في الآونة الأخيرة أعيد إنتاج نفس  الخطاب الإعلامي والسياسي الذي برز إبان مرحلة الحراك المغربي في سنة 2011، وخلال المرحلة التي أعقبت تعيين الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة على ضوء نتائج انتخابات 25 نونبر 2011 بشكل أقوى.

هذا الخطاب تجسده مقولات من قبيل “عاش الملك” و “لا عاش النسر كيعيشو ولادوو“، وقد كان الدافع من وراء إنتاج هذا الخطاب الخاطئ وترويجه بشكل مكثف في الحقلين الإعلامي والسياسي، هو الرد على الشعارات التي كانت تردد جملة عاش الشعب وتطالب بالحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية!!

من الزاوية الحقوقية الصرفة والتي تؤمن بقيم الكونية، فكما يحق للبعض ترديد شعار عاش الملك بكل حرية للتعبير عن حب الملكية في المغرب، وهذا حق مشروع ولا خلاف حوله، يحق  للبعض الآخر  ترديد شعار “عاش الشعب” بكل حرية دون أن يكون موضوع تأويلات مغرضة تضرب الحق في التعبير في الصميم.

من هذا المنطلق أتسائل: أين يكمن التناقض والتعارض بين شعارعاش الملك وشعارعاش الشعب؟

في تقديري الشخصي المتواضع ليس هناك اي تناقض  بين من يقول عاش الملك، وبين من يقول عاش الشعب،  وبين من يقول عاش المغرب،  لأن  الأصل في الدولة هو أنها إقليم، وشعب، وسلطة سياسية.

هذه هي المكونات السوسيولوجية للدولة  حسب كل التعريفات، والتي لا يمكن القفز عليها تحت أي مبرر كان، ومن طرف أي كان لخلق تنافر وهمي بينها!

هل يمكن تصور وجود امبراطور، او ملك، او رئيس، او أمير، وهي كلها ألقاب وتسميات تحيل على الحاكم أو رأس السلطة في اي بلد، بدون وجود شعب؟ أكثر من ذلك، هل يمكن تصور نبوة وأنبياء بدون وجود امم يبعثون فيها وإليها؟

من يزعجهم شعار عاش الشعب، هم من يتعين عليهم تصحيح مفاهيمهم وتصورتاهم المغلوطة حول بنية الدولة في القرن 21،  لأن الشعوب هي  الأصل،  وهي مناط السلطة في كل التشريعات وفي كل القوانين.

لماذا كل هذا الانزعاج من شعار عاش الشعب؟ لماذا تتم شيطنة هذا الشعار وشيطنة من يرددونه في الملاعب الرياضية، أو من خلال الأغاني، أو في مواقع التواصل الاجتماعي؟ لماذا هذا الإصرار الغريب على خلق تصادم بين هذا الشعار وشعار عاش الملك؟

يوم كان بنكيران يردد جملة ” لا عاش النسر كيعيشوا ولادوا” كان عدد كبير من الحقوقيين ضد هذا الفكر، لأن الجميع كان يعي جيدا  قصد بنكيران من وراء ترديده لتلك الجملة الغارقة في التملق لشخص الملك، عوض الإجابة بكل مسؤولية على مطالب الشعب المغربي التي تغطي كل المجالات!

بنكيران غادر الحكومة وفي حوزته سيارة فاخرة ومعاش استثنائي بقيمة  سبع مليون سنتيم في الشهر، ومرافقة أمنية في بلد ظل هو نفسه يردد بأنه آمن ومستقر، و يمكن انه قد تحصل حتى على  معاش البرلمان، في الوقت الذي تعيش فيه فئات عريضة في المجتمع أوضاعا مؤلمة وتدمي القلب!!

على كل  الجهات التي تحاول خلط الاوراق لخلق تضاد وهمي بين مقولة ” عاش الشعب” ومقولة “عاش الملك” الانتباه جيدا إلى تداعيات هذا التوجه، لأن شرعية الملكية ثابتة، ولا تحتاج إلى شعارات انتهازية،  وعليها ألا تقف حاجزا امام تطورها الحتمي، وإذا  ارتكب المغاربة اي جرم في حق الملكية، او في حق شخص الملك، أو الأمراء أو العائلة الملكية، فهناك في البلاد دستور، وقوانين، ومؤسسات، ولكل مؤسسة صلاحياتها.

عوض التركيز على الزبد الذي يذهب جفاء، كما يقال، فإن المطلوب الآن  كأولوية ضاغطة،  هو احترام الدستور، واحترام القانون، واحترام الصلاحيات المخولة لكل مؤسسات البلد، في إطار فصل حقيقي للسلط.

أما الدفع في اتجاه مصادمة الملكية مع الشعب من خلال التحريض ضد مقولات يبقى ترديدها محكوما بسياقات  معينة، فهذا هو قمة العبث، وهذه أفعال لا تزكيها إلا جماعات المصالح التي تضايقها حرية الشعب في الجهر بآلامه.

اين يكمن المساس بمؤسسات الدولة وبرموزها عندما يردد شعار عاش الشعب؟  وهل تبنى الدول في الأصل  بالشعارات؟

الدول يا سادة، تبنى بالجدية، وبالتخطيط الاستراتيجي، وبالمعقولية،  وذلك من خلال صياغة نموذج تنموي ناجح، ومن خلال فصل حقيقي للسلط، ومن خلال تطوير وتجويد خدمات كل المؤسسات، ومن خلال محاربة كل الصيغ المافيوزية في تدبير الشأن العام، ومن خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن خلال احترام توجيهات الملك بوصفه رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ومن خلال احترام حقوق المواطنين وحرياتهم الدستورية، ومن خلال احترم تعهدات المملكة الدولية، ومن خلال تحسين ترتيب الدولة في مؤشر التنمية.

أما التركيز على مقولة عاش الشعب وتسويقها كما لو أنها نقيض لمقولة عاش الملك، فهذا خطأ قاتل ولا يمكن توظيفه في مشاريع سياسوية وانتخابوية مفضوحة، لأن الملكية قوية بالشعب الذي يبقى هو أساس الوطن وهو حصن الملكية السميك، ومهما حاولت النخب المفلسة توظيف مثل هذه المقولات بشكل مغرض، فإن الوطن والشعب والملكية يشكلون بنية واحدة غير قابلة للتفكك.