قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2023
في ختام السنة التشريعية الأولى من الدورة الحادية العشرة (11) للبرلمان المغرب، و بالضبط في 27 من شهر يوليوز 2022،عرض وزير المالية السيد فوزي لقجع عرضا مقتضبا حول تنفيذ ميزانية 2022 وإعداد مشروع المالية لسنة 2023 والبرمجة الميزانياتية لثلاثة سنوات 2023 -2025. وجاء عرضه في ثلاثة محاور، خصص الأول لتطور الوضعية الاقتصادية الدولية والوطنية، وفي المحور الثاني بسط فيه تنفيذ قانون المالية إلى حدود متم يونيو 2022 والتوقعات الممكنة لختام هذه السنة المالية، و خصص المحور الثالث للخطوط العريضة لإعداد الميزانية العامة لسنة 2023 والبرمجة الممكنة للسنوات الثلاثة المقبلة 2023-2024-2025.
آراء أخرى
وعليه سنعرج معكم على المحورين الأول والثاني كما عرضهم السيد الوزير و سنخصص مجالا أوسع بالتحليل للمحور الثالث، لم نخصص محور خاص لمسائلة الوزير حول الخطوط التي جاءت بها ميزانية 2023.
المحور الأول: السياق الوطني والدولي
عرفت السنة المالية 2022 تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وانخفاض حاد وشكوك كبيرة بشأن التوقعات بسبب الصراع الروسي الأوكراني الذي زاد من حدة ارتفاع اسعار المواد الاولية وارتباك في سلاسل الإمدادات العالمية وارتفاع ثمن البرميل مما ساهم في ارتفاع مهول ومستمر في أسعار المحروقات.
كما عرفت السنة المالية الحالية تصاعد الضغوطات التضخمية وبدء تطبيع السياسات النقدية من طرف البنوك المركزية لاسيما بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (FED) والبنك المركزي الأوروبي (BCE) حسب العرض الذي قدمه السيد الوزير. الذي أشار في عرضه أن نمو الاقتصاد الوطني عرف العديد من التطورات المتسارعة أهمها نذرة التساقطات وانخفاض هام لمحصول الحبوب بالنسبه 69%، مع انتعاش كبير في قطاعي النقل والسياحة بعد فتح الحدود الجوية في 07 فبراير 2022 بسبب تحسن الحالة الوبائية للبلاد من جراء كوفيد 19، في مقابل ذلك عرف الاقتصاد الوطني تسارع القروض الممنوحة للقطاع الخاص مع تباطؤ الطلب الأجنبي الموجه إلى المغرب من قبل اوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، كما سجل اقتصادنا الوطني على حد قول السيد الوزير في عرضه تراجع لمعدل البطالة دون أن يسترجع مستويات ما قبل الأزمة بالإضافة الى تصاعد غير مسبوق للضغوطات التضخيمية نتيجة العوامل الخارجية
كما أكد السيد الوزير في عرضه تباطؤ أداء القطاع الثانوي ودينامية قوية للقطاع الثالثي حيث لم يحقق قطاع الفلاحة من 80 مليون قنطار سوى 32 مليون قنطار . مع ارتفاع بنسبة 14 % في محصول الحوامض و 21 % في محصول سلاسل الإنتاج المرتبطة بالأشجار المثمرة والزراعات الربيعية وعرف قطاع الصيد البحري ارتفاع بنسبة %14.3 من الكميات المصطادة، كما حقق المكتب الشريف للفوسفاط رقم مبيعات قياسي فاق77% خلال الفصل الاول لسنة 2022 . وفي قطاع البناء والأشغال العمومية سجل انخفاض المعاملات العقارية 4,9 خلال الفصل الاول من سنة 2022، مع بداية انتعاش القروض البنكية الممنوحة للمنعشين العقاريين خلال شهر ماي، وفي قطاع الطاقة والصناعة سجل ارتفاع في إنتاج الطاقة المحلية ب 31 % مع انخفاض الانتاج في الصناعات الكيماوية والغذائية والسيارات على الخصوص، اما قطاع السياحة والنقل عرف ارتفاع بنسبة تفوق 70% بقطاع السياحة و 90% بالقطاع النقل
رغم هذه الأرقام و المعطيات المقلقة التي عرضها السيد الوزير لكنه ظل متفائلا في ظل نمو اقتصادي ناجح لسنة 2022 متوقعا انه سيبقى في حدود التوقع الأصلي لقانون المالية أي في حدود 3,2%. كما أشار السيد الوزير إلى تحسن شروط تمويل الاقتصاد رغم الظرفية الصعبة من خلال انعاش القروض الموجهة للاستثمار ب 36 مليار درهم ، كما أن تسارع وتيرة النمو للقروض الممنوحة للاستهلاك ب 1.1 مليار درهم مع ارتفاع القروض البنكية الممنوحة للشركات غير مالية الخاصة ب 16,4 مليار درهم و للأسر ب 6,4 مليار درهم، بالإضافة إلى تراجع معدلات الفائدة المدينة ب 16 نقطة أساس إلى 4,28% في الفصل الأول من سنة 2022 استفاد منه كل من المقاولات الكبرى والمتوسطة و الصغرى.
