تشومسكي: ممارسات أمريكا خلقت "داعش" والسعودية مولتها
سوفي شيفاردنادز: البروفيسور نعوم تشومسكي، الأكاديمي ذوالصيت العالمي، مرحبا بك في البرنامج، إنه لمن دواعي سرورنا أن نستضيفك اليوم. نلاحظ اليوم أن العلاقات الأمريكية الروسية الحالية قد انحدرت إلى مصاف حرب باردة. فالتصريحات باتت شبيهة بما كنا نسمعه إبان الثمانينات. ما هوالسيناريوالأسوأ الذي من المحتمل إن تؤول إليه الأمور؟ هل هنالك احتمال عودة قوية للحرب الباردة؟ هل الولايات المتحدة ترغب في الحرب؟
نعوم تشومسكي: أن يتحول المشهد إلى حرب نووية سيشكل أسوأ سيناريودون شك، وسيكون مريعا. لأن كلتا الدولتين اللتين ستشكلان طرفيها ستفنيان بمخلفاتها. هذا هوالأسوأ بين الاحتمالات، وقد كان قاب قوسين من الحدوث دراماتيكيا في العديد من المرات في الماضي. ويمكن أن يقع مرة أخرى. غير أن ذلك لن يكون بسابق تخطيط، بل من قبيل الصدفة نتيجة للاحتكاكات التي تحدث، هذا ما يحدث في غالب الأحيان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحرب العالمية الأولى التي لا يفصلنا عنها سوى قرن وحيد قد اندلعت عبر سلسلة من مثل هذه التفاعلات غير المقصودة. كانت الحرب العالمية الأولى مريعة بما يكفي، غير أن نسخة حالية منها تعني نهاية الجنس البشري.
سوفي شيفاردنادز: إبان صعوده إلى سدة الحكم، تعهد أوباما على العمل من اجل النزع الكلي للسلاح النووي دوليا. والآن هناك مخططات لتخصيص تريليون دولار كنفقات على الأسلحة النووية في الثلاثين سنة المقبلة. ومع حقيقة احتكار القوى العظمى للأسلحة النووية، فلا ريب إن قوى أخرى ستسعى من جانبها لامتلاكها هي الأخرى. فهل يمكن القول أن الأنظمة غير المخصبة للنووي ستتداعى في المستقبل القريب؟
نعوم تشومسكي: بالعودة إلى الماضي، وبالضبط سنة 1955، نجد أن بيرتنارد راسل واينشتاين قاما بصياغة بيان مشترك صرحا من خلاله للجميع أن هناك خيارا حاسما لا مفر منه يتلخص في السؤال التالي: هل نريد إزالة الحرب أم إزالة الجنس البشري؟ هذان هما الخياران الموضوعان أمامكم. وقد اقتربنا بشكل مهول من تحديد خيارنا في العديد من المرات منذ ذلك الحين: فقد كنا على مشارف حرب نووية إبان أزمة الصواريخ سنة 1962، والتي وصفها عن صواب، صديق كينيدي المقرب المؤرخ آرثر شليسينجر ب’اللحظة الأكثر خطرا في التاريخ البشري’. وقد تكررت حالات مشابهة وإن لم تكن بمثل تلك الخطورة، إلا أنها أوشكت على ذلك، حيث حال التدخل الإنساني دون حرب نووية بقرار اتخذ في بضع دقائق. ليس من شيء أكيد على استمرار هذا الأمر، ولا يمكن أن نعتبره احتمالا مرجحا في كل مرة، لكن عندما تلعب مرارا لعبة من مثل هذه الشاكلة، ولوكان احتمال خطر بلوغ الكارثة ضعيف، فإنك ستخسر. والظرفية الراهنة تنذر بالخطر، إذا استحضرنا الأزمة في أوكرانيا وما يسمى بأنظمة الصواريخ الدفاعية على مشارف الحدود الروسية.
