طغى الجدل والنقاش في الآونة الأخيرة حول موضوع لغة التدريس، بالتزامن مع إحالة قانون الإطار المتعلق بإصلاح منظومة التعليم على البرلمان المغربي، بين المدافعين عن اعتماد اللغة العربية في تدريس جميع المواد بما فيها المواد العلمية والتقنية، في مقابل هناك من يطالب باعتماد اللغة الفرنسية في تدريس المواد العلمية والتقنية، ولا زالت القضية معروضة على أنظار الغرفة الأولى، ولم يتم الحسم في الصيغة النهائية لمشروع قانون الإطار للتربية والتعليم 17-51.

والملاحظ أن الاختلاف حول لغة التدريس، يقع بين النخب المثقفة والأحزاب سياسية والفعاليات المدنية والحقوقية، وهو اختلاف ذو طبيعة سياسية بخلفية إيديولوجية، وهو بعيد كل البعد عن التناول العلمي الرصين، الذي يعتمد على قراءة موضوعية للاختلالات التي تعاني منها المنظومة التعليمية، واقتراح الحلول الناجعة لإصلاحها، وهذا ما يضع كلا من طرفي القضية، في موقع التنازع والخلاف السياسي الذي يزيد من تعميق أزمة التعليم واستمرارها.

والخلاف حول لغة التدريس، لم يقع للمرة الأولى أمام اللجنة البرلمانية للتعليم والثقافة والاتصال، ولكن سبق وقوعه داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي أعد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التعليم 2015–2030، وهذا الخلاف بين أحزاب سياسية، تريد أن تبقى اللغة العربية هي لغة التدريس في جميع المواد، في حين ترى أحزاب أخرى، أن اللغة الفرنسية هي المؤهلة من الناحية الموضوعية، لكي تقوم بهذه الوظيفة، خاصة عند تدريس المواد العلمية والتقنية، وهناك شبه إجماع بين جميع المعنيين بقضية التعليم، على أن الخلاف حول لغة التدريس ذو طبيعة إيديولوجية، ومع احتدام الخلاف داخل البرلمان، تقرر أكثر من مرة تأجيل التصويت على مشروع قانون الإطار، وعقدت لجنة التعليم بالغرفة الأولى المكلفة بمناقشة مواد المشروع اجتماعا خاصا يوم الثلاثاء 2 أبريل 2019، لأجل مناقشة المشروع، لا سيما بعد حصول “توافق“  بين زعماء الأغلبية على صيغة المشروع “المعدلة“.

ورغم ذلك، لا يزال هناك انقسام داخل حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة، حول لغة التدريس المعتمدة، وهذا ما أدى مرة أخرى إلى تأجيل مناقشة مشروع قانون الإطار للتربية والتكوين بمجلس النوب، بطلب من الفريق البرلماني لحزب المصباح، وبدعم من الأغلبية، من أجل ما اعتبره تعميقا للنقاش حول هذا القانون الاستراتيجي، وجاء هذا التعديل متزامنا مع تقديم سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، لتعديلات جديدة بعد مقاطعة فريق “البيجيدي” لأشغال اجتماع اللجنة، حسب ما ذكرت بعض المصادر الصحفية.

يجب التأكيد على أن قرار تدريس المواد العلمية والتقنية، قد اتُّخذ قبل حتى أن يحال مشروع القانون الإطار على البرلمان، وأصبح النقاش حول لغة التدريس، مجرد مضيعة للوقت، حيث يبدو أن الدولة ماضية في فرض اللغة الفرنسية في تدريس العلوم، بخلاف ما نصت عليه الرؤية الاسترايجية، التي تتحدث عن الهندسة اللغوية، من خلال التناوب اللغوي والتدرج في التدريس باللغات الأجنبية، حسب تقسيم زمني، وهذا يجعلنا نعتقد أن النقاش الدائر حول لغة التدريس، هو من باب “التنويم” الإعلامي، لصرف الرأي العام عن التوجه الرسمي إعادة الاعتبار للغة الفرنسية في تدريس بعض المواد، ليس فقط العلمية والتقنية كما يظهر، وإنما مواد أخرى، لم يتم الكشف عنها في هذه المرحلة.

بعيدا عن الخطاب الهوياتي الذي يدافع من خلاله أنصار التدريس باللغة العربية من جهة، وعن الخطاب الموضوعاتي من جهة أخرى، الذي يعتمده أنصار التدريس باللغة الفرنسية، فإن اختيار لغة التدريس يبقى قرارا سياسيا، لا يعتمد لا على الإيديولوجيا ولا على النجاعة العلمية، وإنما يقوم على اعتبارات سياسية، تتحكم فيها لغة المصالح المتبادلة بين النخبة الحاكمة وشركائها وحلفائها في الداخل والخارج، وبالتالي فإن فتح النقاش حول لغة التدريس، سواء داخل البرلمان أو المجلس الأعلى للتربية والتكوين أو في وسائل الإعلام، يراد منه التدليس على الرأي العام، من خلال بعث رسالة إلى المجتمع، مفادها أن القرارات الاستراتيجية المتعلقة بإصلاح منظومة التعليم، يتم اتخاذها بطريقة حرةّ وديمقراطية تشارك فيها جميع الأطراف المعنية.