بعد تعرضه للمنع .. هل عاد "حزب الأمة" للاشتغال في الظل؟
يبدو أن مشروع “الأمة” الذي يمثله كل من “حزب الأمة” و”الحركة من أجل الأمة”، عاد إلى الاشتغال في الظل من جديد، بعد أن شغل الساحة السياسية المغربية خلال 15 سنة الأخير، في مناسبتين على الأقل، احتل خلالهما مساحة واسعة من الإعلام الوطني والدولي، وكذا لدى مراكز البحوث والدراسات.
وتتعرض التجربة للتضييق والمنع منذ انطلاقتها بشكل رسمي نهاية تسعينات القرن الماضي، حيث رفض القضاء تأسيس الحزب ذي المرجعية الإسلامية بعد مروره بكل مراحل التقاضي لسنوات دامت زهاء 10 سنوات (2006، 2016) كما أن سلطات ولاية الرباط رفضت تسلم الملف القانوني للحركة من أجل الأمة بعد عقد مؤتمرها الوطني الثاني.
آراء أخرى
ورغم أن الحزب يعلن في كل مرة على أن هذا المنع وهذه العرقلة لن تثنيه عن المطالبة بحقه في التنظيم والتعبير، وأنه سيبحث في الخيارات والبدائل السياسية والقانونية والنضالية للرد على ما يسميه “استعمال القضاء” لمنع مواطنين مغاربة من حقهم في تأسيس حزب سياسي، إلا أن العكس هو الذي حصل، فقد توارى الحزب ودراعه الدعوي “الحركة من أجل الأمة” نحو الخلف، ولم يعد يسمع المراقب بأي تحركات أو تصريحات أو خرجات أو تنسيق ميداني.
ويستغرب مجموعة من المراقبين لهذا التواري، خاصة وأن الحزب والحركة معا، شغلا الساحة الإعلامية والبحثية لمدة طويلة، في ملفات مهمة أبان خلالها الحزب عن علو كعبه النضالي، المناسبة الأولى كانت سنة 2006، عند تأسيس “حزب الأمة” فرغم الشروط المعقدة التي يفرضها قانون الأحزاب، تمكنت التجربة من التأسيس والمرور إلى المرحلة النهائية رغم العوائق التي فرضها القانون، إلى أن تمكنت اللجنة التحضيرية من وضع الملف لدى مصالح وزارة الداخلية، التي فاجأ وزيرها الرأي العام وهو ينكر تحت قبة البرلمان توصل وزارته بملف ووثائق “حزب الأمة”، وما تلاه من تحدي فاجأ السلطات التي أصرت على عدم الاعتراف بهذه التجربة التي لقيت ترحيبا من مختلف الأطياف السياسية إسلاميين ويسار، ويمكن إدراج عنوانين لهذا التحدي.
ـ إعلان الحزب المشاركة في انتخابات سنة 2007 التشريعية، وهو أمر فاجأ السلطات، حيث اضطرت وزارة الداخلية في سابقة تعرفها الساحة السياسية المغربية، إحالة ملف حزب الأمة على المحكمة الإدارية، التي حكمت لصالح الحزب وأقرت بمشروعيته، في سياق الحراك الذي شهده المغرب سنتي 2011 و 2012، قبل أن تقرر إبطال الـتأسيس في المرحلتين الاستئناف والنقض، بعد تراجع وهج الشارع، وعودة الدولة العميقة إلى المساحات التي اضطرت إلى تركها لصالح طموح الشعب الذي خرجت شريحة واسعة منه إلى الشارع للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ـ بعد أن رفضت السلطات الاعتراف بأحقية الحزب في التواجد القانوني، رفع الحزب تحدي آخر وهو الاحتجاج عبر وقفات وبيانات ومهرجانات حاشدة، أظهرت الإمكانات التنظيمية للحزب من جهة، كما أظهرت مكانته وسط الساحة السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، حيث عبرت مختلف التوجهات عن تضامن كبير فاجأ بعض المراقبين.
