من خلال اطلاعي على نص البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، بخصوص ما ورد في البلاغ الصادر عن الأمانة العامة لحزب العدالة حول العلاقات المغربية الإسرائيلية، بدا لي أن مفهوم المجال المحفوظ في المغرب، هو أنه مجال غير قابل للنقاش بالمطلق!

بمعنى آخر، اذا كان مجال السياسة الخارجية للمملكة المغربية، مجالا محفوظا لرئيس الدولة، وممثلها الأسمى بنص الدستور، فما على بقية الفاعلين، وخصوصا، الفاعل الحزبي، إلا النأي بالنفس  بعيدا عن هذا المجال، وأي اقتراب منه، أو محاولة مناقشة الاختيارات المؤطرة له، يعني ممارسة الابتزاز، والتشويش على اختيارات الفاعل الرئيسي في عملية صنع السياسة الخارجيه، الذي يبقى هو  الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للدولة.

هذا هو  تفسيري  الشخصي المتواضع، للخلفية التي أطرت  صياغة بلاغ الديوان الملكي، الذي أربك قيادة العدالة والتنمية، ودفع أمينها العام، عبد الإله بن كيران، إلى تعميم توجيه مستعجل، لمناضلي الحزب وقيادييه يقضي بعدم التعليق على بلاغ الديوان الملكي، أو إصدار اي تصريحات في شأنه بأي شكل من الأشكال! 

لقد وردت حيثية مهمة جدا في بلاغ الديوان الملكي، بخصوص  ما جاء في بلاغ سابق لحزب العدالة والتنمية، مضمونها، هو أن مجال السياسة الخارجية في المغرب، مجالا خاصا لرئيس الدولة،  وهذا إقرار رسمي من طرف الديوان الملكي بهذا المعطى،  الذي ظل مجال تداوله لسنوات محصورا في نقاش النخبة، وفي اصدرات الكتاب، والمؤلفين، والباحثين  المتخصصين في علم السياسة، والقانون الدستوري، والعلاقات الدولية.

لقد بعث بلاغ الديوان الملكي من خلال تقريع حزب العدالة والتنمية، رسالة للجميع، مفادها ان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لا يمثل تيارا معينا داخل الدولة، كما يمكن اعتقاد ذلك من قبل البعض، بل إن  الرجل يجسد من خلال تحركاته وتصريحاته، مواقف رئيس الدولة الملك محمد السادس، الذي يبقى الفاعل الرئيسي والمهيمن، في مجال صنع السياسة الخارجية للمملكة المغربية.

حزب العدالة والتنمية، سيحني رأسه بكل تأكيد إلى أن تمر العاصفة، كغيره  من الاحزاب التي لها سوابق مع تقريع الديوان الملكي، وأظن أن هناك من باع  العجل لقادة العدالة والتنمية، ودفعم  إلى الاعتقاد بأن وزير الخارجية،  ناصر بوريطة، يمثل توجها ما داخل الدولة، وأن تصريحاته لا تجسد ارادة رئيس الدولة، وممثلها الأسمى بنص الدستور، الملك محمد السادس.

لسنا ضد التطور كما يعتقد البعض، بل نحن  من المطالبين بالديمقراطية بمفهومها الدقيق. كما أن حزب العدالة والتنمية، وهذه حقيقة يعرفها الجميع، هو الحزب الذي وقف ضد التطور، بل وقاد معركة شرسة للدفاع عن الملكية المطلقة، إلى درجة أن زعيمهم، الذي علمهم السحر، عبد الإله بنكيران، قال في حوار مطول مع صحفي الجزيرة أحمد منصور، وفي عدد من الخرجات الإعلامية أيضا، بأن رئيس الحكومة يساعد الملك فقط في ممارسة صلاحياته، وأن هذا الأخير هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى وهو أمير المؤمنين…

اذا كان الامر كذلك، فلماذا المزايدة  إذن على الدولة في موضوع العلاقات المغربية الإسرائيلية،  وأنتم الذين تعلمون قبل غيركم، أن إتفاق التطبيع، قد وقع في عهد حكومة كان يقودها أمينكم العام السابق سعد الدين العثماني؟

يبدو أن بلاغ الديوان الملكي، كان بليغا ودقيقا من حيث الرسالة التي أراد توجيهها للجميع، من خلال الرد على بلاغ حزب العدالة والتنمية، ومادام  أن قواعد اللعبة الدولية يحكمها وازع المصلحة، فإن الدولة تبقى لها كامل الصلاحية في تقدير الأمور  من خلال الصلاحيات الممنوحة دستوريا لرئيس الدولة، وأظن أن الفصل 42  من الدستور واضح بما يكفي.