جذور البيدوفيليا في الفقه الإسلامي
من بين الأسئلة التي طرحها المغاربة خلال النقاش حول ظواهر اغتصاب الأطفال وتزويج القاصرات سؤال هام عن الأسباب التي تجعل الشعب المغربي غير مكترث تجاه هذه الظواهر، حيث لم يتحرك إلا بعدما قتل الطفل عدنان بطنجة، لكن عندما يكون هناك اغتصاب دون قتل لا أحد يحرك ساكنا ضدّ هذا الفعل الشنيع، كما أن تزويج طفلة في السابعة أو التاسعة من عمرها لا يحرك في الناس أي استنكار أو رفض، ولا يعتبر اغتصابا أو جريمة، بل أكثر من ذلك يتعبأ البعض للدفاع عنه دون خجل.
آراء أخرى
وإذا علمنا بأن ما يحدث بالمغرب هو نفسه ما يجري في مختلف البلدان الإسلامية، فسيجعلنا ذلك نطرح السؤال حول جذور هذا السلوك الشاذ في ثقافة المجتمعات الإسلامية.
البيدوفيليا في العصور القديمة:
“البيدوفيليا” هي ظاهرة الميل الجنسي للأطفال الصغار الذين هم دون سنّ الرشد، وهو ميل يعتبر في عصرنا أمرا شاذا بسبب عدم تطابقه مع وضعية الطفل الذي يحتاج إلى الحماية والرعاية نظرا لهشاشة موقعه بوصفه كائنا ضعيفا وسط عالم الكبار. كما أن شذوذ هذا السلوك يتأكد أمام عموم مشاعر العطف والحنان التي تطبع سلوك الأغلبية إزاء الأطفال، ما يعني أن شخصية “البيدوفيل” بمختلف أنواعها التي ذكرها الأخصائيون، هي شخصية مضطربة وغير سوية.
غير أنّ هذه الظاهرة كانت أمرا طبيعيا في العصور القديمة، فسواء في الثقافة الفارسية القديمة أو عند اليونان أو حضارات ما بين النهرين كانت العلاقة الجنسية بين الرجال البالغين والصبية اليافعين لا تعتبر أمرا منكرا، بل تدخل عندهم ضمن متع الحياة وخاصة لدى الطبقات الأرستقراطية الراقية، بل كانت في بعض الديانات القديمة تعتبر أمرا مقدسا يدخل ضمن العبادات خاصة للإلهة “عشتار“. وقد عُرفت هذه العلاقات الجنسية مع الأطفال الذكور في الحضارة الإسلامية باسم “حب الغلمان“، وقد شاعت في عصور ازدهار العواصم الإسلامية الكبرى وخاصة بغداد، أما العلاقات مع الطفلات الصغيرات فقد كانت تعتبر أمرا شرعيا تماما بوجود عقد “زواج” أطلق عليه الفقهاء المسلمون “نكاح الصغيرة” أي الطفلة.
وتبرز العديد من الدراسات الأنثروبولوجية والأركيولوجية أنّ ممارسة الاعتداء الجنسي على الأطفال والطفلات منذ أزمان غابرة في تاريخ البشرية كان أمرا جاريا كما تدلّ على ذلك العديد من الرسومات والنقوش في الآثار الإغريقية والفرعونية وكذلك الفارسية والرومانية وحتى الصينية.
تزويج الطفلات في الفقه الإسلامي:
نجد في كتب الفقهاء المؤسسة للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه بابا أطلقوا عليه “نكاح الصغيرة“، أكدوا فيه بنوع من التأصيل الشرعي جواز اغتصاب الطفلات بمضاجعتهن باسم “الزواج“، ويستند هذا الفقه الذي يبدو لنا اليوم “شاذا” إلى مرتكزين اثنين : زواج النبي من عائشة وهي طفلة في سن السادسة ودخوله بها في سنّ التاسعة كما ورد في مراجع الحديث وخاصة صحيح البخاري ، ثم الآية الرابعة من سورة الطلاق “واللائي لم يحضن” والتي تمّ تفسيرها على أن الطفلات اللواتي لم تبلغن المحيض معنيات بالزواج والطلاق في هذه الآية. فقالوا “وإنَّما يجب على الزوجة الإعداد من الطَّلاق بعد الوطء، فدلّ على أن الصغيرة التي لَم تَحض يصحُّ نكاحُها“. ووجه الدلالة هنا أن “العدة” حسب هؤلاء الفقهاء “لا تكون إلا عن نكاح” أي زواج. فقال ابن كثير في تفسير الآية: “وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الرشد أن عدّتهن كعدّة الآيسة ثلاثة أشهر” وفي تفسير الطبري:”وجعل الله جل ثناؤه أيضا للتي لم تحض الصغيرة ثلاثة أشهر“، وفي تفسير الجلالين:”واللائي لم يحضن لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر“. وعند القرطبي :”يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر“.