سوفي شيفاردنادز: بروفيسور ، قال وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيكل، إن الولايات المتحدة بحاجة للتعامل مع ‘ الجيش الروسي المتواجد على عتبات الناتو’. لكن كما سبق وأشرتم أنتم نفسكم إلى ذلك، فإن ‘ الخطوط الحمراء الأمريكية موضوعة بثبات على الحدود الروسية’. ماذا تفعل الخطوط الحمراء الأمريكية على الحدود الروسية؟
نعوم تشومسكي: حسنا، هذا قول يثير الاهتمام. وهوصحيح بالطبع. غير إن حدود الناتوتوسعت لتصل إلى مشارف روسيا. هذه مسألة تعود بنا إلى زمن سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990 والاتفاق الذي كان مبرما ما بين غورباتشيف والرئيس الأمريكي بوش، بوش الأول، على أن الناتولن يتوسع شبرا واحدا باتجاه الشرق، يعني باتجاه ألمانيا الشرقية. كان هذا هوالاتفاق. لكن مباشرة بعد الاتفاق قام الناتوبالتوسع نحوألمانيا الشرقية، ومن الطبيعي إن يغضب هذا الأمر غورباتشيف، غير إن الرئيس بوش وسيكريتير الدولة جيمس بيكر أخبراه أن الاتفاق لا يعدوإن يكون اتفاقا شفهيا ولم يدون منه شيء، والأمر صحيح، فالاتفاق لم يكتب منه شيء على الورق. ولم يكن من خيار أمام غورباتشيف غير قبول الأمر. وعند قدوم الرئيس كلينتون، الرئيس اللاحق، قام في بضع سنوات بتوسيع الناتوأبعد من السابق. والحال، أننا يمكن إن نتساءل حتى حول الغاية من استمرار الناتوفي الوجود. فالغاية من الناتوحسب التبرير الرسمي هوحماية أوربا الغربية من الحشود الروسية التي يمكن إن تقوم بمهاجمتها. ولا مجال لنقاش مدى مصداقية هذا التعليل، لكن وعلى كل حال ذاك هوالتعليل الرسمي. حسنا، في سنوات 1990-1991—لم يبق وجود للحشود الروسية، والخلاصة الطبيعية هي: حسنا إذن، لنقم بحل الناتو. غير إن العكس هوالذي حصل- توسع الناتو، وتغيرت مهمته، فأضحت رسميا هي التحكم في خط الأنابيب ونظام الطاقة العالميين. وهوما يعني التحكم في العالم. وبالطبع فهوقوة التدخل المسيرة من قبل الولايات المتحدة، كما تبين تجربة كوسوفووصربيا عام 1999، فقد كان الناتوقوة التدخل التي تحركها الولايات المتحدة. هذا هوالناتوالجديد وقد قام بالتوسع نحوالحدود الروسية، وهيكل على حق في القول أن روسيا على مشارف الناتو، والمسألة كما لوأن حلف وارسوقام بالتوسع نحوالمكسيك أوكندا، آنذاك سيقول الرئيس الروسي أن الولايات المتحدة على مشارف وارسو، وسيكون على حق في ذلك، إلا أن المسألة يشوبها نوع من التضليل.
سوفي شيفاردنادز: كما تعلمون، فبمشاهدة وقراءة الإعلام الأمريكي، لا يسع المرء غير الاندهاش جراء الدعوات إلى الحرب إن بهذا الشكل أوذاك. ما اقصده هنا هوالصيغ الرائجة من شاكلة ‘ الخطوط الحمراء’، ‘ما من خيارات ظلت على الطاولة’، ‘ المساعدة المسمومة’، ‘ قوات على الأرض’، وكل هذا يتم تقديمه كما لوأنه مسألة جد عادية. وهذا لا ينحصر في الصحافة وحسب، بل يمتد للمسؤولين الحكوميين أيضا. باعتباركم عالم كلام وعقل وناشط سياسي، ماذا يمكن أن تستشفوا من هذا؟ لماذا يبدوالأمريكيون على استعداد للذهاب في الحرب؟
نعوم تشومسكي: حسنا، أنا لا اعتقد أن الأمريكيين مستعدون للذهاب في الحرب، كل ما هنالك هوأن نوعا من التعهد بالتحكم في العالم حاضر وبقوة. وهومسألة طبيعية، فالولايات المتحدة قبل أي شيء، واحدة من القوى العظمى في العالم. وهذا يجد تفسيره بالعودة إلى الوراء. فالأوج التاريخي للقوة الأمريكية كان حوالي سنة 1945، وهي السنة التي كانت فيها الولايات المتحدة تستحوذ بالفعل على نصف الثروة العالمية، ومن الطبيعي جدا أن يسعى القادة الأمريكيون إلى تصميم وترتيب نظام اقتصادي تعود الفائدة منه في المقام الأول على المراكز الداخلية للسلطة، أي النظام الاقتصادي الأمريكي. فنشوء الشركات متعددة الجنسيات بدأ يتكشف إبان هذه الفترة، ووضعت مخططات تفصيلية لتخصيص كل طرف في العالم، بما سمي آنذاك، بوظيفة محددة داخل النظام العالمي. غير أن هذا بدأ في الانهيار سريعا. ويكثر الحديث اليوم حول الانحطاط الأمريكي، وهوأمر صحيح، لكن نادرا ما يتم الإقرار بان الانحطاط بدأ من الوهلة الأولى. فقد جلبت سنة 1949 معها ضربة موجعة للهيمنة العالمية للولايات المتحدة باستقلال الصين. وهناك تسمية لهذا الحدث في التاريخ الأمريكي والغربي: ‘ فقدان الصين’. تأمل فقط لوهلة في العبارة. أعني أنني يمكن أن أفقد حاسوبي، لكنني لا يمكن أن أفقد حاسوبك، صحيح؟ لا يمكن أن أفقد إلا ما هولي. والافتراض، الافتراض الضمني، هوأن الصين في ملكنا، والعالم في ملكنا. هكذا، فإن أي جزء منه (العالم) يصير مستقلا، نقول فقدان الصين، أوفقدان الهند-الصينية، أوفقدان الشرق الأوسط، وهكذا دواليك. غير أن هناك مسألة جديرة بالذكر، بالعودة إلى ملاحظتك، وهي وجود نقد لهذا الأمر في مواقع ذات هيبة كبيرة. خذ مثلا صحيفة مؤسسية ريادية في الولايات المتحدة هي صحيفة فورين بوليسي Foreign Policy، التابعة لمجلس العلاقات الخارجية، وهي صحيفة مركزية بالنسبة للمؤسسة الحاكمة. في عددها الأخير، ظهر مقال افتتاحي احتل الصفحة الأولى حمل توقيع المختص بالعلاقات الدولية، جون ميرشايمر، وكان معنونا بشيء من هذا القبيل، ” الغرب يتحمل المسؤولية في الأزمة بأوكرانيا”. هذا المقال هونقد للسياسة الأمريكية والغربية التي دفعت بالأزمة في أوكرانيا إلى درجة خلق أزمة عميقة في هذا البلد، هذه الأزمة لها عواقب وخيفة على الشؤون الجيوستراتيجية الروسية، كما أشار ميرشايمر إلى ذلك، بغض النظر عمن يمسك بزمام الأمور في روسيا، فقط استحضارا للطبيعة الجيوستراتيجية للأوضاع. ورد هذا النقد في أهم جريدة مؤسسية، وفي افتتاحيتها، مما يعني أن الأمور لا تمضي دون نقاشات نقدية، هناك البعض منها وإن يكن غير كاف، لكنه موجود.
