يجتهد بعض «المحللين السياسيين» وبعض الصحافيين الذين يتمتعون بقدر معتبر من الموضوعية أن يختزلوا ما يعيشه المغرب من أزمات خانقة ومصائب عظيمة في سوء تدبير حكومة 8 شتنبر، وقد انضاف إلى هذا الرأي العديد من السياسيين والمؤثرين وغيرهم .. إلا أن الحقيقة على خلاف ذلك، بل هي على النقيض من ذلك، وربما الجبن السياسي أو التملق الاجتماعي هو ما يدفع هؤلاء إلى ترويج هذه المغالطات السخيفة .. التي تساهم في المزيد من التضليل وتزييف أسباب الأزمة الحقيقية وتبرئة المسؤولين عنها .. وهذه جريمة أخرى تنضاف إلى الجرائم التي تمارس في حق الشعب المغربي..

ما يعلمه أغلب هؤلاء المحللين الكبار، وهم على يقين كبير بذلك، أن الحكومة الحالية لا تطبق إلا مشروع الدولة وبرنامجها السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.. ولا تملك هذه الحكومة المستخدمة حق تعطيله أو تعديله أو تغييره أو التصرف فيه .. ومهما ادعى المدعون أن لهذه الحكومة ولرئيسها صلاحيات كبيرة من أجل إنقاذ البلاد والعباد من شر ومصائب هذه الأزمات .. فهي غير مخول لها بالتصرف خارج إرادة الدولة وأولوياتها ومصالحها ومصالح رجالاتها ..

فالشعب المغربي الآن هو ضحية جريمتين، الأولى تمارسها الدولة بحكومتها وإدارتها وبرامجها التي جعلت من الشعب المغربي مواطنا فقيرا تعيسا ذليلا، بلا قيمة ولا إرادة ولا خيارات حرة.. وزبونا بئيسا كليلا، أينما حل أو ارتحل لن يجد إلا سلع وبضائع رجالات الدولة، وأينما ولَّى وجهه لا يجد إلا تجارتهم ومنتجاتهم في كل المجالات، الشعب موضوع حكمهم وتجارتهم (زواج غير شرعي بين الحكم والمال) .. فوظفوا من أجل ذلك الإعلام والتعليم والثقافة والرياضة، وكل ما من شأنه إخضاع الشعب وتضليله وتجهيله واستغلاله .. والجريمة الثانية هي التي تقوم بها النخبة السياسية والثقافية، وبعض الزعماء السياسيين والكثير من الإعلاميين والصحفيين .. جريمة تعتبر استمرارا منهجيا للجريمة الأولى، والهدف منها، وبعد العمل على تبرئة الدولة من جريمتها، يعملون على تحريف سخط الشعب وغضبه نحو الحكومة البلهاء التافهة بدل الدولة.. وهي جريمة نكراء لا تقل خطورة عن الجريمة الأولى، ذلك أن هؤلاء يستغلون كل وسائل التواصل الاجتماعي وأحزابهم وكل الوسائل التي تساهم في تخدير الشعب وإبعاد نظره وتركيزه عن أسباب الأزمة الحقيقية ومصدرها ومنبعها وأصلها وأركانها .. وهي مهمة خطيرة مع جرعات مركزة من الخبث والتضليل ..

العديد من المؤشرات تقول إن ثمة تغييرا حكوميا مرتقبا.. أو ربما ضروريا .. بالنظر إلى خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي.. وأمام هذا التكهن الذي أخذ يسيطر وينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى ألسنة الناس ويظهر على وجوه المواطنين الشاحبة والساخطة؛ هل أنهت الحكومة الحالية – بمستخدميها الحاليين – مهمتها التي كلفت بها بعد إسقاط حزب العدالة والتنمية وتزييف انتخابات 8 شتنبر حتى تصبح موضوع تعديل؟ أم إن هذا التعديل – إن كانت هناك ضرورة إليه – سيأتي بعد تمرير القوانين التخريبية الفاسدة التي كُلف بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بعد أن أقبر القوانين التي تحارب الفساد؟ وهل سيأتي هذا التعديل بتغيير حقيقي ينقذ الوطن من استغلال واستغفال الدولة ؟ أم هو محاولة “ذكية” لامتصاص الغضب والسخط الشعبي الآخذ في التصاعد والتوسع فقط من أجل تفادي انفلات شعبي محتمل وتحركات احتجاجية واردة، ربما تكون أقوى وأعنف من كل الاحتجاجات التي عرفها تاريخ المغرب منذ الاستقلال؟

الأكيد، إن كان هناك أي تعديل حكومي، فإن ذلك لن يزيد عن ذر الرماد في العيون، وإلهاء الشعب بحكومة جديدة بتعديلات تكتيكية لا تؤثر على برامج ومشاريع الدولة.. فأزمة المغرب تتجاوز مجرد تعديل حكومي يتيم، ومصيبته أعظم من ذلك بكثير .. فقضية الشعب هي قضية حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وما غلاء المعيشة إلا جزئية صغيرة ضمن هذه الأزمة، رغم خطورة ذلك، فغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية، أمام تضخم ثروات رجالات الدولة والحكم والسلطة، هو تعبير واضح عن ظلم اجتماعي عميق، وطبقية مقيتة .. واستغلال فظيع لضعف المواطن .. وذلك أيضا عنوان عريض لفساد اقتصادي واستبداد سياسي لا حل لهما إلا بتغييرات عميقة وحقيقية وجادة .. لذلك، لن يكون هذا التعديل إلا استمرار للوضع الحالي بوجوه جديدة وأسلوب أكثر مكرا ودهاء..

فالتغيير الحقيق لابد أن يحقق ما يلي :

– انفراج سياسي وحقوقي وإطلاق كل المعتقلين الصحفيين والمعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية.

– حل البرلمان واقتراح حكومة انتقالية ومؤقتة تدبر مرحلة انتقالية.

– تعديلات دستورية تعيد توزيع السلطة وتدقيق الصلاحيات الدستورية ضمن رؤية ديمقراطية.

– توسيع صلاحيات الحكومة من أجل تطبيق برنامجها وخضوعها للمساءلة الشعبية.

– توسيع صلاحيات البرلمان لممارسة دوره التشريعي وممارسة الرقابة المطلوبة على عمل الحكومة وسائر الإدارة.

ما دون ذلك ما هو إلا مزيد من التضليل والمساهمة في استعباد هذا الشعب واستغلاله ..