كما عرف معدل التضخم ارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة منذ 28 سنة ليصل إلى %5,1+ كمتوسط خلال ستة أشهر الأولى من سنة 2022 عوض %0,9+ خلال نفس الفترة من سنة 2021، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغدائية بنسبة %7,8+ عوض %0,1- السنة الماضية و توقع الوزير نسبة تضخم %5,3 هذه السنة مقابل %1,4 السنة الماضية.
فيما عرف معدل البطالة الذي بلغ نسبة 16,3% بانخفاض طفيف عن السنة الماضية الذي عرف بنسبة 17,1%، حيث عرف هذا القطاع فقدان 58 ألف منصب شغل ما بين الفصل الأول لسنة 2021 و الفصل الأول لسنة 2022، و فقدان 183 ألف منصب على مستوى قطاع الفلاحة و الغابة و الصيد البحري، و إحداث 85 ألف منصب شغل بقطاع الخدمات و 29 ألف منصب شغل بقطاع البناء ة الأشغال العمومية و 13 منصب شغل بقطاع الصناعة.
– و فيما يخص مجال المبادلات الخارجية و ميزان الأداءات ، عرض السيد الوزير أهم تطورات المبادلات الخارجية و ميزان الأداءات، مسجلا بذلك تطور إيجابي للصادرات بنسبة تزيد عن %41+ و كذلك سجل ارتفاع الواردات إلى %39+، مما أدى إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة %37+، مع تواصل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة %5+، و انتعاش ملموس في عائدات السياحة وصل %17,3+ مقارنة مع ماي 2021، بالإضافة إلى ارتفاع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ببلادنا بنسبة %10,8.و سجل احتياطي الصرف لدى بنك المغرب مستوى جيد يسمح بتغطية حوالي 6 أشهر من الواردات ، و استقرار سعر صرف الدرهم داخل نطاق 5% مما يعطي ثقة الفاعلين الإقتصاديين في صلابة الاقتصاد الوطني و مثانته في مواجهة تقلبات السوق الدولي على حد قول السيد الوزير في عرضه .
المحور الثاني: تنفيذ قانون المالية لسنة 2022
بهذا نغلق القوس على المحور الأول وننتقل إلى المحور الثاني المتعلق بتنفيذ قانون المالية لسنة 2022 إلى غاية المرحلة الختامية لهذه السنة .. وفي هذا السياق أكد السيد الوزير ارتفاع المداخيل الجارية من 119399 مليون درهم 2021 الى 147440 مليون في ماي من هذه السنة بالنسبة تجاوزت 5% مقارنة مع الفترة المقبلة من نفس السنة 2021 .. وارتفاع مداخيل الغير الجبائية من 9.8 مليون درهم الى 14.04 مليون درهم خلال هذه السنة، فحققت المداخيل الجبائية زيادة 23.5 مليار درهم و المداخيل الغير الجبائية زيادة 4.2 مليار درهم وبالتالي سجلت المداخيل تحسنا بحوالي 28 مليار درهم.
كما ان ارتفاع النفقات الجارية بحوالي %15 نتيجه بالأساس الارتفاع تحملات المقاصة بمبلغ 12 مليار درهم إضافة ويعزى هذا حسب الوزير إلى ارتفاع تحملات صندوق المقاصة بسبب ارتفاع غاز البوتان في الأسواق الدولية .. كما أكد السيد الوزير عن ارتفاع الاصدارات برسم نفقات الاستثمار بحوالي 7.8 مليار ، وبلغت نسبة التوقعات حوالي 50.7% ، واجمالا سجلت النفقات ارتفاع بحوالي 27 مليار درهم اي بنسبة 16,9%+ .
ونتيجة لهذه التطورات و استحضارا للفائض التي سجلته الحسابات الخصوصيات للخزينة ب20,9 مليار درهم مع انخفاض عجز الميزانية بمبلغ 11 مليار درهم يبلغ 18.3 مليار درهم، ويمثل هذا المستوى من العجز حوالي 25% من المستوى المتوقع برسم قانون المالية 2022 حسب عرض السيد الوزير دون زياده او نقصان منه او غير.
وبالنظر الى هذه الحصيلة التي قدمها الوزير للنصف الاول من ميزانية 2022 فان التوقعات المعنية بالنسبة للفترة المتبقية من هذه السنة المالية: استقرار عجز الميزانية في حدود 73 مليار درهم اي ما يعادل 5.3% من الناتج الداخلي الخام، وتوقع الوزير بقاء العجز في 5.3% لتحسن المداخيل الجبائية التي ساعدت في تغطية الارتفاع المسجل في تحملات صندوق المقاصة و التي فتحت لها اعتمادات إضافية بمرسوم بمبلغ 16 مليار درهم، بالإضافة إلى 16 مليار التي خصصت خلال تسطير الميزانية 2022 .. مما يؤكد ان صندوق المقاصة اصبح يستهلك اكثر من 32 مليار درهم سنوي .. وهذا يفرض علينا جميعا التفكير في حلول بديلة عن هذا الصندوق و لما لا التعجيل بالدعم المباشر عبر السجل الاجتماعي وانهاء صندوق المقاصة.