سوفي شيفاردنادز: قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الغرب ليس باستطاعته عزل روسيا عبر المواجهة والعقوبات. ما رأيكم بذلك، هل هوعلى صواب؟
نعوم تشومسكي: ليس بمستطاع الغرب عزل روسيا لكن باستطاعته أن يسبب لها الأذى، لكن ما يرجح أن يفعله وهوما شرع بفعله – ولست الأول في الإشارة إلى هذه الفكرة، فهي جلية- هودفع روسيا باتجاه الشرق، نحونسج علاقات وطيدة مع الصين. صحيح أن هناك عداوات شتى موروثة من الماضي بين الصين وروسيا، إلا أن مصالحا مشتركة تجمعهما، والعقوبات على روسيا بالإضافة إلى الضغوط الأخرى التي تمارس عليها ترغمها على توطيد علاقاتها بالصين. فالصين هي محور منظمة شانغهاي للتعاون، التي تعد أحد الشبكات العالمية القوية، وتتخذ من الصين مقرا لها، وتضم الهند وروسيا وباكيستان بالإضافة إلى دول آسيا الوسطى ككازاخستان وتركمانستان ودولا أخرى- فهي شبكة عالمية كبيرة. والسياسات الحالية للغرب تدفع روسيا نحوالتفاعل عن قرب مع هذه الشبكة الممركزة في الصين. ولا ريب أن روسيا هي الشريك الأضعف في غمار هذه العلاقات، لهذا تقدم التنازلات، غير أن الولايات المتحدة تسير جهارا على خطى بناء نظام من القوة قد يقلص من سيطرة هذه الأخيرة على العالم. هناك مجابهة، وهي جزء من مخطط أوباما في العلاقة مع آسيا. فهناك ما يسمى الشراكة عبر المحيط الهادي، وهي معاهدة تجارية ضخمة، صممت لغرض دمج دول آسيا- ليس الصين بل الدول الآسيوية الأخرى، وأساسا بدون الصين- كاليابان والهند بالإضافة إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية كالشيلي والبرازيل وغيرهما. إنه مشروع تجاري ضخم لا نعرف عنه شيئا، لأنه يبقى طي الكتمان. هذه أمور تناقش بسرية، ثم تقدم للبرلمان للتوقيع عليها:نعم أولا تعني نعم، لا نقاش ولا خيارات. لذلك ليس هناك من شيء مؤكد. لكن يبقى هذا هوالمخطط وهونوع من التكملة الاقتصادية للمخطط العسكري في العلاقة مع آسيا، والعقوبات على روسيا تساهم في خلق اتجاه نقيض يجد مركزه في منظمة شانغهاي للتعاون، أونسخة موسعة منها ستضم روسيا، ويمكن أن تشرع في التوسع عبر أوراسيا، كامل المنطقة الأوراسية، بدءا من تركيا، تم أوربا الغربية التي تربطها علاقات وطيدة بروسيا والشرق، خصوصا ألمانيا. هذه هي الاتجاهات التي تتبدى مؤخرا، والعقوبات على روسيا جزء منها.
سوفي شيفاردنادز: بروفيسور، أرغب في التطرق قليلا إلى الأزمة في العلاقة مع داعش. فقد صرحتم أن ظهور داعش وانتشار التطرف هونتيجة طبيعية لممارسات الولايات المتحدة في العراق. لكن بروز داعش بدا وكأنه فاجأ الجميع، كيف فات المخابرات الأمريكية هذا الأمر؟
نعوم تشومسكي: أقترح أن تبحث في شبكة الانترنت عن مقالة صدرت مؤخرا بقلم غراهام فولر، وهومحلل جد مرموق لقضايا الشرق الأوسط، وقد قدم من المؤسسة الأمريكية يحمل معه تجربة طويلة في صفوف المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، كما ويحظى باحترام كبير ويعد محللا ذومعرفة واسعة. وإليك ما قاله بالحرف: ” الولايات المتحدة هي من قامت بصناعة داعش”. غير أنه يستطرد ليقول: ”لكن الولايات المتحدة بالطبع لم تخطط لصناعة داعش”، حكايات المؤامرة هذه لا أساس لها من الصحة، ما هنالك هوأن ممارسات الولايات المتحدة في المنطقة، بما فيها الغزو، قد خلقت الشروط التي نمت فيها داعش. وأعتقد أن فولر على حق في ذلك.
ما حدث هوأن الولايات المتحدة قامت أساسا بتوجيه ضربة من حديد للعراق، فور ذلك قامت القوات الأمريكية بإنشاء هيكل حكومي بخصائص علمانية، حيث قاموا بتصميم نظام ضم شكلا خاصا من المشاركة من قبل الشيعة والسنة بنسب مختلفة، لكن توجب تقسيمهم على هذا النحو. هذا، جنبا إلى جنب مع عمليات مكافحة التمرد – فقد كانت هناك بالطبع مقاومة للغزو- التي كانت وحشية ومدمرة للغاية، كل هذه العوامل اتحدت لخلق النزاعات الطائفية التي لم يعرف لها وجود من قبل. فإذا عدت بنظرك إلى العام 2000، فسوف تجد السنة والشيعة يتزاوجون فيما بينهم ويعيشون في نفس الحيز المجالي، وغالبا ما كانوا يجهلون من منهم سني ومن منهم شيعي، الأمر كما لوأنك ووجهت بسؤال حول الطائفة البروتيستانتية التي ينتمي إليها جارك، قد لا تعرف وقد لا تعير للأمر أي اهتمام. لكنك بإلقاء نظرة على بغداد بعد عشر سنوات، بل خمس سنوات فقط، ستجدها قد تمزقت إلى مناطق منفصلة، بجدار يعزل بعضها عن بعض، هناك الكثير من النزاعات الشرسة المسلحة، وغالبية الساكنة قد تشردت. وقد زاد الأمر استفحالا عما كان، وأضحت تلك النزاعات اليوم تمزق المنطقة بأكملها إربا إربا، سوريا هي أحد مظاهرها، والمواجهة الإيرانية- السعودية وجه آخر لها. من كل ما سلف خرجت داعش إلى الوجود، وفولر على حق تماما.
سوفي شيفاردنادز: لقد قمتم توا بالاستشهاد برجل تحترمونه كثيرا قال أن الولايات المتحدة هي من خلق داعش بالفعل وعن غير قصد. إذن، إذا كانت الولايات المتحدة هي التي جلبت داعش ، أولا يتوجب عليها بالأحرى إعلان الحرب عليها اليوم؟ ما أقصده هوأن الوسائل السياسية والدبلوماسية غير واردة في إيجاد حل لهذه الفوضى، كما يتجلى ذلك. إذن هل تدعمون حملات القصف التي تقودها الولايات المتحدة؟
نعوم تشومسكي: هناك أساليب للرد دبلوماسيا، وأحد الإمكانيات المعقولة هي العمل بتوافق مع القانون. فهناك سلطة القانون الدولي، هذا من الناحية المبدئية، وهويمنع استعمال القوة أوالتهديد باستعمالها إلا في حالة وجود ترخيص من لدن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يتوجب على كل دولة تحترم القانون أن تتوجه إلى مجلس الأمن وتدعوه إلى صياغة تصريح بوجود تهديد للسلام وتطالبه بترتيب رد مباشر على التهديد. وبالإمكان فعل ذلك. آنذاك، يمكن للولايات المتحدة أن تشارك فيه، كما يمكن لإيران كذلك. تذكر ما صدر عن وزارة الخارجية العراقية. إنهم يرغبون في انخراط إيران، فهي تعد قوة عسكرية رئيسية. فلوأن إيران تدخلت فربما لكانت قد مسحت داعش في وقت وجيز. غير أن التحالف الذي تديره الولايات المتحدة، القائم على خرق القانون الدولي الأساسي، يستبعد إيران كما يستبعد حزب العمال الكردستاني (PKK)وفروعه- والذين علا ما يبدوهم من يقومون بالقتال في الميدان- والذي تعتبره الولايات المتحدة مجموعة إرهابية، لأن تركيا، الحليف المقرب لها، يناهضه. كما أن السعودية التي تعد بدورها حليفا مركزيا للولايات المتحدة، كانت ولازالت منبع التمويل، المنبع الرئيسي لتمويل داعش، بل والمنبع الإيديولوجي في الوقت نفسه. إنها السلفية الوهابية المتطرفة، وهي مذهب إسلامي راديكالي، وتشكل أحد المجموعات الإسلامية المتطرفة في المملكة العربية السعودية، وأحد أشكال هذه المجموعات هوداعش. لذا، فإن هذا التحالف لا معنى له، بالإضافة إلى انتفاء الشرعية عنه. هناك العديد من السبل للتعامل مع المشكل، أوعلى الأقل مقاربته على نحوشرعي، والتي يمكن أن تكون فعالة.
سوفي شيفاردنادز: سؤالي الأخير يتناول موضوعا مختلفا: يقوم مكتب التحقيقات الفدرالي بالتحري حول ما يبدوأنه إدوارد سنودن ثان، إلا أن ما كشفه فاضحوالفساد، من قبل، عجز عن إحداث أي رأب حقيقي في النظام. فلماذا يمكن أن يشكل الحدث الأخير استثناء؟ فالكلام حول تجسس وكالة الأمن القومي (و.ا.ق.) لا يوقف تجسس هذه الوكالة.
نعوم تشومسكي: ذلك لن يوقف تجسس و.ا.ق. ، ولن يوقف أعمال التجسس التي تقوم بها بريطانيا وفرنسا ولا أية دولة أخرى، وأنا متأكد من أن روسيا تقوم بها هي أيضا. فالدول شديدة المقاومة للتدخل في نطاق سلطاتها. صحيح أن نظام و.ا.ق. واسع الانتشار في الولايات المتحدة، لأنها قطعا الدولة الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية، لكن هناك نسخا منه في الصين وبريطانيا وروسيا ولا ريب في دول أخرى. وبالفعل، أنت على حق في القول أنه لم يتوقف، بل على العكس من ذلك، إنه ينتشر أكثر. وهويعد اعتداء حقيقيا على حقوق الإنسان. والخطر الحقيقي هوأن يتحول إلى مصاف الأشياء المقبولة على نحوسلبي، نتيجة لعدم القدرة على وضع حد له، وسيستمر ويستمر إلى الدرجة التي تظهر فيها عدسات دقيقة جدا، بحجم الذبابة، يسهل تثبيتها على سقف غرفتك، تتنصت على أحاديثك وترسلها إلى مكتب الحكومة المركزي. فليس من حدود لذلك. وحتى في الوقت الحالي، إذا كنت تملك هاتفا خلويا وإن لم يكن مشغلا، فبالإمكان تعقبك عبر نظام و.ا.ق. وتكنولوجيات أخرى.
لذا يعد هذا تطورا في غاية الخطورة حقا، وقد قدم سنودن مساهمة مهمة عبر فضحه، إلا أن هناك طريقا طويلا لازال بانتظارنا. الأمر يتطلب ردة فعل من المواطنين لوضع حد لهذه الممارسة.
سوفي شيفاردنادز: بروفيسور تشومسكي، شكرا جزيلا على المقابلة. كنا في حديث مع الأكاديمي ذوالشهرة العالمية، عالم اللسانيات الأمريكي، المفكر والناشط نعوم تشومسكي. وكنا في حديث حول ما تحمله جعبة العلاقات الأمريكية-الروسية، وأيضا حول أزمة داعش، وفيما إذا كان كشف الفضيحة الأخير سيسلك طريقا مختلفا عما حدث مع إدوارد سنودن. شكرا جزيلا على المقابلة. هكذا تنتهي هذه النسخة من Sophie&Co ، إلى اللقاء في الحلقة القادمة.