أوراق الجبلي.. تفاصيل وأسرار حصرية من التاريخ السياسي المغربي "المظلم"
مذكرات مولاي عبد السلام الجبلي « أوراق من ساحة المقاومة المغربية »، رواية لمناضل قيادي في جيش التحرير، عاش وساهم أو على الأقل كان شاهدا، على كثير من تفاصيل تاريخ الحركة الوطنية وجيش التحرير، بحيث تجد الكثير من المعطيات في هذه الشهادة التي ينقلها بشكل مباشر من أحد الأطراف الفاعلة فيها. وبذلك يقدم الجبلي شهادات غير مسبوقة من التاريخ « الأسود » بالمؤامرات والاغتيالات المتبادلة بين أطراف الحركة الوطنية والدولة.
اغتيال عباس المسعدي
كان محمد الناصري الطويل المشهور، حركيا، بعباس المسعدي عضوا في المقاومة المسلحة، ثم فر إلى الشمال من مضايقات سلطات الحماية الفرنسية؛ ولما فكرت عناصر التنظيم في إنشاء جيش التحرير بعثوا ببعض الأشخاص إلى مصر ليتلقوا تدريبهم هناك، ومن بينهم عباس المسعدي الذي قضى في مصر بعض الوقت بين سنتي 1955و1956، ثم عاد إلى المغرب ليتحمل مسؤولية داخل جيش التحرير؛ عاد متأثرا بأفكار ما سماه المصريون “الضباط الأحرار“ بزعامة جمال عبد الناصر، والتي انبنت على فكرة تنحية التنظيمات الحزبية، وتنحية الأنظمة الملكية.
بدأ يدعو إلى هذه الأفكار ويُشيعُها، وخاصة فكرة تنحية الأحزاب السياسية، فيما كان يدعو خلسة، وبنوع من الحذر الشديد، إلى فكرة تنحية النظام الملكي، ربما لكونه أدرك مكانة الملك محمد الخامس في قلوب المغاربة.
تغاضى النظام الملكي، في أول الأمر، عن دعوة المسعدي إلى تنحية الأحزاب لما كان بينه وبين بعضها من توتر وخلاف، غير أن هذه الدعوة خلقت نقاشا ساخنا في الأوساط السياسية داخل الحكومة المغربية.
بدا لي ذلك جليا حين شاركتُ في اجتماع، في دار المحجوبي أحرضان، مع قيادة المقاومة وجيش التحرير؛ إذ لما أثيرت قضية عباس المسعدي بدأت أفواه الحضور تحكي، وبغصة في حلوقها، عن معاداته للأحزاب السياسية وللنظام الملكي في المغرب. وبمجرد ما انتهى الاجتماع سألتُ الدكتور الخطيب رئيس جيش التحرير عن رأيه في الشخص، وفي ما نُسب إليه، فأجابني متوترا:
– أقول لك الحق وبصراحة: هذاك ولد الحرام، ولا توجد أي إمكانية للتفاوض معه، ولا يُنتظَر منه أن يتراجع عن معاداته للنظام الملكي، لأن الذي يهمه ليست هي الأحزاب وإنما هو النظام، ولذلك لا يوجد أي حَلٍّ معه سوى تصفيتِه.
إرهاصات الانشقاق عن “الإستقلال”
بدأت المعارضة ضد قادة حزب الاستقلال تكتسي طابعَ الحِدَّةِ، وشملت مناطق متعددة من المغرب. أحس الجميع بأن المعارضةَ قد تقوَّت، وباتت تتمتَّع بِمَدٍّ جماهيري قويٍّ.
وقع الاتصال بالمهدي بنبركة، وبالفقيه البصري، فيما لم يَنْضَمَّ إلينا عبد الله إبراهيم، لأنه كان يزاول مهامَّه، في الحكومة، التي انخرط فيها بصفة لا مُنتم. برغم ذلك كنا نتذاكر معه، في قضية تأسيس الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، فقررنا عقدَ المؤتمر التأسيسي لأجل ذلك.
كان كلُّ إقليمٍ يعقِد مؤتمرَه، ويسمِّيه جامعةً متحدةً. وفي الأخير عُقِدَ المؤتمر التأسيسي للجامعات المتحدة لحزب الاستقلال.