المناسبة الثانية، التي تصدر فيها الحزب الواجهة من جديد كانت سنة 2008، عند تفجير السلطات المغربية مفاجأة من العيار الثقيل، أصابت الساحة بالصدمة والدهشة، وهي اتهام أمين عام الحزب باتهامات اعتبرها العديد من المراقبين “مبالغ فيها”، أتاحت الفرصة لقيادات الحزب، والحركة معا، لتوضيح وإخراج كل المعطيات المتعلقة ب”حركة الاختيار الإسلامي”، التي اشتغلت لسنوات طويلة في الظل، وإن كانت رموزها وقياداتها معروفة لدى الجميع سواء لدى الإسلاميين أو لدى اليسار الجدري منه على الخصوص، خاصة وأنها كانت تتوفر على قطاع طلابي “طلبة الميثاق”، وإعلام “جريدة الجسر”، وعشرات من الجمعيات الثقافية والرياضية بمختلف المدن المغربية، قبل أن تخرج عدد من القيادات لتؤسس “البديل الحضاري” سنة 1995، لتواصل الحركة عملها لتخرج رسميا سنة 1998 تحت اسم “الحركة من أجل الأمة”، التي عملت على تأسيس حزب الأمة سنة 2006.
تعريف مقتضب
لعل أهم ما يميز الحزب والحركة معا، هو توفرهما على تنظير يلقي عادة استحسانا من قبل العديد من الباحثين والمفكرين، ونشير في هذا الصدد إلى “وثيقة رسالة البصيرة” في جزئها الأول الذي صدر سنة 2000، والتي تعتبر المحدد الأساسي لمواقف ورؤية الحركة لعدد من القضايا.
وتعرف الحركة من أجل الأمة نفسها على أنها حركة علنية تلتزم الإسلام عقيدة ومنهجا ومنه تنطلق وإليه تعود عقيدتها القائمة على الكتاب والسنة، وتعتبر نفسها خالصة متحررة من كل القيود التاريخية سواء الكلامية أو السياسية.
وحسب اعلان المؤتمر الوطني الأول، فإن منهج الحركة من أجل الأمة يقوم على نواظم أربعة : أولوية النص والعمل بمقتضى الدليل الشرعي الراجح واعتبار العقل، وتأكيد الاجتهاد ،والتجديد والمقاصدية كعنوان عام لفقه التنزيل.
وحسب الوثيقة المشار إليها فإنها كذلك حركة مغربية ، ينضبط مشروعها المجتمعي المتمثل في شعار ً السلطة للأمة والسيادة للشريعة ً أحد عناوينه ، لمواصفات الأمة الشاهدة وهي الربانية والوحدة والوسطية والرسالة ( الدعوة) والفعالية الحضارية . وهي كذلك حركة مستقلة عن أي جهة محلية أو إقليمية أو عالمية ومنفتحة على قضايا العصر وأسئلته، وتتمسك الحركة بالاعتراف القانوني الكامل لا مجرد الاعتراف الواقعي كما دأب عليه المنهج عند دوائر وزارة الداخلية.
أما حزب الأمة، فيعتبر نفسه وفق وثيقته الرئيسية، “حزباً يعتمد المرجعية الإسلامية ويلتزم باختيارات الأمة، وهو حزب اجتماعي، نهضوي تجديدي، ديمقراطي، ومنفتح على أسئلة العصر وقضاياه وتحدياته، ويستند إلى فهم وسطي وتجديدي للإسلام والتراث الديني”.
ويطرح الحزب والحركة معا “الملكية البرلمانية” كشكل النظام الذي يتوافق مع اجتهادهما من داخل المنظومة الإسلامية، وهما بهذا تكون مواقفهما قريبة جدا من مواقف اليسار الجدري خاصة مكونات فدرالية اليسار الديمقراطي، وأيضا من جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي.
حزب الأمة يرفع اللبس عن مقاربته لعلاقة الديني والسياسي
في سياق تأسيسه سنة 2006، ولتوضيح رؤيته ومقاربته لعلاقة الديني بالسياسي، أصدر حزب الأمة وثيقة في الموضوع، قال عنها أنها جاءت لرفع اللبس الحاصل لكون الحزب يستند على المرجعية الإسلامية.
واستحضرت الوثيقة بعض المفاهيم والتحديدات المفتاحية المرجعية، مشيرة إلى أن السياسة في الإسلام من الأمور المخولة إلى نظر الخلق، مؤكدة على أن الإسلام يميز بين الدين والسياسة.