و نختم هذا المحور بتوقعات السيد الوزير أن ترتفع نسبة المديونية إلى حوالي 70% من الناتج الخام مقابل 69% في متم السنة الماضية 2021، و بهذا نغلق القوس مع المحورين الأول و الثاني من عرض السيد الوزير فوزي لقجع و ننتقل إلى المحور الثالث و قراءة في البرمجة المالية سنة 2023 و الإجمالية لسنوات 2023-2024-2025.
المحور الثالث: قراءة في البرمجة المالية 2025 – 2023
لقد بنى السيد الوزير مقترح مشروع ميزانية 2023 والبرمجة الميزانياتية للسنوات 2023-2024-2025 على فرضية قال انه سيتم تدقيقها بناء على تطور المعطيات المرتبطة بتداعيات الأزمة الوبائية والتساقطات المطرية سواء ببلدنا أو على المستوى العالمي، وافترض تحقيق محصول الحبوب في حدود 75 مليون قنطار كل سنة من السنوات الثلاثة، كما افترض 700 دولار للطن من ثمن البوتان برسم سنة 2023 و 630 دولار لطن عن سنة 2024 و 590 دولار لطن عن سنة 2025.
كما عرض في فرضيه سعر 93 دولار للبرميل برسم سنة 2023 و 85 دولار للبرميل عن سنة 24 مقابل 78 سنة 2025. وتوقع أن يبقى سعر صرف الدولار مقابل الدرهم خلال السنوات الثلاثة المقبلة في حدود 9.8، و توقع السيد الوزير معدل تضخم 2% على امتداد السنوات الثلاثة.
وعلى ضوء الفرضيات المعتمدة من المتوقع أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2023 انتعاشا بمعدل %4,5+ عوض %1.5+ المرتقبة في سنة 2022 على الرغم من المناخ الدولي الجد مضطرب ويمكن تخفيضها إلى نسبة 4% في حالة تدهور آفاق إنتعاش الاقتصاد العالمي سنة 2023 ..
وكانت توقعات السيد الوزير بخصوص نمو الناتج الداخلي الخام 3,7% سنة 2024 و 3,8% عن سنة 2025. ولتحقيق هذه الأهداف والفرضيات يتطلب اتخاذ مجموعة من الإصلاحات والإجراءات والقرارات الضريبية من أجل التمكن من تعبئة موارد إضافية جديدة، من ابرزها اعادة النظر في الدعم العمومي للقضايا المرتبطة بالدراسات والدعم والصفقات العمومية ، ومراجعة دور المؤسسات العمومية التي تعيش على حساب ميزانية الدولة وإعادة النظر في صيغ الدعم لصندوق المقاصة وإعطاء حلول بديلة تفتح الباب للدعم المباشر للأسر الهشة و الفقيرة، كما أشار إلى ذلك خطاب جلالة الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2022 ودعوة جلالته الصريحة إلى إخراج السجل الاجتماعي الى الوجود والتعجيل به.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية بات لزاما على الحكومة مراجعة الاقتصاد الغير مهيكل والعمل على جعل مداخيله تصب في المداخيل الميزانية العمومية ومن ثم برمجتها بصيغ مختلفةللمؤسسات العمومية التي تخدم المجال الاجتماعي و الاستثماري..
وفي الأخير لابد من تفعيل حقيقي لنظامنا الضريبي ومراجعته .. وإعادة التفعيل الحقيقي لتحصين مداخيل الجبايات المحلية وايجاد حلول أكثر نجاحه لتحصيلها.
كانت تلك أهم المعطيات التي قدمها السيد الوزير في ورقته حول مقترح مشروع ميزانيات 2022-2023-2023-2024-2025 و يبقى الجواب حول صدقية توقعاتها من عدمه مفتوح في وجه التقلبات الدولية و الوطنية، كوفيد 19 و الخروج من الأزمة الصحية العالمية .. و الحرب الروسية الأكرانية.. و مدى قدرة الحكومة على الإصلاح الضريبي للجبايات الوطنية و المحلية، و مراجعة الاقتصاد الغير مهيكل،و رحمة السماء هل ستجود بالمطر في السنوات المخطط لها في هذا العرض، و نسأل الله أن يرسل السماء علينا مدرارا و يمددنا بأموال وبنين ويجعل لنا جنات و يحعل لنا أنهارا.. كما نسأل الحكومة أن تسرع من إنجاز وتيرة السدود الثلية و محطات تحلية مياه البحر و تكثر من زرع الحقول بالحبوب و القطاني بدل التشجير و الفواكه.
باحث في الشؤون الدينية والسياسية