الصين تعزز نفوذ عملتها الوطنية "اليوان"
كتبت قبل نحو سنتين مقالين حول انخفاض قيمة الليرة التركية، و أعطيت للحكومة التركية بعض النصائح و التوجيهات لوقف نزيف العملة ، و ذلك بالاستناد إلى دراستي لتجربة ماليزيا و باقي النمور الأسيوية في مواجهة الأزمة الأسيوية لعام 1997، و قد رأينا حقيقة الترحيب الكبير من قبل بعض و سائل الإعلام التركية بالمقالين و تم ترجمتها للغة التركية، و تلقيت دعوة للمشاركة في ندوة ذات صلة بهذا الموضوع، و هذه التوجيهات حقيقة تم تبنيها من قبل حكومة تركيا للحد من مخاطر نزيف العملة، و قد أشرت حينئذ بأن هيمنة الدولار على النظام المالي و التجاري العالمي هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد التنمية في البلدان الصاعدة، و إزاحة الدولار من عرش الهيمنة هي مهمة صينية بالدرجة الأولى، و قد خصصنا لهذا الموضوع أكثر من محاضرة و مقال خاصة قبل تفشي جائحة كورونا، و أكدنا على أن الصين تسعى منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008 إلى تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي ، فالصين و روسيا تحاولان إيجاد بدائل لكسر هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد المالي العالمي..
آراء أخرى
لكن بالرغم من أهمية كلا البلدين و دورهما المؤثر نسبيا في هندسة العلاقات الدولية و صياغة القرار الدولي، إلا أنه ينبغي النظر خاصة إلى علاقة الصين بروسيا من جهة و بالولايات المتحدة الأمريكية و حلفاءها الأروبيين بقدر أكبر من العمق و التروي، على اعتبار أن هذه العلاقات المركبة و المتشابكة و المتعارضة أحيانا، ذات أهمية بالغة في تقرير مستقبل النظام المالي و الإقتصادي العالمي في القادم من السنوات، فالصين و روسبا تحاولان إيجاد بدائل و ترتيبات إقليمية للحد من هيمنة الدولار الأمريكي، واهم هذه الترتيبات الإقليمية مجموعة BRICS . فالصين و روسيا و الهند والبرازيل قوي دولية صاعدة، لكن الصين و روسيا لهما مكانة سامقة…
فالصين تعد من الأعضاء البارزين في مجموعة BRICS، فهي البلد الوحيد بداخل المجموعة من لها قدرة إقتصادية تعادل إقتصاد دول أخرى مجتمعة، كما أن لها القدرة على منافسة الإقتصاد الأمريكي مستقبلا، فهي مرشحة لأن تحتل صدارة الإقتصاد العالمي في السنوات القادمة ومن المرجح أن تنتج الصين بحلول 2040 نحو 40% من مجمل الإنتاج العالمي ، في مقابل نحو 22 % لكل من الولايات المتحدة و اليابان و الاتحاد الأوروبي..
وفي المقابل، بالرغم من امتلاك روسيا لقوة عسكرية ضاربة و ترسانة نووية بمقدورها ردع القوة العسكرية الأمريكية، إلا أن روسيا تظل دولة متوسطة بالنظر إلى القدرات الاقتصادية و مقارنة بالصين و الولايات المتحدة،فمساهمتها في الإقتصاد العالمي لا تتعدى في الغالب 8 %،إذ يبلغ الناتج القومي الإجمالي لروسيا نحو 2.5 تريليون دولار، وهو ما يمثل 1/7 من ناتج أمريكا، و يصل متوسط الدخل الفردي فيها لنحو 18000 دولار وهو ثلث دخل الفرد الأمريكي، و الإقتصاد الروسي يتعمد أساسا على الطاقة إذ تشكل صادرات البترول و الغاز نحو ثلثي صادرات روسيا ، و نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، هذا إلى جانب أن روسيا تعاني مشكل ديموغرافي في غاية الخطورة، فالنمو الديموغرافي سالب، ومن المتوقع أن ينخض عدد سكان روسيا من 145 مليون نسمة إلى نحو 122 في منتصف هذا القرن، في بلد شاسع المساحة و على حدوده مجموعة من التهديدات و المخاوف الأمنية و الجيواستراتيجية، ومن ضمن هذه و المخاوف الحدود المشتركة مع الصين، والتي تتسم بكثافة سكانية عالية من الجانب الصيني مقابل كثافة جد منخفضة من الجانب الروسي…
فعلى الرغم من التحالف الإستراتيجي بين الصين وروسيا، وتوافق السياسة الخارجية لكلا البلدين، إلا أن هناك تعارض و تضارب في المصالح يعيق تحقق تحالف تام يحد من الهيمنة الأمريكية، فإزاحة هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد المالي العالمي، و الحد من سيطرة الولايات المتحدة على النظام العالمي من الصعب تحققها في الوقت الراهن من قبل دولة منفردة صاعدة في حجم الصين أو روسيا أو الهند أو اليابان، أو حتى الاتحاد الأوروبي، لكن إذا توحدت جهود الصين و روسيا و تكاملت يمكن أن تحدث الفرق، فالقوة الإقتصادية للصين مع القوة العسكرية الروسية من الممكن إذا تقاطعت مع مصالح الاتحاد الأوروبي أو اليابان من الممكن أن تحد من سيطرة الدولار الأمريكي…
و الواقع أن الأحداث المتالية و خاصة بعد تفشي وباء كورونا و رحيل “ترامب” و صعود “بايدن” أعطى للصين متنفسا جديدا ، خاصة بعد نجاحها في السيطرة على الوباء و تحويل الأزمة إلى فرصة، و هذا النجاح أكسب الصين ثقة في النفس و عزز طموحاتها في تعزيز نفوذها المالي و ظهر ذلك من خلال :
أولا- بناء تحالف دولي و شبكة علاقات بعيدة عن هيمنة واشنطن:
أثناء تفشي كورونا و نجاح الصين في إدارة الأزمة و السيطرة عليها ، و استغلالا لأخطاء “ترامب” و تهديده للنظام المالي و التجاري العابر للحدود، اتجهت العديد من البلدان إلى تأييد الرؤية الصينية، فالاتحاد الأوروبي مال نحو الصين و غلب مصالحه على تحالفه التاريخي مع واشنطن ، نفس الأمر حدث مع بلدان كاليابان و كوريا الجنوبية و الفيتنام و أستراليا و غيرها من بلدان أسيا الصاعدة التي إنخرطت مع الصين في تكتل إقليمي ضخم تم الاتفاق الرسمي عليه يوم الأحد 15 تشرين الثاني – نوفمبر 2020، وهو اتفاق “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” المعروف إختصارا ب “RCEP” ، فهذا الاتفاق ينقل عمليًا قيادة التعددية الاقتصادية والتجارة الحرة، و العولمة الجديدة إلى الصين وحلفائها، وهو ما يفرض على أمريكا خيارات مغايرة لسياسات إدارة “ترامب”، عندما نزع إلى تبني الحمائية ورفض المعاهدات والاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف…
ومن المزايا التي يتضمنها هذا الاتفاق، أنه لا يشترط تنازلات سياسية أو اقتصادية كبيرة، ويركز بشكل أقل على حقوق العمال وحماية البيئة والملكية الفكرية وآليات تسوية المنازعات، وحجم سوق( RCEP) أكبر بـ5 مرات تقريبًا من حجم (CPTPP) …فالاتفاقية تحفز بقوة التكامل داخل شرق آسيا وبين الصين واليابان، وهو ما سيقود إلى تقوية نفوذ الصين وتقليل دور أمريكا، وهذا جزئيًا نتيجة طبيعية لسياسات الولايات المتحدة في عهد “ترامب” الذي رفع شعار “أمريكا أولا”، لذا فإن إدارة “جو بايدن” تحتاج إلى إعادة التوازن إلى استراتيجياتها الاقتصادية والأمنية لتعزيز ليس فقط مصالحها الاقتصادية، ولكن أيضًا أهدافها الأمنية، و تبعا لذلك لا مفر لها من التعاون مع الصين …خاصة و أن فكرة (RCEP) ظهرت فى 2012، وجرى التفاوض عليها منذ عام 2013، و تعد من دون شكا فرصة للصين، باعتبارها أكبر مستورد ومصدر فى المنطقة، كما أنه ألية فعالة بيد الصين لمواجهة النفوذ الأمريكى المتزايد فى منطقة آسيا والمحيط الهادى، خاصة بعد انسحاب الرئيس الأمريكى، “دونالد ترامب” من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) فى 2017، وهى الشراكة التى أراد بها الرئيس السابق، “باراك أوباما”، مواجهة الصين بطريقته: أى بإبرام اتفاق عميق مع كبريات اقتصاديات آسيا دون الصين…ولاحقًا تم تغيير اسم (TPP) إلى الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) وتم توقيعها 2018، وهى تضم 7 أعضاء فى RCEP، ليس منها الولايات المتحدة.
ثانيا- تعزيز دور اليوان الصيني
التوجه الأخر هو سعي الصين نحو تعزيز نفوذ عملتها “اليوان” و كسر هيمنة الدولار تدريجيا، فاليوان الصيني يمثل ما يزيد قليلاً عن 4% من المعاملات الدولية، وفقاً لبنك التسويات الدولية فيما يمثل الدولار الأميركي 88%، من النظام المالي العالمي. و هو ما لا ينسجم مع الحجم الفعلي للاقتصاد الصيني و لحجم المبادلات التجارية للصين مع مختلف دول العالم..
و بغرض التقليص من هيمنة الدولار قامت الحكومة الصينية بحزمة من التدابير منها: تعزيز التبادل مع الشركاء التجاريين بالعملة المحلية مثلا الليرة التركية مقابل اليوان ، أو باعتماد أسلوب المقايضة مع بعض الدول مثلا البترول أو المواد الخام مقابل الصادرات الصينية، و دعما لهذا التوجه قامت الحكومة الصينية في عام 2020 و في ذروة تفشي فيروس كورونا بطرح نسخة رقمية من اليوان، حيث يوجد حالياً برامج تجريبية في 4 مدن صينية، وبلغت حجم التعاملات المسجلة بها أزيد من 300 مليون دولار..وقد وصفت بكين اليوان الرقمي بأنه عملة مستقبلية من شأنها أن تجعل شراء الأشياء أكثر ملاءمة وأماناً، كما يقول المسؤولون إن ذلك يمكن أن يساعد أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى الحسابات المصرفية وغيرها من الخدمات المالية التقليدية…
كما أن اليوان الرقمي سيعطي بكين كمية غير مسبوقة من المعلومات حول كيف وأين ينفق الناس أموالهم، وهو نهج يتعارض مع القصد الأصلي من العملات الرقمية، حيث تعتمد “بيتكوين” والعملات الرقمية الأخرى على نظام “بلوكشين لامركزي” يمنع أي شخص أو منظمة واحدة من السيطرة… و التوجه الصيني يغشى من سيطرة العملات الرقمية الغير متحكم فيها صينيا من السيطرة على الاقتصاد والمجتمع الصيني ..و هذا التوجه الصيني يمكن أن نطلق علية “أصينة العملة الرقمية ” على غرار “أصينة” وسائط التواصل الإجتماعي و محركات البحث على الشبكة الدولية للانترنت…
كما أن تبني اليوان الرقمي على نطاق واسع قد يساعد الحكومة الصينية على تحقيق خطة أعظم بكثير و هي : كسر احتكار الدولار الأمريكي وزيادة تأثير اليوان على الساحة الدولية… ومن شأن اليوان الذي يمكن تتبعه بسهولة أكبر أن يسمح للحكومة بإدارة المعروض النقدي في البلاد بشكل أفضل… كما أنه يمكن بكين من الحد من النفوذ المتزايد لشركات التكنولوجيا الخاصة وخدمات الدفع الرقمية الخاصة بها على النظام المالي في البلاد…فقد شهدت خدمات الدفع عبر الإنترنت التي تديرها Alipayومجموعة Antوشركة WeChatPayمن Tencentنمواً سريعاً على مدى العقد الماضي ، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا كانت الشركات الخاصة تتمتع بنفوذ كبير على المعاملات الرقمية في الصين…فاليوان الرقمي يشكل تهديدا للهيمنة المالية الأميركية، نظرا لأنه يقدم بديلا للدولار، وإذا تم تبنيها بنجاح فستساهم هذه العملة الرقمية في إبعاد الأسواق المالية العالمية عن النظام المرتكز على الدولار، وستساعد أيضا حكومة بكين على معالجة أي اضطرابات بالعملة العالمية التي تحركها دوافع سياسية.
كما يعتقد تقرير بموقع “معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركية” نشر في شهر سبتمبر 2020، أن اليوان الرقمي سيساعد الصين في تدويل عملتها، والترويج لليوان كمنافس أو بديل للدولار الأميركي، ناهيك عن أنه سيمكّنها من توسيع قدراتها في مجال المراقبة، حيث ستوفر لها العملة الجديدة نافذة على النشاط الاقتصادي للمستخدمين داخل حدودها أو خارجها، الأمر الذي سيخول لها التحكم فيها… كما سيسمح اليوان للصين بالالتفاف حول العقوبات وقوانين حظر الأسلحة وأنظمة غسل الأموال من خلال توفير بديل لنظام المدفوعات الدولية القائم على الدولار، والذي يخضع لمراقبة المؤسسات المالية الغربية…
ثالثا- الصين توظف ورقة هيمنة الدولار للضغط على الإدارة الأمريكية:
سبق و أشرنا إلى أن الحد من هيمنة الدولار يقتضي تحالفا دوليا تقوده الصين ، على اعتبار أن الصين تملك أقوى إقتصاد بعد الولايات المتحدة، كما أنها تتوفر على أضخم جيش في العالم ، وتتوفر على ترسانة نووية قوامها أزيد من 250 رأس نووي، وميزانية عسكرية هي الأضخم بعد الولايات المتحدة، كما أنها تتوفر على تكنولوجيا جد متقدمة في صناعة الفضاء والانترنيت… فبالرغم من هذه الإمكانيات الهائلة ، إلا أن الصين لا تستطيع إزاحة أمريكا عن الصدارة في المدى المنظور، وذلك راجع إلى تشابك المصالح مع الولايات المتحدة و حفاءها الأروبيين…
فصعود الصين و إزاحتها للولايات المتحدة، ليس بالأمر السهل فهو ينذر بحرب، لا تقل شراسة وخطورة عن ذلك الصراع الذي نشب في مطلع القرن العشرين بين ألمانيا و بريطانيا على النفوذ، و إنتهى باندلاع الحرب العالمية الأولى، فاليوم أيضا تنظر أمريكا بعين التوجس إلي الصين و العكس صحيح، فكل طرف له القدرة على الإضرار بالأخر ، وهذا الوضع أنشأ توازنا في القوة، فكل طرف يحتاط من الأخر، ويتجنب تجاوز الخطوط الحمراء و الإقتراب من نقطة اللاعودة..
فالصين بإمكانها إزاحة الدولار الأمريكي، لكن ذلك ستكون له كلفة جد عالية على الصين وأمريكا معا، و قدرة الصين على كسر هيمنة الدولار نابعة، من توفر الصين على أكبر احتياطي نقدي في العالم و يقدر بنحو 4،2 تريليون دولار، ومع توفرها على هذا الاحتياطي فهي عاجزة عن زيادة نفوذها المالي،بفعل تبنيها لسياسة نقدية محافظة،كما أن هذا الاحتياطي النقدي لا يترجم إلى قوة تفاوضية في مواجهة أمريكا، فالصين تمتلك احتياطي ضخم من الدولار المحصل عليه من صادرات الصين لأمريكا، لكن مقابل هذا الإحتياطي تستفيد الصين من السوق الأمريكي، فالسوق الأمريكي المفتوح في وجه السلع الصينية، يعني المزيد من النمو الإقتصادي و بالتالي المزيد من فرص العمل و بالتالي ضمان الأمن و السلم الاجتماعي، و كل ذلك يخدم مصلحة الصين و الحزب الشيوعي الصيني الذي يحكم الصين بناءا على شرعية النمو و التنمية الإقتصادية، فأي توجه سياسي أو قرار سياسي يحدث هزة في الإقتصاد الصيني يكون له تأثير سلبي على الحزب و المجتمع…
فالإدارة الأمريكية تدرك جيدا أن الصين منافس قوي، لكن في ذات الوقت تعلم أن الاقتصاد الصيني يعتمد على السوق الأمريكي وعلى السوق الأروبي، كما أن الاقتصاد الصيني لازال يعاني من بعض المشاكل البنيوية، المتصلة بالهيكل الصناعي الذي لازالت تلعب فيه المؤسسات المملوكة للدولة، و المؤسسات الريفية دورا مهما، وهذه المؤسسات تعاني من سوء في التسيير و انخفاض في نسب النمو، وضعف السيولة و تضخم عدد العاملين بها…كما أن النظام المصرفي الصيني لازال في حاجة إلى المزيد من الإصلاح و التقنيين، هذا إلى جانب قضايا التفاوت في التنمية بين مناطق الصين المختلفة، فالمناطق و المدن الساحلية تعرف ازدهارا و ارتفاعا في متوسط الدخل الفردي، بينما المناطق الداخلية تعاني ضعفا تنمويا فالعديد من أقاليم الصين لازالت عاجزة عن البلوغ لمعدل الدخل الوطني،لذلك فإن هاجس الحكومة الصينية، هو تأمين النمو الاقتصادي المرتفع بغرض الإستجابة للإحتياجات التنموية، و الدخول في صدام مع الولايات المتحدة في الفترة القادمة يضر بمصالح الصين، التي تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم …
و هذا الموقف الصيني المتحفظ و البرغماتي، عبر عنه الرئيس “شي جين بينغ” في يناير 2021 بمناسبة افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي ، فقد حذر الرئيس الصيني في خطابه، من “حرب باردة جديدة” لا يمكن أن تؤدي إلاّ إلى “طريق مسدود”، ودافع “شي” عن التعددية والعولمة، ووجه الرئيس الصيني تحذيراً إلى الرئيس الأميركي “جو بايدن”، من “مغبة مواصلة سياسة سلفه حيال بكين خصوصاً على المستويين التجاري و التكنولوجي “.وفي هذا السياق، قال شي: “تشكيل مجموعات أو إطلاق حرب باردة جديدة، ونبذ الآخرين أو تهديدهم أو ترهيبهم، وفرض انقسامات أو عقوبات أو تعطيل شبكات التموين بهدف العزل، سيساهم في دفع العالم إلى الانقسام وحتى المواجهة”. وأضاف: “المواجهة ستوصلنا إلى طريق مسدود”…كما دعا الرئيس الصيني “شي جين بينغ” دول العالم إلى تعزيز تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي وتعزيز دور مجموعة العشرين في الحوكمة الاقتصادية العالمية، مشيراَ إلى تعاف “مهتز نوعا ما” من جائحة فيروس كورونا..وقال إنّ الآفاق الاقتصادية لا تزال غير مؤكدة وإنه “من المرجح جداً أن تتكرر” حالات الطوارئ الصحية العامة…
لذلك، فالسياسة الخارجية الصينية و القيادة الصينية،تتعامل باعتدال و مرونة مع قضية هيمنة الدولار الأمريكي ، فالصين تدرك الدور الذي يلعبه الدولار في العالم، و المكاسب العالية التي تجنيها أمريكا من هذه الهيمنة، وهي تعمل منذ 2008 على زيادة قوتها المالية من خلال تشجيع استخدام اليوان لتمويل التجارة، وأخر اتفاق كان بين دولBRICS، بالإضافة لتركيا ، و مع ذلك لازال الدولار الأمريكي مهيمن على نحو 81% من التجارة العالمية مقابل 9% لليوان، ومن المؤكد أن هذه النسبة ستنمو و تتسع ، لكن من الصعب إزاحة الدولار وتقوية اليوان ما لم تتبنى الصين سياسة نقدية مغايرة لما هو متبع حاليا، ومن ذلك تحرير سعر صرف اليوان و هو الأمر الذي تحاول الصين تبنيه بالتدريج، و تبني سياسات نقدية أكثر تحررا، لكن الأهم من ذلك هو توفر إرادة سياسية لدى القيادة الصينية تحديدا ، لإحلال اليوان أو سلة عملات بدلا عن الدولار الأمريكي…
و هذه الإرادة تتشكل تدريجيا ، لكن القيادة الصينية تفضل عدم المغامرة و التسرع ، فأولويات الصين على المدى المتوسط ، بعيدة كل البعد عن تحدي الولايات المتحدة و كسر هيمنة الدولار، و بالأحرى احتلال مكانة أمريكا في النظام المالي العالمي، فأولويات الصين محلية بدرجة أولى ثم إقليمية بدرجة ثانية، لذلك من يراهن على الصين كبديل للولايات المتحدة عليه أن يتعامل بحذر مع هذا الطموح، فالصين لن تدخل في صراع مع أمريكا، ومن يعتقد عكس ذلك، فهو لايدرك جيدا عقلية القيادة الصينية التي تفكر بمنطق برغماتي/نفعي، ولا يقدر مدى حجم التحديات التي تواجه الصين …و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة