توفي يوم الثلاثاء 14 يونيو، بمدينة طنجة، الصحافي المغربي علي الأزرق، واحد من أشهر الصحافيين المغاربة في هولندا التي قضى فيها معظم حياته كصحفي إذاعي بالقسم العربي بالإذاعة الهولندية. واشتهر ببرنامجه الإذاعي باللهجة المغربية الموجه إلى الجالية المغربية في هولندا. وفي بداية الألفية اختاره الحزب الاشتراكي الهولندي ليصبح ثاني مغربي يدخل إلى البرلمان الهولندي. 

قبل سنوات، عاد علي الأزرق إلى المغرب، وساهم في إطلاق إذاعة “كاب راديو” بمدينة طنجة ناقلا لها خبرته الإذاعية الطويلة في هولندا. وقبل سنتين أصيب بمرض السرطان الخبيث وظل يصارع المرض في صمت إلى وافته المنية على أرض بلاده التي أحبها بلاحدود.

وعلي الأزرق متحدر من منطقة الريف، عرف بمواقفه المناهضة لنظام الملك الراحل الحسن الثاني، وظل على نفس مبادئه إلى أن وافته المنية، وهو أب لثلاثة أبناء من شركة حياته الهولندية، وهي زميلة صحافية تعرف عليها بإذاعة هولندا. إسمها يوديت نورين، وهي صاحبة هذا المقال الذي ترتيه فيه: 

… … …

كانت لحظة حاسمة في حياته، لما كان علي الأزرق راجعا إلى هولندا من زيارة لبلده الأصلي بعد غياب لسنوات، بمطار الدار البيضاء تم إلقاء القبض عليه.

كان الملك الحسن الثاني لا زال في السلطة، رأت مصلحة الأمن السرية ضرورة أن يتم استنطاق صحفي يقدم برنامجا إذاعيا للمغاربة بهولندا.

“كنت سعيدا بأنك وضعت تلك البذلة الدافئة بحقيبتي” وهو ما قاله لي لاحقا.  في الوقت الذي تم فيه إخبار وزارة الخارجية بلاهاي من طرف مؤسسة الإذاعة الهولندية التي كان يشتغل بها عن فقدانه، والتي قامت بتقديم شكوى لدى الرباط.  قضى أياما باردة بالزنزانة وهو يتعرض للاستنطاق والتهديد والتخويف. منحت له وعود بإطلاق سراحه شريطة أن يعدهم بالاشتغال معهم.

كانت السيادة آنذاك لجمعيات الوداديات التي كانت تخبر الرباط على أنشطة الجالية الغربية بالخارج. لقد احتقرهم علي الأزرق وكان يرد عليهم بغرفة الاستنطاق فقط بالمسائل العامة والمعروفة لدى العامة.

بفضل مجهودات أصدقائه وكذا مؤسسة الإذاعة الهولندية تمكن من الوصول إلى مطار شخيبهول وكان جد غاضب. لو كان أحدا مكانه لانتابه الخوف. لكن بالنسبة له كان الاختطاف يعني المزيد من الدفاع عن التغييرات بالمغرب.

تربيته كابن وحيد لأب فقيه تبعده عن المجال النضالي. خلال تواجده بالخدمة العسكرية رفض الامتثال لأوامر أصحاب الرتب العسكرية وتعرض للعقوبة الحبسية وهذا ما طبع شخصيته.

بمجرد إطلاق سراحه قرر مغادرة بلده بأقرب سرعة ممكنة. تم اختياره من طرف فريق هولندي بالمغرب قصد الاشتغال بشركة صنع السياراتDaf . كان يشتغل نهارا ويتعلم اللغة الهولندية مساء ويقوم خلال أيام الراحة بزيارة القادمين الجدد.

زواجه مع امرأة هولندية وإنجابه لثلاث أبناء سهل عليه مهمة الاشتغال بمؤسسة الإذاعة الهولندية ببرنامج يبث للأجانب خلال نهاية عطلة الأسبوع ليصبح البرنامج الإذاعي يبث يوميا. ” رسالة المسافر” كانت تسمع لعدد كثير من الأسر المغربية بهولندا.

تعرفنا على بعضنا حين كنت أذيع الأخبار بالهولندية وتتم ترجمتها.

لعب البرنامج الإذاعي دورا هاما في تحرر المغاربة بهولندا. كان يقدم أخبارا عالمية وأخبارا تتعلق بالجالية المغربية، ويمنح الكلمة للمستمع وتتم معالجة مواضيع ذات علاقة بالمجتمع المغربي. على الأزرق كان يبث مواضيع أيضا تدخل في الطابوهات والمحرمات كالمثلية الجنسية، الهدر المدرسي للبنات، التطرف، العنصرية، الجنس، الأمراض الجنسية والتي تعد بمواضيع غير صالحة للأطفال ويقوم “سيدي علي”  بتحذير الأسر بذلك مسبقا.

كان البرنامج الإذاعي ينفر من البث باللغة العربية الفصحى كما تفعل الإذاعات الأخرى مثل “الجزيرة” وكان البرنامج يطمح إلى تزويد الجالية المغربية بالمعلومات وتزويدها بوسائل اتخاذ الاختيارات الشخصية.

