لن أتحدث هنا عن التقاعد الاستثنائي الذي حظي به رئيس الحكومة السابق، السيد عبد الاله بن كيران، لأن هذا الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التأويلات  فهو مجرد إشارة من السلطة العليا في البلاد إلى أن بن كيران تقاعد سياسيا، وأيضا هي مكافأة له على ما قدمه للسلطة منذ فبراير 2011 لحظة عبر بها إلى  بر الأمان وأنقذها من موجة الاحتجاجات العاصفة التي اجتاحت المغرب على مدى سنوات تجاوزت الخمس.

على أي حال، بن كيران قدم خدمة ونال مقابلها ما يستحق في نظر السلطة، والحقيقة أن بن كيران هو نموذج مصغر لحزب العدالة والتنمية ككل الذي أدركنا متأخرين جدا أنه جاء ليخدم السلطة ويحفظ استقرارها مستعينا على ذلك بإيديولوجيته الاسلامية ولحي أعضائه… لا أدري إن كان يصح القول أن هذا الحزب خدعنا ولكني شخصيا، وأعتقد أني  كأغلب المغاربة، كنت في البداية متعاطفا مع حزب العدالة والتنمية وأيضا متحمسا له، ليس لشيء إلا لأنه جاء بخطاب جديد يحمل بين ثناياه ما أحتاج سماعه كمغربي متدين بالفطرة، أقصد أن المرجعية الإسلامية التي ادعى الحزب أنها الأس التي انبنت عليه كل قيمه ومبادئه وأنها منطلق مشروعه السياسي، جعلني وغيري نعتقد أننا أمام حزب سيراعي فينا الله قبل كل شيء.. إلا أنه ومنذ الأيام الأولى التي تقلد فيها الحزب الحكم بدأ يتضح لنا أننا أمام أكبر مقلب تعرضنا له كمغاربة، فكل قرارات الحكومة “الاسلامية”، التي رأسها السيد بن كيران، كانت في الاتجاه المعاكس لرغبات الشعب، كانت في الاتجاه المعاكس أيضا لخطاب الحزب ومشروعه الوهمي. لتتوالى بعدها المؤشرات التي تؤكد أن هذا الحزب أبعد ما يكون عن الإيديولوجية الاسلامية وأنها مجرد واجهة حاول عبرها الحفاظ على بريقه وسط مشهد حزبي متهرئ جدا. وآخر هذه المؤشرات هي صور السيدة آمنة ماء العينين التي اختارت أن تقذف بغطاء رأسها(ولا نقول حجابا) بمجرد ما حطت بمطار باريس، لحظة قررت أن تكشف عن أسفل ساقيها وعن كتفيها وطبعا عن شعرها الذي كانت تخفيها عنا نحن المغاربة طوال هذه المدة معتقدين أنها كانت تفعل ذلك عن اقتناع ديني وعن إيمان عميق بضرورة ستر المرأة لجسدها، قبل أن نكتشف أنها كانت تفعل ذلك لتنال أصواتنا في الانتخابات، وربما أيضا لأنها  ترى أن المغاربة لا يستحقون النظر لجسدها على عكس الفرنسيين المحترمين..

طبعا من حق السيدة آمنة ماء العينين أن ترتدي ما تشاء وقتما تشاء، فقد يكون للأمر علاقة بتفاصيل وظروف نجهلها لكننا نعيب عليها محاولتها تكذيب حقيقة الصور وزعمها أنها مفبركة قبل أن تعود وتعترف، ما يعني أنها تدرك في عمقها أنها انكشفت أمام المغاربة، انكشفت كجزء من قيادة حزبية تدعي الالتزام بالإيديولوجية الاسلامية.. وهو نفس الأمر حدث مع السيد محمد يتيم لحظة التقطت له صور بفرنسا أيضا مع ممرضته التي قال أنها خطيبته.

إننا نقصد القول أن حزب العدالة والتنمية ما عاد بإمكانه التخفي خلف ايديولوجياته، وما عاد بإمكانه أيضا مخاطبة الشعب بنفس اللغة التي كانت تنمق بما هو ديني، فعلى الحزب اليوم البحث عن لغة جديدة لمخاطبة المغاربة ولا نعتقد أنه سيجد من لغة يمكنها إعادة ملأ الهوة الكبيرة التي أحدثتها تصرفات قادة الحزب، ما يعني أن الساحة السياسية أصبحت متاحة أمام حزب التجمع الوطني للأحرار الذي لن يجد منافسا حقيقيا خلال الانتخابات القادمة.