أوصى صندوق النقد الدولي، والتوصية عنده أمر، الحكومة ب “التوجه نحو نموذج تنموي أكثر استيعاباً للمواطنين، يكون مبنياً على القطاع الخاص، مع العمل على تقليص الفوارق الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر هشاشة”. الصندوق لا يُنوِّرً القلوب، ولا يشرح الصدور لهذه الميثولوجيا الاقتصادية المخاتلة، ولا يقول كيف الوصول إلى هذا المُرام الذي لا يختلف حوله مواطنان. والصندوق لا يقول لماذا فشل النموذج الذي وضع لبناته خبراؤه الراسخون في الخبرة، والعارفون دون سواهم بالسبل الأنجع إلى النمو المستدام، والأسرع نحو الرفاه الشامل، والذي عملت على تطبيقه، بدون تصَرُّف، حكومات حاذقة حذاقة “التلميذ النجيب”. والصندوق لا يقول إن كانت الطبيعة الانتفاعية، والطفيلية، والريعية للقطاع الخاص تسمح بالتقليص من الفوارق الاجتماعية، وإن كان من الحكمة وضعُ حماية الفئات الهشة على ذمَّة المقاولة الاحتكارية التي لا ترى، في الأغلب الأعم، أبعد من أرْنَبَةِ أرباحها. والصندوق لا يقول كيف يتم الجمع بين الضِّدَّيْن، بين الأثرة والإيثار، بين التربُّح المالي والتَّزكِّي على الفقراء، في شروط اقتصادية عمل الصندوق بلا هوادة، منذ الثمانينيات، على تحريرها مما يسميه قيود الدولة التدخلية. بعبارة، الصندوق لا يعطي الكيفية لحلحلة تربيع الدائرة، هو فقط يشترط، ثم يمضي لا يلوي على أحد. لا ينظر إلى سوء العاقبة، ولا يخشى لومة لائم، ولا يحمل أوزار ما قدَّمَتْ يداه. “يداه نَقِيَّتان، إلا أنه لسوء الحظ لا أَيْدِيَ له” (Charles Péguy).