( قـد يـرى الناس الجرح الذي في رأسك ولكنهم لا يشعـرون بالألـم الذي تعانـيه ـ حكيم مجهول ـ )

مرت أسرتي في السنوات الخمس الأخيرة بتجربة قاسية ومريرة، بسبب إصابة أخت لي بالسرطان ، اختارها الله إلى جواره، بعد سنتين من الآلام والمعاناة مع المرض الخبيث. لم يكن لدي من القدرة، سوى تسهيل إجراءات مواعيد التشخيص بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، والعشرات من الفحوصات والتحاليل البيولوجية و المختبرية الضرورية المرافقة للعلاج و جزء كبير من الأدوية غير متوفرة في المراكز التابعة لبرنامج العلاج .

ولم يكن باستطاعة زوج الراحلة، الذي كان يشتغل في مهنة حرة، سوى التضحية بجزء كبير من أجره الشهري اليسير، والاقتراض من مؤسسته لسد خصاص الاحتياجات اليومية، التي تدخل في إطار العلاجات التلطيفية الضرورية المرافقة للمريضة.

وفوق كل هذا وذاك، فقد كنا داخل الأسرة نستشعر حجم المعاناة وقسوة الجلسات الكيميائية العلاجية، التي تشق الجسد وتدمره قطرة قطرة، كأنك ترى نحث جسد تحت طائلة أدوية لا نرى لها أي انعكاس ايجابي على الشقيقة التي كانت تصوم عن الكلام وتنتظر فرج الله ، كما لو أنها تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

كنت أعلم مسبقا، بحكم اطلاعي على معلومات خطيرة، من مصادري الإعلامية الخاصة، أن عموم الأدوية الموجهة لمرضى السرطان والمرخص لها هي غير فعالة ، بل إن لها تأثيرات خطيرة و قاتلة في بعض الأحيان ناتجة عن استعمالها، بالإضافة إلى ما تعرفه من أسعار خيالية تفرضها الشركات المصنعة و التي تعرف تصاعدا كل سنة، ففي السنتين الماضيتين 2017-2018 قامت وزارة الصحة المغربية بالترخيص لـ 19 دواء جديدا تستعمل في بعض أنواع السرطانات، أغلبها مشكوك في فعاليته، وسبق للعديد من الدول الاوربية أن سحبته من صيدلياتها.

إن أرخص دواء في صيدلياتنا المغربية لو تعلمون، يتجاوز 4 آلاف درهم ، وسعر بعضها مرتفع بشكل غير منطقي و يصل إلى 90 ألف درهم للعلبة الواحدة. وإذا ما أخدنا بعين الاعتبار كلفة الأدوية الأخرى المرافقة لها فإن قيمة شهر من العلاج ماديا تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم. وحسب معطيات رسمية، فإن بعض الأدوية، يتجاوز السعر المسموح به، حيث تعرف بعضها ارتفاعات صاروخية غير مبررة، ولتأخذ على سبيل المثال، دواء Ibrance الذي يستعمل في علاج بعض حالات سرطان الثدي، يبلغ سعره بفرنسا حوالي 31000 درهم و بالمغرب 53484 درهم. أي بفارق يتجاوز 22 ألف درهم. و إذا ما أضفنا سعر الأدوية المرافقة له و هي بدورها مرتفعة الثمن وأغلى بالمغرب بأكثر من الضعف مقارنة بفرنسا، فإن الكلفة الشهرية لهذا الدواء تتجاوز 70 ألف درهم مع غياب منافع حقيقية. دواء آخر، هو Vargatif أحد الأدوية المرخص لها السنة الماضية و هو مدرج في لائحة مجلة Prescrire بسبب أعراضه الجانبية الخطيرة جدا، يبلغ سعر العلبة الواحدة 27623 درهم وهو أغلى من فرنسا بأكثر من 2200 درهم، علما أنه يكون مرافقا بأدوية أخرى و يصل سعر الحقنة الواحدة لبعضها إلى أكثر من 3 آلاف درهم.

هناك خصاص كبير في الأدوية الموجهة لمرضى السرطان، وعلى الرغم من تخصيص الدولة لمليارات السنتيمات لاقتنائها إلا أن هناك اختلالات مرصودة من قبل مجالس الحسابات، ترتبط بمشاكل تدبير مخزون الأدوية، وعدم استفادة غالبية مرضى السرطان من هذه الادوية، ما يطرح أسئلة عن مالاتها، وطريقة تصريفها، وأسباب ظهور حالات اغتناء غير مشروع، للذين يشرفون عليها، وينظمون الولوج إليها.

وقد وقفت شخصيا على عديد نماذج ممن كانوا تحت مسؤولية تدبير هذا المرفق الخطير، فوجدت أن بعضهم صار في سنوات قليلة من أصحاب المشاريع، ويملك أطنانا لا يمكن أن تختزل قيمة أجر لا يتعدى خمسة آلاف درهم شهريا. ما يعني أن مبدأ المحاسبة هنا، يفرض تنزيله، تحت إطار مساءلة قانونية معلومة (من أين لك هذا؟) .

ضحايا كثر يئنون تحت وطأة المرض القاتل، الذي يحصد 40 ألف حالة جديدة من السرطان كل سنة. يأتي سرطان الثدي عند النساء في المرتبة الأولى بنسبة 36 بالمئة.. أما لدى الذكور، فيشكل سرطان الرئة السرطان الرئيسي بنسبة 22 بالمئة، يليه سرطان البروستات بنسبة 12.6 بالمئة”، ويذهب ضحيته سنويا 32 ألف و962 مواطنا مغربيا وفق أرقام نشرتها وزارة الصحة في موقعها الرسمي.

وجب الإشارة إلى أن وزارة الصحة رفعت الغلاف المالي المخصص للأدوية من 11 مليون سنة 2009 إلى 300 مليون درهم حاليا (2019)”. وتم التكفل بأكثر من 200 ألف مريض بالسرطان كل عام .

إن الحديث عن موضوع اختلاس وسرقة أدوية مرضى السرطان في المستشفيات، أمر لا يمكن تجاوزه، لاعتبارات عديدة، أولها ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو مبدأ يجعل المساءلة إزاء تدبير الشأن العام يتجاوز مجرد الامتثال للقاعدة القانونية لتتعداه إلى مفهوم مُؤسس لاحترام النظام القانوني. ثانيها، أن بوصلة المساءلة قد تُوجه نحو أسئلة المطابقة والمشروعية وترتيب العقوبة عن الإخلال بهما، كما يُمكن أن تركز استراتيجيات الرقابة على مناحي تقييم الأداء في التدبير وتصحيحه. وثالثها كيف سنتمكن من الإجابة عن استفهامات العملية الرقابية نفسها وطبيعة الهيئات الرقابية وأنواع الأساليب المتبعة ومختلف الوسائل الضرورية للوصول للأهداف المحددة، ما يطرح بشكل مباشر وعي الدولة بمسؤوليتها وخدمة المصلحة العامة. وهو الأمر الذي يعتوره مشكل تدبير المرفق الخاص بتخزين وتوجيه الأدوية المذكورة، لمن هو بحاجة ماسة وضرورية إليها.

فهل من مذكر؟