ويعترض بعض المفكرين المعاصرين على هذه التفسيرات الخطيرة متسائلين كيف يتحدث هؤلاء الفقهاء عن “العدّة” بينما رحم الأطفال لا قابلية له للحمل بعدُ ؟ هذا التناقض جعل البعض يرى بأن في تفسير الآية حدث خطأ فادح أدى إلى التضحية بالطفلات وشرعنة اغتصابهن من طرف الكبار في الإسلام.
ومن هؤلاء المعترضين المستشار أحمد عبد ماهر الذي كتب “إن هؤلاء الفقهاء من مخابيل الأمة لم يفرقوا بين قوله تعالى “وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ” وقول “وَاللَّائِي لَا يَحِضْنَ” فوقعوا في المحظور وأحلوا زواج الرضيعة وتفخيذها ووطئها إن كانت تتحمل الوطء، وما ذلك إلا من فرط جهلهم باللغة العربية“.
لكن رغم ذلك فقد انبنى على حديث البخاري عن زواج النبي بعائشة وكذا تفسير المفسرين للآية المذكورة فقه كامل ذهب إلى القول بجواز تزويج الصغيرة مهما كان عمرها إن كانت “تطيق الجماع“، وأنه لا اعتبار لرضاها إذا زوّجها وليها، ولا خيار لها بعد الزواج إذا بلغت.
يقول ابن بطال: “يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد، لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء” ويقول: “ويؤخذ من الحديث أنَّ الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها “.
وقد اتفقت جميع المذاهب الأربعة بأنه يجوز “إجبارُ الصغيرة على النِّكاح” واختلفوا فقط في هل يجوز هذا الإجبار للجدّ بجانب الأب أم للأب وحده. كما أن هذا “الإجبار على النكاح” للطفلة الصغيرة لا يجوز لها التراجع عنه بعد بلوغها سنّ الرشد، حتى لا تفلت أبدا من قبضة مغتصبها.
وميز الفقهاء بين تزويج الطفلة وبين “تسليمها” لزوجها من أجل “الوطء” أي المعاشرة الجنسية، فقال بعضهم لا يجوز تسليمها إن لم تكن “تطيق الوطء” أي تتحمل العملية الجنسية، وقد حدّد بعضهم معيار تحمل “الوطء” عند الطفلة الصغيرة أن تكون “سمينة” غليظة الجسم ولو كان ذلك قبل التاسعة، فقالوا ” فإن كانت تحتمل الوطء زال المانع “!!!، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة : “حدّ ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن ولا يُضبط بسن” ! أما إذا بلغت الطفلة التاسعة فلا شيء يقيها من الوطء والاغتصاب لأنهم اعتبروا سنّ التاسعة هو “سن الوطء” أي الاغتصاب المباشر للطفلات معتمدين في ذلك على ما جاء في البخاري ومسلم من أن النبي تزوج عائشة في سنها السادسة وعاشرها جنسيا في سنّ التاسعة، فصار ذلك عندهم معيارا وقاعدة لـ “الوطء” واغتصاب الصغيرات.
وقال الحنابلة في نكاح الصغيرة في قسوة بالغة : “إذا بلغتِ الصغيرة تِسْعَ سنين، دُفِعَتْ إلى الزوج، وليس لهم أن يَحبسوها بعد التِّسع، ولو كانت مهزولةَ الجسم، وقد نصَّ الإمامُ أحمد على ذلك“.