حرصنا على أن نضيف اسم حزبَ الاستقلال إلى هذه الجامعات المتحدة، إيماناً منّا بصيرورة العمل النضالي، ولأن الحزبَ تفرَّد بماضٍ مُشرقٍ إبَّانَ نضال المغاربة ضد المستعمر، وله حُظوةٌ خاصَّةٌ لَدى الرأي العامِّ المغربي.
وكان أَنِ استنكرَ علال الفاسي مبادرةَ تأسيس “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال“؛ ولم يَكْتَفِ، في استنكارِه، بالتَّلفُّظ بعباراتٍ غيرِ لائقةٍ، وإنَّما بدأ يعقِد اجتماعاتٍ يوميةٍ، في مقر الحزب بالرباط، يُصدر من خلالها، بلاغات لطرد العناصر التي أصبحت تنتمي إلى الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، وخصوصا منهمُ الأعضاءُ المؤسِّسون. تضمَّن بلاغُه الأول (رقم1) طردَه للمهدي بنبركة. وتتالت بلاغاتُه بطردِه للأعضاء المنفصلين عن الحزب، والمؤسسين للجامعات المتحدة.
أثارت هذه الردود المُرتَجَلَةُ سُخريَّةَ الناس من بَلاَغَاتِه.
تحول المهدي بن بركة
تبين أن المهدي بنبركة، وبحكم تجربته، وافتضاح أمرِ البصري أمام عينيه، واطِّلاعه، أخيراً، على القيام الفِعلي للحركة بعمل تآمُريٍّ ضد النِّظام، ووعيه بتوجُّه كُلِّ ذلك في غير صالح البلاد قرَّر أن يتنحَّى عن توجُّه هذه الحركة، التي قادها البصري.
علمتُ أن شخصا مكلفا من لدن القصر قد تكفل بالاتصال بالمهدي، في محاولة للتقريب بين وجهات نظر السياسيين والقصر، والبحث عن حلول لامتصاص غضب الشعب المغربي.
كان السياسيون قد استبشروا خيرا بهذه الخطوة، لكن هذه المفاوضات أدت إلى التآمر على المهدي؛ ولما بلغ التآمر ذروته، وأتتهم الفرصة السانحة استغلوها، وقرروا تصفيته.
اتضح فيما بعد أن جهات كثيرة كانت مسؤولة عن هذه التصفية: فهناك الامريكيون، وهناك إسرائيل، وجهاز الأمن الفرنسي بحيث يمكن القول إنها كانت تصفية دولية. وكان لهذه القضية مبرر، لأن دعوة هذا المناضل إلى عقد اجتماع سماه مؤتمر القارات الثلاث كان قد أثار غضب المتآمرين. كان يحاول تنظيم قوة سياسية لخلق توازن في السياسة الدولية، وكان يعتبر أن هذه القوة السياسية هي الكفيلة بحماية الشعوب المستضعفة، وتحريرها.
حاول بنبركة أن يبلور كل هذه العناصر في هذا المؤتمر. لهذا كان الأمريكيون يرون في هذا التوجه خطرا عليهم، نظرا لسيطرتهم على دول أمريكا اللاتينية، ولأنهم رأوا في هذا الطموح ما يهدد مصالحهم. كان يشحذ الآراء بحملات من خلال تدخلاته في المؤتمرات بالخارج، وكان يندد كذلك بالكيان الإسرائيلي. هذه مبررات خولت للنظام المغربي مسوغا ليعتبرَها فرصة لم يضيعها لتصفية عنصر يعتبره منافسا له، بل أوهم الرأي العام بأن بنبركة يسعى لاحتلال مركز أساس في المملكة المغربية، أو أنه سيكون بديلا للحسن الثاني. هكذا تعامل النظام مع قضية المهدي بنبركة، حتى أبداه للمغاربة المرشح الأوفر والأكثر حظا للحلول محل الملك في حالة ما إذا وقع تغيير في نظام المغرب. ولذا اكتسبت مسألة تصفيته نوعا من الشرعية، وإن كانت مزيفة.
وكذلك كانت التصفية الجسدية.
المذبوح وتنسيق الانقلاب مع الفقيه
عاد الفقيه البصري إلى المغرب، مُؤْمِناً، ومصمِّماً على الانقلاب. فشرعوا يبحثون عن كيفية الاتصال بهذيْن العُنصريْن: دَانْييل وقَنُّوط. وفكَّروا في إرسالي إلى سوريا لأتَّصِل بهما، وأخضعَ للتَّدريب معهُما.
وكان أن زارني عبد الرحمان اليوسفي، الذي أَلِفَ أن يَحُلَّ بالجزائر، باستمرار، وكانت علاقتُه وطيدةً مع بَنْبَلَّة، لأنه كان يُدافع عنه عندما كان معتقلاً بصفته محاميا. زارني، واقترح عَلَيَّ أن أذهبَ لأتدرَّب تحت إشراف دَانْييل، وقَنُّوطْ، فرفضتُ. في هذا الوقت اتَّصلوا ب “المَذْبُوحْ“، الذي كان يَشْغَلُ مديرَ الضُّبَّاط المرافقين للحسن الثَّاني، وكان يعرف تفاصيلَ القصر، وكيف يتنقَّل الحسنُ الثاني داخلَه. لأنَّ دَانْييل وقَنُّوط طَلَبَا منهم أن يُعطوهُما معلوماتٍ عن القصر وعن تحرُّكات الملك فيه.
اتَّصلوا بالمذبوح عن طريق مولاي مصطفى بنِ الفقيه بْنِ العربي العلوي. لم يَكُنِ المذبوحُ راضيا عن أسلوب الملك، في تدبيره للحكم، ولا عن تصرُّفاته، لذلك زوَّد الحركةَ بتصميمٍ مُدَقَّقٍ عن القصر، وبتفاصيل عن تحرُّكات الملك فيه.
كانت لدانييل علاقةٌ بالخطيب، فطلب من هذا الأخير أن يلتحق به، في جُنيف، لأن هناك أموراً خطيرةً تُحاكُ ضِدَّ النِّظام، في المغرب.
رحل الخطيبُ إلى جُنيف، رُفقةَ “أُوفْقِيرْ“، فاتَّصلا بدَانْيِيلْ، الذي فرض عليهما شروطاً، مقابل تزويدهما بمعلوماتٍ خطيرةٍ يتوفَّر عليها، ولا يمكنُه تسليمَها إليهما إلاَّ بحصوله على مُقابلٍ ماليٍّ كبيرٍ. فأخبروا، للتَّوِّ، الحسنَ الثاني فوافق، وبذلك زوَّدَهم “دانييل“ بمعلومات عن الفقيه، وعن عبد الرحمان اليوسفي، وعن جماعة المعارضين، الَّذين كانوا يُهيِّئُون لتنظيم انقلابٍ ضِدَّ الحسن الثاني.
تصادف كل هذا مع قضية سلاح القنيطرة. فلما ذهب سعيد بُونْعِيلاَتْ، وآخرون لاستلامه، بعد توفُّر الأموال، التي كان للمهدي بَنْبَرْكَة مُساهمةٌ مهمَّةٌ في توفيرها تَمكَّنت السُّلطاتُ المغربية مِنِ اعتقالِ الديوري، وسعيد بُونْعِيلاَتْ، واكتُشف أمرُ التَّخطيط للقيام بعمليَّة الانقلاب.
الفقيه البصري والثورة
بدأ محمد البصري يفكِّر في تكوين قيادةٍ للثَّورة، مكوَّنةٍ من عناصر كنت أعرف مستوى تكوينهم، ومدى استعدادهم، اللَّذَيْن لم يكونا ليُؤهِّلاهم للقيام بهذا النوع من العمل المسلَّح؛ ومن بين أعضاء هذه المجموعة بُونْعِيلاَتْ، وبَنْحَمُّو المسِّيوي، وشيخ العرب، وعبد الفتاح سبَّاطة، ومحمَّد باهي، وآخرون… استقطب هؤلاء لصفِّه، وأبعَدَهُم عني حتى لا أؤثِّر فيهم بآرائي، بعد أن أَبْلَغَهُم أنَّني أصدرتُ، في حقِّهم، حُكماً يُنْقِصُ من كفاءاتهم.
أمَّا الجزائريون فقد استمرُّوا، في مساعدته، خصوصا عندما علِموا بأنَّه كان عضواً، في حركة المقاومة المغربية، وواحداً من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. نسَّقوا معه، على هذا الأساس، وبدؤوا في تكوين العصابات التي ستخلق مناوشات وفوضى للحسن الثاني، لإضعاف نفوذه.
سلك الفقيه هذا الاتجاه، ووافقَه عليه بنسعيد. وحرصا معا على عقد اجتماع اللجنة الثورية، دون علمي، محاوليْن ما أمكن ألا أَطَّلِعَ على ذلك. وفي ليلة الاجتماع، هاتَفَني عنصرٌ من عناصرهم، وأخبرني بأنَّ الفقيه يحصي أعضاءَ القيادة، ومن بينهم بنسعيد، الذي كان يُشرف على أمانة المال، ويتدبَّر ما كنا نتوصَّل به من مساعدات مالية من لدن الحكومة الجزائرية، كنتُ أوَّلَ من سعى إلى تلقِّيها، مباشرةً، من الرئيس احمد بنبلة. كانت لوائح هؤلاء العازمين على المشاركة في الانقلاب بين يدي بنسعيد، وكان بعضهم من نواحي مراكش، من أمزميز، وتاحناوت. أَخَذَهَا البصري منه، كما سحب منه الأموالَ، لأنَّه كان يعتقد أنَّني كنت أُؤَثِّرُ عليه.
على أي حالٍ، كنتُ أحاول إقناعَ أَيِّ شخصٍ برأيي، ولم أكن أُلْزِمُ أحداً بالتشبُّث به.
لما شعر بنسعيد بأنَّ الفقيهَ أخذ منه كلَّ شيء: اللوائح، والإمكانيات المادية تأثَّر كثيراً، وامتعض من هذا التَّصرُّف؛ وبعد ثلاثة أيام زارني، في العاصمة الجزائرية، وكان يعتقد أنَّني لم أكن أعلمُ بتحرُّكات البصري. فأخبرتُه أنَّني كنتُ على علمٍ باجتماع اللجنة، وبما دار فيها من دون إشراكي، وهذا أمرٌ مقصودٌ من لدن البصري، الذي لا أُحبِّذُ طريقةَ اشتغالِه على الإطلاق.
التعامل مع مؤامرة 1963
بعد الكشف عن عملية الانقلاب ضد الحسن الثاني وقعت اعتقالاتٌ في صفوف الاتِّحاد الوطني للقوات الشعبية. كان بَنْبَرْكَة، أيضاً، خارج المغرب، ثم قدِم إلى الجزائر، فالتقينا لنتدارسَ كيفيةَ مواجهة هذه المشاكل، وكيف نقدِّم هذه الأحداث للمنتَظَم الدَّولي.
حصل الاتِّفاقُ على تقديمها على أنَّها مؤامرةً من لدن الحكم، لتبرير قيامه بتصفيَّة عناصر في المُعارضة المغربية.
تم التَّركيزُ على شراسة التعذيب، الَّذي تعرَّض إليه الفقيه البصري، نظراً للمعلومات التي اسْتَقَوْهَا من الضَّابط السُّوري “دَانْيِيلْ“، الذي أكَّد لهم أَنَّ الفقيهَ هو العقلُ المدبِّرُ.
اعترف الفقيهُ البصري بتفاصيل هذه العملية، وبتورُّط المذبوح فيها، لأنَّه لم يستطعِ الصُّمودَ أمام شراسة التَّعذيب. وكانوا قد سجَّلوا هذا الاعترافَ، وأضافوه إلى ذِكرِهم لِمَكْرِ النِّظام، وتلوُّناته، وأذاعوه على الأثير للتَّشهير به، ولتحطيم المعارضة المتمثِّلة في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
كنت قَدِ استمعتُ إلى هذا التَّسجيل، وسجَّلتُه، في الجزائر، خلال إذاعته في أحد برامج إذاعة المغرب. كانت هذه الاعترافاتُ ضربةً قاسيَّةً بالنسبة إلى المعارضة. برغم ذلك، بقينا متتبِّعين للمحاكمةَ، ولم نُوقِفِ النَّشاطَ، الذي كنَّا نقوم به مع الجزائريِّين، خصوصاً مع مجموعة اليسار، والحركات التَّقدُّميَّة، وعلى رأسها الأستاذ محمَّد حَرْبِي، مدير جريدة الثَّورة. وكنَّا نعتبرُ أَنَّ هذا هو الطريقُ الصَّحيحُ لحلِّ مشاكل المغرب.
