هروس: الدولة لم تلجأ للخطاب الديني خلال الجائحة.. والتنظيمات الإسلامية بحاجة لتجديد ولمراجعة فكرها
يؤكد الباحث في الفكر الإسلامي حفيظ هروس أن “أزمة كورونا كشفت الكثير مما كان مخبوءا أو في الظل، أولها الحاجة إلى أخلاق التضامن وثانيها سلطة الافتراضي، وأن لا مستقبل للإنسانية خارج العيش المشترك، والتجربة الحالية حبلى بالدروس التي تعزز هذا الطرح وتقويه”.
ويعتبر هروس، في حوار مع موقع “لكم”، أن النقاش المجتمعي لمشروع قانون 20-22 كشف “قوة الافتراضي من خلال أمارتين هما، سعي الحكومة إلى لجم الافتراضي نظرا لقوته على التأثير التي أثبتها خصوصا في حملة المقاطعة، ثم قدرة الافتراضي على إسقاط حتى هذا القانون الذي تسعى من خلاله الحكومة والجهات النافذة لتقييده والحد من تأثيراته”.
ويرى هروس أن ” الدولة لم تلجأ إلى توظيف الخطاب الديني بقوة خلال هذه الأزمة، بل على العكس من ذلك لاحظنا بروزا قويا للخطاب الديني المستقل أو المحيط بفلك السلطة من بعيد، والذي حاول تقديم بعض الإجابات للإشكالات والنوازل الفقهية التي فرضتها وضعية الحجر مثل صلاة التراويح خلف الأجهزة الإليكترونية بين مانع ومجيز”.
ويدعو هروس التنظيمات الإسلامية بعد الأزمة لـ”التجديد والمراجعة لأنها سنة كونية وبشرية، والتنظيمات الإسلامية مثلها مثل بقية التيارات والمشاريع والأفكار الأخرى، يطرأ عليها ما يطرأ على غيرها من عوامل التقادم والبِلى ما يدفعها دائما إلى المراجعة والتجديد، وقد لمسنا في العقود الثلاثة الماضية مراجعات كثيرة مست خطابات التنظيمات الإسلامية وطرق عملها”.
وفما يلي نص الحوار:
ماذا يعني لك الحجر الصحي؟
تعتبر حالة الحجر الصحي في العالم اليوم بالطريقة التي طبقت بها من خلال إجراءات العزل، وترتيبات التباعد الاجتماعي، حالة فريدة في التاريخ البشري، وهذا يعني بالنسبة لي شيئين: أحدهما على المستوى الفردي الخاص، والآخر على المستوى الجماعي العام.
فعلى المستوى الفردي، أتاح الحجر للإنسان تجريب حالة من العزلة الاضطرارية، والعزلة طبعا حتى في التصور الصوفي والفلسفي ليست شيئا مستقبحا بل قد تكون أحيانا شيئا مطلوبا، لكنها غالبا ما تكون عزلة اختيارية منشؤها تحقيق التأملات التي تدفع الإنسان نحو مراجعة الذات وتطويرها. فقد كان مثلا الفيلسوف الألماني المعروف “مارتن هايدجر” يعتزل أياما مديدة في الريف للتأمل، وكتب عن استغراب الريفيين لعزلته الطويلة بينهم نصّه الشهير POURQUOI RESTONS-NOUS EN PROVINCE ? مميزا فيه بين العزلة والوحدة، أما في التراث الصوفي فالأمر أشهر من الخوض فيه. فشرط العزلة إذن هو الاختيار، لكن ما يميز هذه العزلة التي نحن فيها أنها اضطرارية تفتقد إلى الحرية، لهذا فإنها أقرب إلى أن تكون عقيمة منها إلى أن تكون خلّاقة وَلود كما هو الشأن بخصوص العزلة الاختيارية، فبالنسبة لي –على الأقل- هذه العزلة الاضطرارية لم تكن منتجة بالقدر الذي كنت آمل أن أحققه، وذلك لفقدانها شرط الحرية، فالحرية خلاقة كما هو معروف.
أما على المستوى الجماعي والإنساني، فأعتقد أنها ستشكل أحد المنعرجات الكبرى في التاريخ البشري إذا أحسن الإنسان استثمار ما جاد به الوباء من دروس، وذلك على الأقل في نظري من جهتين.
جهة أولى، عودة رهبة الوباء لتفرض سلطانها من جديد على الإنسان: جسدا وروحا، فقد خُيّل إلى الإنسان بما أحرزه من التقدم الطبي، والفتوحات العلمية أنه قد قطع بشكل كبير مع الأزمنة التي كانت تشكل فيه الوباءات تاريخ الإنسان، وتخط مساره، ليكتشف أن ذلك مجرد وهم دونه خرط القتاد. وإذا كان المسار العلمي للإنسان بصفة عامة انصب على توجهين رئيسين: يُعنى أحدهما بالضئيل المتناهي في الصغر، ويعنى الآخر بالهائل المتناهي في الكبر، فإن العقود القليلة الماضية شهدت جموحا إنسانيا ملحوظا نحو العناية بالثاني أكثر من الأول، ومن مظاهر ذلك: التركيز على الصناعات الحربية الضخمة، والانفتاح على الفضاء الخارجي…لكن هذا المنعرج سيعمل على إعادة الإنسان إلى المسار الصحيح على المستوى العلمي من حيث عنايته بالضئيل بعدما أوغل في العناية بالهائل والكبير، فيتحقق بذلك التوازن المطلوب.
ومن جهة ثانية، عودة أهمية الإنسان على حساب أهمية الأشياء، فبعد أن أغرقت الإنسانَ النَزعاتُ المادية، والميولات التشييئية التي أفرغته من روحه، وأفقرته من إنسانيته، حيث علت لغة الاقتصاد والأرباح والأرقام على كل شيء، ها نحن اليوم نكتشف أهمية الإنساني من جديد، وضرورة الحفاظ على حياة الناس وصحتهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي بعد أن أنهك ذلك كله الاستنزاف المفرط لموارد الطبيعة، والصراع على المصالح والمنافع، والحروب العبثية وغيرها.
فلاشك أن هذا المنعرج سيؤسس من ناحية ثانية –ولو على المدى البعيد- لعودة الإنساني وأولويته المطلقة على السياسي والاقتصادي وغيرهما، وأن هذه يجب أن تكون جميعا في خدمة الإنسان لا العكس.
ما الذي تمارسه في الحجر الصحي؟
سبق أن أشرت بأنني لم أستطع أن أتأقلم مع هذه الوضعية بالقدر الذي كنت أرغب فيه، لكن عموما لم تخلُ فترة الحجر من استفادات وأعمال، وحتى لا أدخل في التفاصيل سأتحدث عن شيئين مهمين اشتغلت بهما.
أولهما هو التعليم عن بعد، فكما هو معلوم فقد كان من تأثيرات الحظر الصحي على قطاع التعليم هو تحوله إلى التعليم عن بعد من خلال المنصات الرقمية، فلهذا انخرطت في ذلك شأن بقية نساء التعليم ورجاله من أجل محاولة إتمام المقرر، حيث أقضي أوقاتا لا بأس بها في الإعداد والإنجاز. لكن للأسف ثمة عقبات كثيرة تحول دون إتمام المهمة على الوجه المطلوب، منها ضعف إمكانيات التلاميذ التي تجعل الكثير منهم لا يستفيد من الدروس عن بعد، صعوبة النفوذ إلى المنصات التعليمية التي أعدتها الوزارة لهذا الغرض خصوصا منصةTeams ، ضعف الصبيب في الأنترنيت.. وغيرها. لهذا أظن أن تجربة التعليم عن بعد في المغرب تحتاج بعد نهاية فترة الحجر إلى تقييم حقيقي قبل الحديث عن أي تطوير لهذا المجال.