وأكدت الوثيقة، على أن التصرف السياسي تصرف مدني اجتهادي في إطار المرجعية الإسلامية، مشيرة إلى التمييز الذي قام به الإمام القرافي، وهو من أعلام الفقه المالكي، الذي ميز بين ثلاث تصرفات للرسول صلى الله عليه وسلم: تصرف بالفتيا والتبليغ وتصرف بالقضاء وتصرف بالإمامة، حيث اعتبر أن التصرف بالإمامة “وصف زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء، لأن الإمام هو الذي فوضت إليه السياسة العامة في الخلائق، وضبط معاقد المصالح، ودرء المفاسد، وتوطين العباد في البلاد إلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس”.
وخلص موقف حزب الأمة، إلى أن السياسة في الإسلام من القضايا المخولة إلى نظر الخلق ولذلك تندرج في مباحث المصالح، وأنها متغيرة ونسبية تخضع لقانون الخطأ والصواب لا لقانون الحلال والحرام، مؤكدا على أن التصرف السياسي تصرف مدني اجتهادي، وبالتالي فإن الدولة دولة مدنية وليست دولة دينية أو دولة ثيوقراطية.
هل اعتماد المرجعية الإسلامية يعتبر من التسخير السياسي للدين؟
جوابا على السؤال أعلاه، تقول الوثيقة إنه لا يمكن الادعاء بأن هناك استغلالا للدين لأغراض سياسية من طرف جهة ما إلا إذا توافرت ثلاثة شروط: الأول، أن تدعي تلك الجهة التكلم لوحدها باسم الدين وتحتكر بالتالي تفسيره وتأويله وتعتبر نفسها وصيا عليه وتكفر مخالفيها. والثاني، أن تمنع الآخرين من الحق في اعتماد المرجعية الإسلامية إذا رغبوا في ذلك. والثالث، أن تضفي القداسة الدينية على اجتهادها السياسي فتعتبره دينا واجب الإتباع وما دونه الباطل والضلال.
الاستقلالية
أبانت المعركة التي خاضها الحزب من أجل أخذ مكانته ضمن الأحزاب المعترف بها قانونا، عن السبب الأساسي الذي جعل السلطات ترفض “حزب الأمة”، وهو الاستقلالية التي أبان عنها الحزب، وهي من المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها في تدافعه ومواقفه.
ومن المعلوم أن استقلالية الأحزاب عن الدولة، أصبحت عملة نادرة في المغرب، والمراقب للساحة ولاعترافات العديد من القيادات والرموز الحزبية، يعلم جيدا كيف تتدخل السلطات وتفرض اختياراتها على الأحزاب السياسية بخصوص مجموعة من القضايا .
على مستوى العلاقة
من الأمور الأخرى المثيرة في تجربة “حزب الأمة” ودراعه الدعوي “الحركة من أجل الأمة”، هي أنهما يجدان قبولا معتبرا لدى قوى التغيير في المغرب، وخاصة (حزب النهج الديمقراطي، وجماعة العدل والإحسان، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعية الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، مما قد يشكل دعم إضافي لهذه القوى التي لا زالت مترددة في الاشتغال بشكل مشترك في الملفات التي تتفق حولها وهي كثيرة، خاصة بعد التراجع الذي يشهده المغرب على مجموعة من المستويات.
هل عاد حزب الأمة للاشتغال في الظل؟
في الوقت الذي اعتقد فيه مجموعة من المراقبين أن احتجاج الحزب والحركة معا سيزداد أكثر، وقد يتخذ أساليب جديدة ليتبلور الحزب أكثر على مستوى الساحة، كما يحدث مع تجارب أخرى وإن كانت جمعوية حيث أسست تكتلات، وفي ضغط متواصل على السلطات، نجد الحزب والحركة توارا للخلف ولم يعد المتتبع يرى أو يسمع المواقف والتصريحات القوية بخصوص منع الحزب، خاصة وأن أدبيات المشروع تعتبر أنه لا تنازل عن الحق في التنظيم والتعبير.
التواري إلى الخلف وصل إلى درجة التوقيع بأسماء شخصية، أو بصفة أستاذ جامعي أو فاعل جمعوي، أو سياسي، في الوقت الذي يوقع فيها الآخر بصفاتهم التنظيمية مما يعطي قيمة معتبرة للتوقيع.
التوقيع بالصفة التنظيمية يعني مما يعنيه، التبشير وتعريف الرأي العام بالمشروع وبالأفكار والمبادرات، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل بخصوص نظرة قيادات حزب الأمة والحركة من أجل الأمة، لهذا الامر، وهل المسألة لها علاقة بالفترة السرية التي عاشاها في إطار “حركة الاختيار الإسلامي”، أم أن للأمر علاقة أخرى تحتاج إلى توضيح.