لذلك نسَّقنا، في ميدان الدِّعاية.
محاولة اغتيال الحسن الثاني
في هذه الأثناء بدأت عملياتُ الاعتقال؛ وبرَغم أَنَّ بنسعيد آيت إِيدَّرْ كان موجوداً، آنذاك، في المغرب، ولم يُعتقل، فقد قرَّرَ القيامَ بعملٍ ضِدَّ الحسن الثاني، رِدَّةَ فعلٍ من لدنهُ. بعث لي بمبعوث عنه هو الأطلسي يُطلعُني على عزمه اغتيالَ الحسن الثاني، فرفضتُ ما نوى أن يُقْدِمَ عليه، لأنني لم أكن متَّفقاً على أَيِّ عملٍ من هذا النوع، ولأنَّ الظروفَ لم تكن ملائمةً. وكنتُ أُدركُ بأنَّ ذلك من شأنه أن يُعطي تبريراتٍ قويةٍ للنِّظام كي يقمعَ، ويُصَفِّي كلَّ العناصر، التي لها تطلُّعات إلى المستقبل.
ولأجل ذلك أرسلتُ إليه مَنْ يُقنعُه بضرورة مغادرة المغرب. بقي بنسعيد مصمِّماً على عدم مغادرة المغرب، واستمرَّ في البحث عن طريقةٍ لتصفيَّة الحسن الثاني. ولكي يُقنعَني بما كان يُهيِّيءُ له بعث إليَّ رسالةً يُخبرني، بواسطتها، بأن الظُّروفَ، في المغرب، قد أصبحت مُهيَّأةً، وأنَّ المغاربة مستعدُّون، ومُسْتَنْفَرون، وأنَّ المغرب بات بمثابة برميلِ بارودٍ يَسْهُل تفجيرُه.
هذه أشياءٌ لم أكن مقتنعاً بها تماماً؛ ولذا قلتُ لمن كنتُ أجتمعُ بهم: هكذا اتَّخذتُ موقفاً مضادّاً للثورة.
ولما لاحظتُ أنَّ الأمرَ قد وصل إلى هذا الحَدِّ، قرَّرتُ الانسحاب من المسؤولية، التي كنت أتحمَّلُها، في الجزائر، عنصراً يعبِّر عن الحركة السياسية المغربية، وينسِّق بين السياسيِّين، في المغرب والجزائر.. فكان أن غضب منِّي بَنْبَلَّة، وقال لهم:
– “جبلي“ ديالكم، بحالوا بحال “امْصَالِي الحاج“ دْيَالْنَا.
تورط مصر في قضية الحدود
اتَّصل احمد بنبلَّة بعزَّت سليمان؛ ممثِّل الجمهورية العربية المتَّحدة، في الجزائر، كان يقوم بالتَّنسيق بين الجزائر ومصر، ولاسيما في مجال حرب الحدود، وكان ضابطاً كبيراً.
استدعاني “عِزَّتْ سليمان“ إلى السفارة المصرية، في الجزائر، وطرح معي مشكلَ الحدود، وطلب رأيي في الموضوع، فأكَّدتُ له ضرورةَ ألا تتدخَّلَ مصرُ، في هذا المشكل بين المغرب والجزائر، وألا تَنْتَصِبَ بين دولتيْن عربيَّتيْن دولةٌ عربيةٌ مناصرة لهذه أو لتلك. ثم إِنَّ الوضعَ، في المغرب، غيرُ مُستقرٍّ، وسيعزِّزُ النظامَ في حرب الحدود، وسيخلقُ عداوةً بين الشعبين. ولَمَّا لم يقتنع برأْيي قال لي:
– هذا رأيٌ خاصٌّ بِكَ أنتَ، لأن المغاربةَ كلُّهم يُخالفونَكَ، ويساندون الجزائر.