على عشرات الكلمترات أفقيا وعموديا، مع طاقة مرافقة مدمرة فجائية تحدث عندما يزيد مقدارها على سبع درجات على سلم رشتر. تلكم هي ما يعرف بالزلزلة في علم الجيوفزياء، والتي قال عنها تعالى في سورة الحج “إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد”.

ولعل حدوث موجات زلزالية، يكون إثر ما يسجل من تحرك قوي لطاقة متجمعة في الصخور انطلاقا من البؤرة، وهو التحرك الذي تنتج عنه ارتجاجات وبالتالي أضرار مادية وبشرية. وضمن هذه الموجات ما يعرف ب”الطويلة” والأكثر سرعة، بحيث تستطيع عبور المجالات الغازية كالهواء، عندما تخرج من باطن الأرض باتجاه سطحها محدثة دويا على شكل موجات صوتية. علما أن من هذه الموجات الزلزالية من يكون سطحيا، فتنتشر على سطح القشرة الأرضية. ولمعرفة وتتبع ما يحدث أثناء وقوع زلزال ما، تم مطلع القرن الماضي إحداث عدد من محطات الرصد السيزمي، وهي عبارة عن أجهزة استقبال حساسة جدا تسمح بمعرفة ما يحدث خلال الهزة الأرضية، بحيث بواسطتها يتم تسجيل اهتزاز الأرض عبر قلم وحبر على ورقة ملفوفة على اسطوانة لها حركة دورانية، مع أهمية الاشارة الى أنه خلال العقود الأخيرة، بدأ تسجيل هذه الحركة عبر التصوير الفتوغرافي وايضا بالشريط الميغناطيسي. وبناء على ما يتم تسجيله تتم معرفة خصوصية زلزال ما في أمكنة ما، من حيث موقعه واحداثياته وشدته ودرجته.

وغير خاف عن باحثين ودارسين مؤرخين، ما شهده زمن المغرب وما تذكره المصادر التاريخية عن الهزات الزلزالية منذ العصر الوسيط، فضلا عما ورد حولها من اشارات في تقارير ومذكرات رحالة وتجار وغيرهم من الأجانب خلال القرون الأخيرة. هكذا يسجل أن البلاد عرفت حوالي أربعمائة حادثة زلزالية ما بين القرن التاسع الميلادي وأواخر القرن الماضي. ومن هذه الهزات من كان بأثر وأضرار مادية كبيرة بعدة مدن من قبيل فاس ومليلية والحسيمة وأسفي وأكًادير وغيرها، ومنها من كان بأضرار مادية وبشرية معبرة، لكونها بلغت درجة شدة عالية، بل منها من كان كارثيا من قبيل زلزال سنة ألف وستمائة وأربعة وعشرين بفاس، وزلزال سنة ألف وسبعمائة وخمسة وخمسين “زلزال “لشبونة” الذي شمل مناطق شاسعة من المغرب، وقد خلف أضرارا كبيرة في جل مدنه، بل تسبب حتى في موجات بحرية (تسونامي) جرفت وأودت بكل ما صادفته في شواطئ البلاد من طنجة الى أكادير وما بعدها من الربوع.

وإذا كان المغرب في مقدمة البلاد العربية، من حيث تعرضه لهزات زلزالية منذ العصر الوسيط الى الآن، وقد كانت في سوادها الأعظم بأثر وضرر كبير مادي وبشري، منها زلزال 818م و1079م، و1276م، و1522م، و1531م، و1579م، و1624م، و1660م، و1792م، و1848م، و1909م، 1929م، و1960م، و1969م، و2004م، ثم ما عاشته البلاد يوم 8 شتنبر الجاري.  فإن زلزال أكادير سنة ألف وتسعمائة وستين كان أقوى ما شهده لحد الآن، ذلك أن شدته كانت وراء نكبة كبرى دمرت المدينة في بضعة ثوان وحولتها الى أنقاض وأكوام من تراب وحجارة، حيث أضحى عاليها سافلها ولقي حتف الآلاف من أهاليها. بحيث أورد شاهد عيان في وصفه لِما حدث” عشنا بالأمس لحظات من لحظات القيامة، لقد خيل لنا أن الساعة قد قامت من شدة الهول.. لم نشعر الا والمدينة بأسرها تخر علينا بما فيها من بنايات وعمارات ومنازل، وانطفاء للضوء وجف الماء.. وتناهت الى سمعي صرخات تعلو وتعظم وتسمع من بعيد الناس يستغيثون من كل جانب..وقد استولى الفزع والرعب على المدينة.. وأنين الجرحى يتعالى والعويل والبكاء حتى أشرق الضياء”. مع أهمية الاشارة الى أن زلزال أكًادير دمر حوالي خمسة وسبعين بالمائة من بنايات المدينة وأودى بحياة حوالي عشرين ألف شخص من ساكنتها مع آلاف الجرحى والمشردين، وهي الفاجعة التي تم على إثرها وضع ثاني محطة للرصد الزلزالي بالبلاد عام ألف وتسعمائة وأربعة وستين.

هكذا هي الهزات الزلزالية، نتاج تفاعلات باطنية شاهدة على أن الأرض حية دينامية غير جامدة، وأن وضعها وطبيعتها ناجمة عما يوجد بها وبين جنباتها من طاقة حرارية ضخمة، تنفثت من حين لآخر بدرجات شدة متباينة على شكل براكين وزلازل. وهكذا هي الأرض التي تتنفس من أعماقها وتتحرك لتغيير معالم سطحها باستمرار من أجل مورفولوجيا جديدة. وهكذا هي زلازلها التي يميل أكثر العلماء للقول بأن سبب آلية بعثها، يكمن في إعادة توزيع وتبدل قيم ضغط مياه شقوق ومسام في أعماقها. زلازل يسجل أن للنشاط البشري الاقتصادي، دور في تهيئة أجواء ما بباطنها لحدوث هزات نتيجة ما يصيب أجزاء القشرة الأرضية من حركات. مع أهمية الاشارة في هذا الاطار لِما لبناء سدود ضخمة واستخراج لمعادن بوتيرة عالية، من دور في حدوث هزات أرضية لِما هناك من تأثير على توازن القشرة الأرضية، ومن ثمة ظهور اختلالات في أمكنة هذه التوازنات. وهكذا هي زلازل الأرض موزعة بين حزامين رئيسيين، الأول منهما محيط بشواطئ المحيط الهادي(حزام النار)، أما الثاني فيمتد بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي(نطاق البحر المتوسط) حيث المغرب وما هناك من تماس.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث