المتتبع لتفاعلات التطبيع المغربي الاسرائيلي يجد ان الجانب الظاهري فيها الذي استحوذ على جل التعليقات سواء المناهضة او المؤيدة للتطبيع هو النقد الواسع الذي تعرضت له   حكومة  حزب العدالة والتنمية  المغربي  كحزب ينتمي الى حركة الاخوان المسلمين التي طالما عملت  على توظيف البعد الاسلامي للقضية الفلسطينية في حشد  الدعم الشعبي لها عبر رفعها  لشعارات شعبوية متطرفة كخيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود الخ  في الكثير من التظاهرات الشعبية المنددة باسراىيل. والتي تبين من خلال موقفها المؤيد  للتطبيع  انها شعارات الهدف منها  تقوية التنظيم واستعراض القوة سواء ازاء الاحزاب الاخرى اليسارية والقومية   او ازاء النظام السياسي  وليس تكريسا لموقف مبدئي من الاحتلال او فلسطين.وهي بذلك  لم تخرج على القاعدة العامة التي اطرت رؤية غالبية  الانظمة  والقوى السياسية في توظيفها للقضية الفلسطينية من اجل دعم مشاريعها السياسية الداخلية والخارجية خاصة  عندما كانت هذه القضية تلهم حماسة شعوب المنطقة الخارجة  لتوها من معارك التحرير والاستقلال .

لكن لماذا تحميل المسؤولية لحزب العدالة والتنمية المغربي في عملية التطبيع ؟. هل كان هذا الموقف المؤيد للتطبيع  مفاجئا  لنا  كمتتبعين   ؟. وهل  فعلا للحكومات في الدول المغاربية والشرق الاوسط اي  استقلالية  حتى يتم محاسبتها على ما يتخذ من قرارات  ؟.ام انها فقط اجهزة تنفيذية لانظمة حكم رئاسية استبدادية جمهوربة كانت اوملكية  .تؤثث المشهد السياسي اللازم لتجميل الاستبداد   ضمن اطار  دموقراطيات الواجهة وانها مجرد  ادوات تسخرها الانظمة السياسية لتضفي الصبغة الدموقراطية على ما تتخذه من قرارت سياسية  جائرة.

ان النقد الموجه للعدالة والتنمبة اذن  لا يمكن ايعازه ففط للتحول في الموقف الذي نعلم جيدا انه لم يكن يوما بالسبة لها موقفا مبدئيا من قضية كانت دوما محطة  توظيف سياسي شانها في ذلك شان الكثير من القوى والانظمة السياسية . بل كذلك لتصفية حسابات سياسية   تؤطرها خلفيتين متناقضتين  الاولى يسارية  مبدئية نابعة من موقف تحرري من القضية  الفلسطينية  .والثانية  تؤطرها الحسابات الضيقة للقوى السياسية المشاركة او الغير المشاركة  في الاغلبية الحكومية الموقعة على التطبيع وذلك ليس من باب الاختلاف معها بل فقط  من اجل  اضعاف موقعها في الاستحقاقت الانتخابية المقبلة واظهارها بمظهر الحركة السياسية المنافقة في مواقفها ازاء القضية الفلسطينية. 

اذن ان كان رئيس الحكومة العثماني المنتسب للعدالة والتنمية هو  من حظي بالنقد الواسع للاسباب التي ذكرتها سلفا رغم علمنا  أن قرار  التطبيع هو قرار دولة صيغ من خارج المؤسسات الدستورية شانه في ذلك شأن باقي القرارات التي تتخذها انظمة الحكم اللادموقراطية  حيث الحكومات الممنتخبة والاحزاب مطلوب منها فقط تأثيث المشهد السياسي والدستوري في مقابل تقاسم الريع الاقتصادي والمالي .

فان ما يثير الانتباه هو النقد اللاذع  الذي جاء من حركة حماس الفلسطينية لحزب العدالة والتنمية المغربي .هذا في الوقت الذي لم يطل هذا النقد باقي مكونات حركة الاخوان المسلمين في باقي بلدان العالم الاسلامي التي تبني علاقات استراتيجية  مع اسرائيل كتركيا مثلا حيث الحزب الحاكم ينتمي الى عاىلة الاخوان او قطر المطبعة معها تاريخيا وفي نفس الان صاحبة الفضل على حماس والممول الاول للاخوان المسلمين دوليا. .واذا كان هجومها  على  الدول المطبعة من حلفاء الامس الممثلة في امارات الخليج  بعد ان توترت علاقة هذه الاخيرة  بها وبعد ان صنف حركة الاخوان ضمن قائمة الارهاب. يجعل ردة الفعل ازاءها مفهوما  وفق حسابات سياسية  ومذهبية اخرى غير المصرح به المتمثل في ترسيم تطبيع قديم لم يكن يوما  خفيا على المتتبعين للشان السياسي الاسرائيلي .لماذا اذن هذا التهجم على المغرب الذي لم يجاري امارات الخليج في تصنيفهم الاخوان حركة ارهابية بل ويترائس حكومته  حزب اخواني؟.   

ان هذا النقد اللاذع لحركة حماس  للمغرب ولحزب العدالة والتنمية   الذي اعتبرته حزبا صهيونيا خرج عن اجماع حركة الاخوان ومبادء الدين الاسلامي حسب تعبيرها  لا يمكن فهمه الا في اطار ردة الفعل الغير المحسوبة التي تنم عن حالة ارتباك داخلية تعتري تياراتها  ويؤشر عن مزيد من تصدع حركة الاخوان كتنظيم دولي  شهد ازها  فتراته مع انطلاق ما سمي بالربيع العربي . وما يكرس هذا المنحى هو الموقف المختلف لحركة النهضة التونسية التي ادانت التطبيع المغربي الاسرائيلي دون ان تشير الى   حزب العدالة والتنمية رغم مسؤوليته المباشرة في الحكومة وتركت باب تطبيع تونس  مفتوحا حين عرقلت تمرير قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل،  وكذا  تصريح الرآسة التركية الاخوانية الذي تجنب الخوض في تطبيع المغرب مع اسرائيل و اخذت على عاتقها تطوير العلاقات التركية  الاسرائيلية  وتوسيع قاعدة التنسيق المشترك معها  وكأنها بذلك تؤدب حماس من جهة   و تقطع الطريق على المطبعين الجدد خاصة من امارات الخليج الذين يكنون لها العداء كراعية وكمحتضنة  لحركة الاخوان المسلمين من جهة أخرى .

  ان التطورات الاخيرة  تجعل من  اسرائيل مركز جذب ليس فقط  لدول المنطقة بل كذلك لتيارات  الاسلام السياسي السني  بشقيه الاخواني والسلفي الذين رغم اختلاف حساباتهم السيايية ألا انهم مجمعون على توظيف  القضية الفلسطينية كما وظفوا الدين في تحقيق ماربهم السياسية  ان كان ذلك سيمكنهم من الحكم والسلطة كمدخل لاقامة دولة الخلافة   التي هي غايتهم الاسمى.

في هذا السياق يمكن استحظار كذلك تجربة الرئيس المصري الراحل مرسي الذي  تولى السلطة عقب مظاهرات ميدان التحرير حين   استضاف مؤتمرا دوليا لحركات الاسلام الجهادي والسياسي  اعلن من خلاله الدعوة للجهاد في سوريا نصرة للاخوان المسلمين فيها وللمشروع الامريكي الصهيوني  في حين لم يعلن الجهاد في فلسطين ولم يقدم على اي خطوة في اتجاه قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل.  وهو النداء الذي  استجابت له   حركة حماس الفلسطينية التي شاركت  في الحرب الدموية التي طالت الشعب السوري و اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك خاصة في السنوات الاولى للازمة.

ان ما لم تستوعبه حركة حماس هو ان مرحلة ما بعد ما سمي بالربيع العربي قد انتج اوضاعا  اجتماعية و سياسية  جديدة  في المنطقة كما ساهم في خلق تحولات كبرى في علاقات دولها التي اصطفت في أحلاف متصارعة بعد ان تلاشت التكتلات التقليدية  ومن ضمنها جامعة الدول العربية . ولم يعد  لامريكا  والغرب عامة مصلحة في ان تلعب حركة الاخوان المسلمين والحركة السلفية  التي راهنت عليها في ما سمي بالربيع العربي  ،تلك الادوار التقليدية ،  بل وجب تاهيلها لمتطلبات المرحلة المقبلة  المتمثلة في  ضرورة   تطبيع علاقاتها  بأسراىيل  . وهو ما بدأنا نستشفه من ما يطرح داخلها من نقاشات تسعى للتميز بين الجانب الدعوي المبدئي والجانب السياسي الذي عليه  الأخذ بعين الاعتبار المصالح السياسية للحركة  والمرونة في ابداء الموقف كمؤشر لبداية التحول الذي تشهده حركة الاخوان المسلمين في اتجاه التطبيع اسوة بالتيار السلفي . وليس بالبعيد ان قلنا ان اسرائيل اصبحت بالنسبة لهم مركز تجاذب قد يجمع بينهم وبين الانظمة  السياسية في الخليج وغيره لمواجهة ما يسوقه الاسلام السياسي  السني تهديدا ايرانيا و شيعيا وتعتبره امريكا واسرائيل محورا مقاوما ومعيقا لسياساتهما الهيمنية في المنطقة. بالتالي على حماس كحركة تكتوي من نار الاحتلال والحصار الاسرائيلي   ان تعلم ان القادم سيضعها في موقف صعب مدخله الوحيد ان ارادت الحفاظ على دورها المقاوم  هو فك الارتباط مع باقي تيارات الاخوان المسلمين و التموقع الصريح مع باقي فصاىل المقاومة الفلسطينية و مع محور المقاومة و روافده  الشعبية في مختلف بلدان المنطقة من اجل انحاز مهمة تحرير الانسان الفلسطيني بكل مكوناته من الاحتلال الصهيوني .