استعمال اللغة العامية المغربية بالبرنامج الإذاعي كان ثوريا. اختار علي الأزرق اللجوء إلى استعمال الدارجة المغربية والأمازيغية وكان بهذا يصل إلى أغلبية الجالية المغربية التي لا تتقن اللغة العرية الفصحى.

بالتدريج بدأ الأزرق يلعب دورا في النقاش الدائر بهولندا حول الأجانب والاندماج. هذا ليس لكونه يرغب في الانخراط بهذا النقاش بل كان رد فعل على مجموعة من التطورات التي اتخذت مسارا غير صحيح.  فالإقرار بأن الاندماج والمعتقد أصبحا مصدر الحلول أصبح أمر لا يعتقده.

عمد إلى استبعاد أبنائه من التعليم الذي يخص اللغة الأصلية الذي يقدم للأجانب بالمدارس للأطفال الأجانب والقائم على أساس أن الأطفال يمكن لهم تعلم اللغات الأخرى بشكل جيد انطلاقا من لغتهم الأصلية. أبنائه كانوا هولنديين ويجب عليهم التركيز على اللغة الهولندية لكون مستقبلهم مرهونا بهولندا. كانت النتيجة صائبة: أبنائه الثلاثة توصلوا إلى ذلك وبنجاح.

بالنسبة للأطفال المغاربة كانت اللغة الهولندية لغة جديدة لهم حيث يتلقون دروسا بالعربية وبالمنزل كانوا يتحدثون الأمازيغية. كمنتقد لسياسة الاندماج التي حسب رأيه ترمي أكثر نحو الانصهار، كان يكره الطريقة التي يتم فيها الفصل بين الأصل والدين وكان يرى بأسى عميق كيفية تنامي العنصرية والتمييز العنصري. كان معارضا لمفاهيم مثل المجتمع المتعدد الثقافات والعلاقات الثقافية الثنائية وما يحمل ذلك من اكليشيهات ورفض هذا أيضا في علاقتنا وداخل مجموعة أصدقائنا المختلطين.

وأخيرا أدى تنامي دوره في الإعلام إلى اتصال الجزب الاشتراكي بعلي الأزرق من أجل مكان له بلائحة الانتخابات. تردد علي الأزرق طويلا وخلال وجبة عشاء مع العضوة البرلمانية السيدة أخنيس وزوجها والتي وعدته بإيجاد حل للقضية المالية – علي الأزرق كان واضحا بهذا الصدد: طالب بنفش الأجرة التي كان يتقاضاها بالمؤسسة الإذاعية الهولندية وذلك بسبب الرهن العقاري والسيارة.

كان الأمر  فاشلا. لقد أثر هذا على طلاقنا. لم يكن برجل هين، كانت تربيته الذكورية تمنح له الاعتقاد في الحق في كل شيئ. إلا أنه لم يكن سعيدا في مهنة العضو البرلماني التي وجد أنه لم يمنح فيها الفرصة التي كان يرغب فيها. إلى جانب الصراع الذي اندلع سريعا حول أجرته لم تمنح له بالتالي إمكانية تحقيق الهدف الذي أراد تحقيقه بالبرلمان: وهو الحديث عن تنفيذ سياسة الاندماج. قام الحزب الاشتراكي بإخراج الصراع الأولي خارج الحزب، ووصفه بالجشع، بالتالي لم يمنح له أي دور جوهري.

بسبب الأصوات التفضيلية التي حصل عليها من طرف مستمعيه الأوفياء وجد نفسه مجبرا بالبقاء بغرفة البرلمان، لكنه داخل فريقه الأحادي لم يجد فريقا يتصارع معه. وحين فكر في مشروع بشأن سياسة الاندماج – وفق وضعية الأجانب مقارنة مع مجموعة من الدول – تبين بأن فريقه الأحادي لا يمتلك ميزانية لذلك. قليلا من يعرف بأنه كان عليه ولسنوات استرجاع ورد أموال الغرفة البرلمانية.

بعد مغادرته البرلمان رجع مجددا وسريعا إلى مجال الإعلام. أصبح يساعد بمدينة طنجة إنشاء محطة إذاعية، قدم فيها تجربته الهولندية من أجل جيل جديد. برنامجه الإذاعي بهولندا توقف بسبب التقشف المالي بسبب ظهور الفضائيات العربية…

هولندا، البلد الذي اختاره ثم أساء له وسحقه واقتلعه ولم يقض فيه أشهره الأخيرة، فبسبب تدهور صحته قرر الموت بالمغرب.  بالنسبة لأنصاره الذين لا زال ” سيدي علي” يكن لهم الاحترام ومعترف به بالشارع، فإن هذه الفترة ستعرف أيضا نهايتها.

* يوديت نورينك (مراسلة جريدة تراو من العراق)، شريكة حياة علي الأزرق لمدة عشرين سنة حتى سنة 2004. كانا يسكنان معا بأمستردام.

– ترجمة النص: مكتب أربيكا للخدمات