ومن المهازل الكبرى المنسوبة إلى ابن حنبل عن “الاستبراء” في حالة الطفلات حيث قال: “تُستبرأ وإن كانت في المهد” ومعلوم أن الاستبراء إنما يكون من أجل التأكد من عدم الحمل، فكيف تُستبرأ الرضيعة التي في المهد مع عدم قابليتها للحمل ؟
في كتاب “ردّ المختار على الدرّ المختار” لابن عابدين ورد ما يلي:”فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن” وصغيرة السن هنا أي ما دون التاسعة. وهذا معناه أن صغر السنّ عند هؤلاء الفقهاء إنما يتبع لمعايير جسمانية لا نفسية ولا عقلية، حيث لم يكونوا يأبهون في ذلك العصر بتوازي النمو الجسماني مع النمو النفسي والعقلي.
وبهذا يمكن القول إنّ الفقه الإسلامي قد ترك جميع الأبواب مفتوحة والأعذار متيسرة لتبرير اغتصاب الطفلات، فعدم ضبط الاغتصاب بسنّ محدّدة عند بعض المذاهب وربطه بـ“تحمل الوطء” وباختلاف الطفلات في أجسامهن بين “السمينة” و“الهزيلة” معناه أنهم تركوا للأب وللشخص المغتصب الحق في تحديد مدى قدرة الطفلة أو عدم قدرتها على تحمل عملية الاغتصاب الجنسي.
وقد تعمق النووي في شرحه لصحيح مسلم في تبرير هذا الموقف الذي لا يقبله الحس السليم، إذ يقول متحدثا عن الطفلة الصغيرة: “وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حَدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يُضبط بسِن، وهذا هو الصحيح“.
أي أن “الصحيح” حسب النووي أن نكاح الطفلة لا ينبغي أن يُحدد بسنّ معينة بل بتقدير الأب والزوج المغتصِب، حيث هما اللذان سيُقرران إن كانت الطفلة “تطيق النكاح والوطء“: “فربما تطيق الجماع بعض الصغيرات بملاحظة سمنها مثلا، و صغر آلة زوجها، و ربما لا تطيقه من كانت أكبر سنا إذا كانت هزيلة وكانت آلة زوجها عظيمة “.
وهكذا تدخل الفقهاء حتى في العضو الذكري للمغتصب فقالوا إن كان صغيرا لا بأس من تزويج الطفلة وإن كان كبيرا فالأفضل انتظار أن تبلغ الطفلة السنة التاسعة.
وقال الخطيب الشربيني بوضوح لا مراء فيه شارحًا قَوْل النَّووي في “المنْهاج“: “ويَحرم وطْءُ مَن لا تحتمل الوطْء لصغَر أو جُنون أو مرض أو هُزال أو نحو ذلك لتضرُّرها به، وتُمهل حتى تُطيق، فلو سُلمت له صغيرة لا تُوطأ، لم يلزمه تسلمها؛ لأنه نكح للاستمْتاع لا للحضانة“. أي أن الرجل لا ينبغي أن يتسلم الطفلة من والديها إذا لم تكن مهيأة للنكاح لأنه يتسلمها لمتعته وليس لتربيتها وحضانتها. وهو كلام يبدو في غاية القسوة واللاإنسانية في عصرنا هذا.
ومن الفقهاء من اعتبر أنه في حالة صغر الطفلة “يجوز أن يتَّفق الولي والزوج على أن يدخل الزوجُ بالصغيرة الرضيعة من دون أن يطأها، بل يقتصر على تقبيلها وضمِّها بشهوة وتفخيذها“. وهذا الاعتبار أدى إلى ظاهرة “تفخيذ الرضيعة” التي تنسب اليوم إلى الخميني والشيعة بحكم ما جاء في كتاب “تحرير الوسيلة” للخميني في قوله:”لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة“. والحقيقة أن مضمون ما ورد عند الخميني هو نفسه ما ورد في كتب فقهاء السنة أيضا.
والخطير ما ذهب إليه الأئمة مالك والشافعي وأبو حنيفة من أنّ “الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو “أطاقت الجماع” جاز وطؤها عندهم، فضلاً عن لمسها بشهوة وتفخيذها“. وما زال بعض المشايخ اليوم يؤكدون ذلك دون خجل. والغريب هو كيف يعتبر هؤلاء بأن الرضيعة “تطيق الوطء” ؟ إنها غاية الاعتداء على الطفولة وانتهاك حرمتها.
والحقيقة أن لمس الرضيعة وتفخيذها واستغلالها جنسيا اعتبر عند عموم الفقهاء أمرا مسكوتا عنه، بمعنى أنه حلال ويدخل ضمن حقوق الزوج ما دام لم يرد فيه نص تحريم، يقول ابن قدامة في “المغني“: “لا يوجد دليل على حرمة مباشرة الرضيعة وتقبيلها وتفخيذها بشهوة “.
ويبدو من نصوص الفقهاء القدامى أن كل همّهم كان إرضاء حق الرجل في متعته الجنسية، وعلى المرأة والطفلة وحتى الرضيعة أن تستجيب لذلك، فهذا ابن القيم الجوزية في كتابه “بدائع الفوائد” كتب ما يلي :“ وفي الفصول روي عن أحمد في رجل خاف أن تنشق مثانته من الشبق، أو تنشق أنثياه لحبس الماء في زمن رمضان، يستخرج الماء (يقصد المني)، ولم يذكر بأي شيء يستخرجه. قال: وعندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره كاستمنائه بيده، أو ببدن زوجته، أو أمته غير الصائمة، فإن كان له أمة طفلة، أو صغيرة، استمنى بيدها، وكذلك الكافرة، ويجوز وطؤها فيما دون الفرج “.
والغريب أن هؤلاء الأئمة الكبار الذين أجازوا اغتصاب الطفلات لم يكترثوا بحديث آخر يقول “لا تنكح البكر حتى تستأذن“. وهو حديث لا يمكن تطبيقه على الطفلة الصغيرة لأنه يتعلق بالبالغين الراشدين الذين يُؤخذ رأيهم ويُطلب موقفهم، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا لمن كانت له شخصيته المستقلة ووعيه الناضج، ما يضرب في الصميم كل فقهيات “نكاح الصغيرة“، حيث يتناقض فقه الشذوذ الجنسي هذا مع مبدأ موافقة العروس ورضاها كما يتعارض مع نصوص أخرى وردت في القرآن حول ربط مسؤولية الزواج مع المسؤولية المالية، فالرشد المالي مرتبط بسن الزواج وهو ما يتنافى مع وضعية الطفلات الصغيرات.
من جانب آخر يلاحظ استعمال الفقهاء لكلمة “امرأة” أو كلمة “نساء” للدلالة على الطفلات، ما يؤكد عدم وجود مفهوم الطفولة عندهم في العصور القديمة.
يبدو أنّ هذا الشذوذ الجنسي كان سائدا لدى الشعوب الأخرى من غير المسلمين كما أشرنا في الفقرة أعلاه، مما يمكن معه القول إنّ الفقه الإسلامي تأثر بثقافة محيطه كما تأثر بها الفقهاء من الذين قرؤوا النصوص الإسلامية وفهموها في سياقها لذلك الزمان.
إنها أمور كانت طبيعية في القرون الغابرة، لكنها اليوم صارت منكرة وفي غاية القبح، ولهذا انقسم فقهاء اليوم بين من سكت عن هذا الموضوع وترك الدول تقرر فيه ما تراه وفق التزاماتها وحسب التحولات الجارية، وبين من ظلّ مُصرا على تكرار المواقف الفقهية القديمة معرضا نفسه إما للمحاسبة أو للسخرية.
حيرة الفقهاء والدعاة وارتباكهم في عصرنا:
ما زال الكثير من الفقهاء والدعاة الدينيين يصرون على النظر إلى الطفلات بنظرة غير سوية، حيث يعتبرونهن صالحات للاستهلاك الجنسي طبقا لما أجمعت عليه المواقف الفقهية القديمة، كما يعارضون كل الدعوات المدنية الداعية إلى حماية الطفولة من الاغتصاب باسم الزواج، حيث يعتبرون ذلك عرقلة لـ “العِشرة الحلال” كما سماها الدكتور أحمد الريسوني، دون أن ينتبهوا إلى أن “العِشرة” المعنية هنا إنما هي مسؤولية جسيمة تتعلق بالراشدين البالغين وببناء أسرة، وليس فقط استهلاك لحم الطفلات في الفراش.