أيضا هناك تأخر على مستوى التعبير عن المواقف بخصوص ما تحفل به الساحة سواء السياسية أو الإسلامية، فالحزب والحركة عادة ما يكونان آخر من يعبر أو يصدر بلاغات أو بيانات، كما أن رموز الحزب لا تتواصل مع الإعلام، وعادة ما يشتكي الإعلاميين من هذا الأمر، فالأمر كان مقبولا في الفترة السرية، أما وقد أعلنت عن مشروعك فمن حق الرأي العام عليك بل من واجبك توضيح مواقفك والتعبير عنها.
تجاوز المرحلة
بحسب العديد من المراقبين، فإن الحزب والحركة معا بحاجة إلى تجاوز المرحلة، التي هي أشبه بالفراغ، أو سحابة صيف من المفروض أن تكون عابرة، بعد تواجد ميداني اعتبره البعض أنه غير مألوف، وقدم بعض الإضافات التي تحتاج إلى تطوير وتجويد، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة التي تميزت المواقف منها بالاستقلالية عنها واتخاذ قرارات بعيدة عنها.
أولى الحاجات الملحة، هي إعادة فتح النوافذ الإعلامية التي سبق وأن أغلقها الحزب والحركة بشكل طرح أكثر من علامة استفهام حول دواعيها، فمن غير المعقول أن يغلق الحزب موقعه الإلكتروني، وبعده الموقع الإلكتروني للحركة، في الوقت الذي أصبح فيه التواصل أمر بديهي ومن أولويات العمل السياسي والدعوي، وما يثير الاستغراب أكثر هو ضعف تواجد المشروع على منصات التواصل الاجتماعي، وما يعرفه الجميع من أهمية في التعريف بالمشروع وبالمواقف، وما تحدثه من تفاعل مع مجمع الأحداث التي تعرفها الساحة والتي تتطلب موقفا أو توضيحا أو تفاعلا ليس فقط على مستوى الوطني بل أيضا على مستوى الجهات، وأيضا على مستوى القضايا الساخنة عربيا وإسلاميا، في زمن التيه وغياب مواقف واضحة مؤسسة مما يجري على هذه المستويات.
ثاني الحاجات، تتعلق بإعادة التنسيق الميداني مع القوى التغييرية في المغرب التي تعرف فتورا، فتواجد الحزب والحركة ضمن الجبهة الاجتماعية التي تشكلت في المدة الأخيرة أصبح ضروريا رغم الملاحظات التي يمكن أن يكون الحزب قد سجلها، خاصة بعد اقصاء جزء معتبر من الإسلامين، فقرب العديد من رموز حزب الأمة من اليسار وأيضا من جماعة العدل والإحسان، يؤهله لتقريب وجهات النظر بينهما، فالخطوة الإنفرادية التي أقدمت عليها التيارات اليسارية، بعد التنسيق “الفبرايري”، تحتاج إلى تصحيح وبعض رموز الحزب مؤهلة للعب هذا الدور التاريخي.
ثالث الحاجات الملحة، هي إعادة فتح ملف التواجد القانوني للحزب والحركة، والدفع به نحو واجهة الأحداث بالمغرب، واستعمال نوافذ الحزب الإعلامية المشار إليها للتعريف بالمظلومية، خاصة وأن مبادرة تأسست مؤخرا جمعت العديد من الإطارات الممنوعة، والالتحاق بها ستكون خطوة أولية مناسبة، في انتظار الإقدام على خطوات نوعية أكثر بالتنسيق مع باقي القوى السياسية والحقوقية منها على الخصوص.
رابع الملحات، هي تأسيس إطار حقوقي وطني، بعد فشل التجربة التي خاضها “حزب الأمة”، بعد انسحاب مناضليه بشكل غير معلن من “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان”، والمطلوب إعطاء أهمية للمجال الحقوقي وما يتيحه من فضاءات وإمكانات تواصلية وإعلامية، على مستوى المركز أو على مستوى الفرع، خاصة في ما يتعلق بإصدار تقارير دورية وسنوية، لتسليط الضوء على مجمل القضايا من وجهة نظر حقوقية بمرجعية أخرى وبجدرية أكثر مما هو موجود.