بمغادرته لأسوار السجن يوم الإثنين الماضي، تكون قد مرت ثلاث سنوات على اعتقال الصحفي حميد المهدوي، وهي مدة الحكم القاسي الذي صدر في حقه في القضية الثانية، بعد أن كان حكم المحكمة في القضية الأولى لا يتجاوز السنة!

مرت السنين وخرج حميد المهدوي “منتصب القامة يمشي.. مرفوع الهامة يمشي” كما تغنى بذلك الرائع مارسيل خليفة.

خرج الصحفي حميد المهدوي من سجن تيفلت فوجد في استقباله أسرته الصغيرة، وعدد كبير من الرفاق والأصدقاء في مجال الصحافة والإعلام، إلى جانب النشطاء في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسهم مناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي كانت في الموعد مند الاعتقال، وخلال اطوار المحاكمة، وبعد مغادرة أسوار السجن.

دخل حميد المهدوي إلى السجن بتهمة غريبة، تتعلق بمحاولة إدخال دبابة، وخرج منه بدون هذه الاخيرة، فبقي السؤال المعلق لدى جزء كبير من الحقوقيين والمراقبين: ما هو مآل تلك الدبابة اللعينة؟

ما عانته أسرة الصحفي حميد المهدوي بسبب سجن ابنها كان فضيعا جدا، وقد كتبنا في حينها، العديد من المقالات أملا في أن يلين قلب السجان، بل ناشدنا بلسان صادق أعلى سلطة في البلاد، عبر قنوات فضائية، بإطلاق سراح المعتقلين، ومن ضمنهم الصحفي حميد المهدوي، أملا في وقف النزيف حتى لا تخدش الصورة الحقوقية للوطن، غير أن الأمل قد خاب في تبديد سوء الفهم الكبير، وفي تصالح الدولة مع أبنائها، لأن الوطن فوق الجميع وأكبر من الجميع.

لا شك أن المدة التي قضاها الصحفي حميد المهدوي أصبحت من الماضي الأليم، ومن استمع إلى التصريحات الأولى لهذا الرجل الشهم، سيستشف بكل يسر، بأنه ليس حقودا على الوطن،  وبأن ما ظل يردده طيلة أطوار محاكمته، من كونه ليس ضد مؤسسات الدولة، ولا ضد ثوابث الدولة، لم يكن كلاما مسرحيا، بل كان يجسد حقيقة ما يوجد بدواخله كصحفي عاشق للوطن حد الثمالة، ورافض للفساد والظلم بدون حدود ولا قيود.

لقد عز على نفسي، وأنا استمع إلى تصريح للصحفي حميد المهدوي، تساءل فيه عن أسباب اعتقاله؟

صديقي حميد، المؤكد أنك لم تعتقل من أجل دبابة لعينة لا وجود لها في الواقع، بل اعتقلت لأسباب كتبنا عنها وأنت في السجن، حتى لا يزايد علينا أحدا، من صغار الهمة والشأن، الذين كانوا يروجون عنا بسوء نية، في جلسات بغضهم، بأننا تركناك وحيدا مند الإعتقال، في عملية حقيرة وقذرة لا تنطلي خلفياتها البئيسة علينا.

لقد دخلت الى السجن صديقي حميد، ونحن على خلاف مبدئي بخصوص بعض المواقف التي لا يسمح سياق  المناسبة بالخوض فيها، ومع ذلك لم نبخل عنك، ولا عن زوجتك المكافحة، ولا عن اسرتك الرائعة التي يحق لك أن تفخر بها، بكلمة حق في شخصك، بعد أن تم الحكم عليك بكل تلك السنوات، في وقت تعرف فيه أكثر من غيرك، بأن التضامن الحقوقي، أصبح عملة نادرة في سياق حقوقي وطني بات محفوفا بمخاطر جمة!

من يجبر اليوم ضرر الصحفي حميد المهدوي وأسرته بعد أن قضى ثلاثة سنوات بتهمة خيالية؟ من يعوضه عما ضاع منه خلال فترة محكوميته؟

ماذا ربحت الدولة من سجنه ومن شيب رأسه الذي زاده احتراما ووقارا؟

الدولة الرشيدة هي التي تصلح الأخطاء التي تقع فيها وليس تكرار الخطأ بأخطاء أخرى. هناك مساطر قانونية يمكن من خلالها رد الاعتبار للصحفي حميد المهدوي ولأسرته، والدولة القوية هي التي تمضي بعيدا في الإنصاف والمصالحة.