ومما يترتب عن هذه النظرة المليئة بالشذوذ ما يتعلق بـ“حجاب الطفلات“، حيث يثبت إصرار المتطرفين على تحجيب الطفلات الصغيرات نظرتهم غير البريئة إلى أجسادهن، وقد كتب أحدهم قبل عام من هذا التاريخ دون خجل أو وجل، معلقا على ظاهرة اغتصاب أئمة المساجد للطفلات الصغيرات، بأنه على المغاربة أن يمتنعوا عن إلباس طفلاتهم تنورات قصيرة لتجنب إثارة شهوات الرجال ( !؟). وهل هناك خبل أكثر من هذا ؟
وفي عصرنا هذا ما زال بعض المشايخ يكررون ما ورد على ألسنة فقهاء الأمس البعيد، فهذا الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريمي في معرض رده على من أنكر تزويج الطفلات في سن السادسة أو التاسعة انطلاقا من حقوق الإنسان المعاصرة وحقوق الطفل، وبعد أن استعرض أسانيد الأخبار الواردة في البخاري ومسلم والتي تثبت بأن الرسول تزوج عائشة في السن السادسة ودخل عليها في سن التاسعة قال موضحا بمنطق غريب لا يصدر عن عاقل:” إذا كان الغرض من ذلك (أي احترام الطفولة) هو أن يتأسى المسلمون بأنظمة عالمية فينبغي أن يشار إلى أمر مهم وهو أن هناك فرق بين المسلمين والكفار في باب الأخلاق، ينبغي أن يعلم أننا نختلف معهم في أصول الأخلاق“.
فالشيخ هنا يعتبر بأن من الأخلاق الحميدة التي يتحلى بها المسلمون ويختلفون بها عن “الكفار” نكاحهم للطفلات وهذا معناه أن الغربيين “الكفار” غير متخلقين ما داموا لا يمارسون هذه الأفعال الشنيعة، إنه العالم مقلوبا رأسا على عقب.
وقد حاول “الأزهر” سنة 2019 فرض قانون للأحوال الشخصية في مصر يبيح زواج الطفلات ـ طالما وافق ولي الأمر والقاضي الشرعي ـ وهو أكبر دليل على أن المؤسسات الدينية الرسمية ما زالت لم تستطع إحداث القطيعة المطلوبة مع مساوئ الفقه القديم، غير أن قرارا رئاسيا عجل بإصدار مادة قانونية مجرمة لتزويج القاصرات في مصر وهي المادة رقم 227، فقرة 1 من قانون العقوبات، نصت على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج، أقوالا يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق“.
إن مجتمعا يقبل بتزويج القاصرات هو مجتمع عليل يعاني من انعدام الوعي بقيمة الإنسان، ومن الضروري التفكير في مواجهة هذه الظاهرة التي هي من مظاهر التخلف الفاضحة.
الحلول والتدابير المطلوبة لوضع حد لاغتصاب الطفلات باسم الزواج:
لمواجهة هذه الظاهرة السلبية والخطيرة من الضروري العمل على:
ـ إقبار فقه اغتصاب الطفلات بشكل حاسم ونهائي من طرف المرجعيات الفقهية الرسمية للدول الإسلامية، والاعتراف بأن ما ورد فيه مرتبط بزمان آخر غير زماننا هذا وأنه لا يجوز بحال إحياؤه من جديد والاستمرار في اعتماده.
ـ تغيير مفهوم البلوغ من المعنى التقليدي إلى المعنى القانوني العصري، احتراما لمعنى الطفولة ولحقوق الطفل.
ـ إلغاء المواد 20، و21، و22 من مدونة الأسرة، وملاءمة التشريعات الوطنية طبقا للدستور مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وسن مواد في مدونة الأسرة تتضمن عقوبات ضد من خرق سن الزواج القانونية التي هي 18 سنة.
ـ القيام بحملات تحسيسية واسعة وممتدة وغير موسمية لرد الاعتبار للطفلات وحمايتهن، وخاصة في المناطق القروية مثل نواحي ميدلت ووزازات، وتوفير بنيات التمدرس وإلزام العائلات بتدريس بناتها.
ـ معاقبة القضاة الذين يبالغون في استعمال سلطتهم التقديرية لتكريس ظاهرة تزويج القاصرات.
ـ معاقبة المواطنين الذين يعتمدون زواج “الفاتحة” الذي لا يتم توثيقه لدى قاضي محكمة الأسرة بسبب خرقه لسن الزواج القانونية.