المسألة الثانية التي انشغل بها خلال فترة الحجر، وأعتقد أنها تجربة فريدة أخوضها مع بعض الأصدقاء، هي الإشراف على صفحة Covid19 M’diq، فقد أنشأنا هذه الصفحة في بدايات الحجر من أجل بث مضامين ولقاءات رقمية مباشرة من خلال استضافة شخصيات فاعلة على المباشر، ورغم أن الندوات الرقمية أصبحت اليوم رائجة على العديد من الصفحات والمنصات الرقمية من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها فإن مما تتميز به صفحة Covid19 M’diq في النشاط الرقمي (كان بث أول لقاء على الصفحة يوم 24 مارس)، استضافتنا أكثر من ثلاثين ضيفا من مختلف الحقول المعرفية والتوجهات السياسية. وكونها صفحة انفتحت على مختلف الفاعلين السياسيين والفكريين والدينيين، ولم تقتصر على توجه سياسي بعينه، كما لم تهتم فقط بحقل من حقول المعرفة، ففي بداية التجربة كنا حريصين على أن يكون الموضوع له علاقة بوباء كورونا وتداعياتها السياسية والاقتصادية والدينية.
ما قراءتك لما يجري في مغرب اليوم؟
سبق أن أشرت باختصار إلى بعض قراءاتي لما يجري، لكن هناك قضية أخرى تستحق الاهتمام وتحتاج إلى دراسة موسعة، وهي محاولة فهم القراءات المختلفة لما يجري هي نفسها، بمعنى ليس أن نقدم قراءتنا الخاصة لما وقع وما سيؤول إليه الأمر بل نتتبع القراءات المختلفة لما يجري ونحاول فهمها، وهو ما يمكن أن ننعته بقراءة القراءة، والهدف من ذلك هو التطلع إلى معرفة آليات اشتغال العقل الإنساني الجمعي وتمثلاته للظواهر المختلفة، وبما أن الموضوع يحتاج إلى توسع فيمكن أن نشير هنا باقتضاب إلى أهم القراءات التي كان لها حظ وافر من الذيوع والانتشار.
أولها القراءة الدينية، فقد ظهرت العديد من التفسيرات الغريبة عندما ظهر الوباء أول مرة من قبيل محاولة ربط الحدث بالقرآن، وأنه مذكور في سورة المدثر، أو أنه غضب إلهي، أو أنه عقاب إلهي للصين، وهو ما يمكن أن نسميه بنوع من التفسير العقابي للظواهر الطبيعية، بطيعة الحال ليست القراءة الدينية محصورة فيما ذكرنا فثمة قراءات راشدة لما حدث، لكنني أشرت فقط لما طفا على السطح.
ثانيهما القراءة السياسية، بحيث لاحظنا الكثير من التصريحات والتحليلات ذهبت في اتجاه تفسير ما يحدث على أنه فعل بشري دون أن تمتلك دليلا واحدا على ذلك، ورغم تأكيد منظمة الصحة العالمية والعديد من الخبراء على أن الأمر تطور طبيعي لفيروس كورونا ولا علاقة له بتطوير بشري للفيروس في المختبرات، مما يحملنا على نظم تلك التصريحات والتفسيرات في سلك نظرية المؤامرة.
وهناك أيضا بعض القراءات الاقتصادية الشاذة التي اعتبرت الأمر برمته مجرد خطة محكمة لأغنياء العالم للتخلص من كبار السن والفقراء من أجل الاستفراد بالثروات وصناديق الائتمان.
وتتبع مثل هذه القراءات تفيدنا في أمور عديدة، فقد تساعدنا في فهم بعض الظواهر المجتمعية التي تركن إلى مثل هذه القراءات التبسيطية للأحداث والظواهر، وتبين لنا الملموس كذلك أنه لا ينبغي للإنسان أن ينساق وراء كل تأويل وقراءة بل لابد أن يعمل مبضع النقد والتشريح قبل أي شيء. هذه فقط بعض الإشارات العابرة وإلا فإن الأمر كما قلت يحتاج إلى توسع ودراسة.
ما هي الأشياء التي كشفت عنها الأزمة في نظرك؟
كشفت الأزمة الكثير مما كان مخبوءا أو في الظل، وقد تمت الإشارة إلى الكثير من هذه الأمور من قبل المتتبعين والمحللين، لكنني أشير هنا فقط لأمرين.
أول الأمرين الحاجة إلى أخلاق التضامن، فقد كشف توالي أحداث الأزمة عن نقص حاد في أخلاقيات التضامن سواء بين الأفراد أو الجماعات أو حتى الدول، وقد تابعنا كلنا حرب الكمامات، والتناقضات التي برزت داخل الاتحاد الأوروبي، ومحاولة احتكار الأدوية واللقاحات، والدعوة إلى تجريب اللقاحات في فقراء إفريقيا وغيرها، ولعل أسباب ذلك تعود إلى الأنانيات الدفينة في النفس الإنسانية التي تظهر بوضوح في أوقات الأزمات، لكن بطبيعة الحال لا يمكن رهن مستقبل الإنسانية بمثل هذه التصرفات الشاذة، وأن الكل يعرف بأن استمرار الوجود الإنساني بما هو إنسان في جوهره المباين للوجود الحيواني رهين بتعزيز أخلاق التضامن بين الأفراد والجماعات والدول خصوصا في زمان الأزمات فيما يمكن أن نسميه بالدرس الأخلاقي للوباء.
الأمر الثاني هو سلطة الافتراضي، فلم تكشف الأزمة فقط أهمية الافتراضي، بحيث أنه أصبح بمقدور الإنسان قضاء أكثر أغراضه -التي كان يقضيها في الواقع المادي- عبر الوسائط الرقمية والافتراضية، بل كشفت أيضا أن العالم الافتراضي، وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر قدرة على الفعل والتأثير باعتبارها سلطة مضادة ومقاومة للسلطة التقليدية التي تحتكرها قنوات الرأي الرسمية والتقليدية.
فقد أتاح التطور الكبير لوسائل الإعلام والاتصال الانتقال إلى ما يسميه “مانويل كاستلز” بـ”الاتصال الذاتي للجماهير L’auto-communication de masse” للجمهور فرصة أعظم للتعبير عن الرأي، وعزز فرص التغيير الاجتماعي.
وكشف النقاش المجتمعي لمشروع قانون 20-22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح خلال مدة الحجر الصحي عن قوة الافتراضي من خلال أمارتين هما: سعي الحكومة إلى لجم الافتراضي نظرا لقوته على التأثير التي أثبتها خصوصا في حملة المقاطعة، ثم قدرة الافتراضي على إسقاط حتى هذا القانون الذي تسعى من خلاله الحكومة والجهات النافذة لتقييده والحد من تأثيراته.
ما الذي يجعل الدولة لم تلجأ خلال هذه الأزمة إلى توظيف المرجعية الدينية لتبريرها أو شرحها كما دأبت على ذلك في العصور الماضية؟
فعلا لم تلجأ الدولة إلى توظيف الخطاب الديني بقوة خلال هذه الأزمة، فباستثناء فتوى المجلس الأعلى المتعلقة بإغلاق المساجد مؤقتا لم نشهد استخداما مكثفا للدين من أجل أن تحقق الدولة أهدافها خلال هذه المرحلة، بل على العكس من ذلك لاحظنا بروزا قويا للخطاب الديني المستقل أو المحيط بفلك السلطة من بعيد، والذي حاول تقديم بعض الإجابات للإشكالات والنوازل الفقهية التي فرضتها وضعية الحجر مثل صلاة التراويح خلف الأجهزة الإليكترونية بين مانع ومجيز.
ومردّ ضعف استعمال الدولة للخطاب الديني في هذه المرحلة في نظري يعود إلى أسباب عديدة، منه قلة الحاجة إلى الخطاب الديني نظرا للإجماع المتحقق في هذه المرحلة حول أهمية الإجراءات التي اتخذتها الدولة، فلم تكن الدولة وأجهزتها بحاجة إلى خطاب ديني تبريري يضفي المشروعية على تلك الإجراءات، إذ غالبا ما تلجأ الدولة إلى استثمار مخزون خطابها الديني للدفاع عن توجه محدد اتخذته في حالة وجود انقسام داخل المجتمع إزاء ذلك التوجه، كما هو الشأن مثلا في الاستنفار العام للدولة لكل قنواتها الدينية من أجل تمرير مشروع الدستور المطروح للاستفتاء سنة 2011.
ثانيها، وعي الدولة وأجهزتها بخطورة استعمال الخطاب الديني بكثافة، وحشره في كل صغيرة وكبيرة، فهي تعتقد أن الخطاب الديني سيف ذو حدين لا تلجأ له إلا عند الحاجة، ومما يجعله كذلك مزاحمة التيار الديني للدولة في شرعية استخدام هذا النوع الخطاب، فالدولة باستعمالها القوي والمتكرر له تمنح الفرصة لهذا التيار للجوء لنفس الخطاب، وإذا علمنا بأن هناك تأويلات عنيفة لهذا الخطاب عند “التيارات الجهادية” فقد وجب الحذر.
ثالثها، غياب قنوات تمرير الخطاب الديني خصوصا المساجد التي توظفها الدولة للوصول إلى الجمهور الأعم من الناس، وحتى الدروس الحسنية غائبة هذه السنة، وهي عادة ما تشكل منبرا مهما لتمرير خطاب الدولة المتعلق بتصورها الديني من خلال التأويلات التي دأب وزير الأوقاف على تقديمها للنصوص الدينية في مثل هذه الحالات.
النقاش المجتمعي اليوم يؤكد ضرورة مراجعة الهيئات السياسية لمشاريعها وتصوراتها. هل التنظيمات الإسلامية معنية بتلك المراجعات. ما تعليقك؟
التجديد والمراجعة سنة كونية وبشرية، والتنظيمات الإسلامية مثلها مثل بقية التيارات والمشاريع والأفكار الأخرى، يطرأ عليها ما يطرأ على غيرها من عوامل التقادم والبِلى ما يدفعها دائما إلى المراجعة والتجديد، وقد لمسنا في العقود الثلاثة الماضية مراجعات كثيرة مست خطابات التنظيمات الإسلامية وطرق عملها. وإذا كانت الكثير من الدراسات السوسيولوجية قد دأبت على نعت هذه التيارات بوصف “الإسلاموية” Islamism، فإن هذا الوصف عندهم يتقوّم من سمات ثابتة تتلخص أساسا في بروز فكرة شمولية الإسلامية مع ظهور التيار الإسلامي المنظم بسبب تحدي سقوط الخلافة العثمانية، ثم ما لحقها في فترة متأخرة عن ذلك من اعتبار الدولة أداة لتقويم الحياة الاجتماعية وفق تعاليم الدين، كما هو واضح في فكرة الحاكمية واختصاص الله بالتشريع.
كيف ستؤثر التجربة الحالية على العيش المشترك؟
يمكنني أقول باختصار وفي تطلع حالم، لا مستقبل للإنسانية خارج العيش المشترك، والتجربة الحالية حبلى بالدروس التي تعزز هذا الطرح وتقويه، فعلى المستوى المحلي فإن مقتضى العيش المشترك يشترط وجود دولة عادلة تتسع للجميع بما يقتضيه ذلك من إصلاحات حقيقية للحد من السلطوية في المجال السياسي، والقضاء على الريع والفساد في المجال الاقتصادي، وعلى المستوى العالمي فإن مقتضى العيش المشترك يشترط وجود نظام عالمي عادل تحكمه مبادئ الحق، وتؤلفه وشائج أخلاق التضامن بين الأمم.
لكن حتى لا نكون مثاليين، فإن الإنسان سرعان ما يطول عليه العهد وينسى، إذ من أهم خصائص الإنسان النسيان، لهذا لا ينبغي أن نتفاجأ إذا استمرت الأمور على حالها أو ازدادت سوءا.