مشهد مروع. رجل يهاجمه جمع غاضب، ينهال عليه ضربا و ركلا و رجما بالأحجار امام منزله حتى يفارق الحياة متأثرا بجراحه. هذه قصة هندي مسلم خمسيني، قتل امام ناظري أسرته بسبب مزاعم حول استهلاكه لحم بقر. و هو ما يعد أمرا محظورا لقدسية هذا الحيوان عند الهندوس.  أوقف ستة أشخاص لتورطهم في حادث ليس الاول او الأعنف  ضمن سلسلة احداث عنف تقف وراءها جماعات هندوسية متشددة في مختلف أنحاء الهند. هيستيريا تطال المسلمين و المسيحين، يواجهها اليمين الحاكم بزعامة ناريندرا مودي بصمت رهيب. 

سياسة الهوية 

وراء صورة السلام الروحي للتاج محل بأكرا، بيئة تفقد يوما بعد يوم مبدأ التعايش المشترك. في هذه المدينة الشمالية، اقدم راهب هندوسي قبل أشهر على ممارسة طقس يسميه الهندوس ” بالتطهيري” لجماعة من المسلمين. في شرق البلاد ايضا، تكررت نفس مراسم “العودة الى الوطن” كما يطلق عليها الهندوس، أرغم  خلالها مسيحيون على تغيير دينهم بالقوة، فيما هوجمت كنيسة بمنطقة كرالا الجنوبية. يقول المتشددون انهم لم يفعلوا سوى اعادة هندوس الى دينهم الأصلي بعدما أرغم اسلافهم على اعتناق المسيحية او الاسلام.

المواجهة الحقيقية في نظر البعض ليست مواجهة هندوس مقابل مسلمين او هندوس مقابل مسيحيين بقدر ما هي مواجهة علمانيين و رافضين للعلمانية.

قانون الأغلبية

فكرة الدولة القومية الهندوسية التي تدافع عنها هذه الجماعات تخالف الطابع التعددي في الدستور الهندي. النص  يقر بواضح العبارة بعلمانية الدولة و يأكد ايضا ان لا فرق بين مسلم او هندوسي او مسيحي. دستور وضعه مؤسسوا الدولة لإدراكهم  أهمية التعايش الديني. من بوسعه ان ينسى ان  شبه القارة الهندية قسمت على أساس ديني عام 1947 ، من بوسعه ان ينسى ان اتباع الهندوسية المتطرفة كانوا وراء اغتيال زعيم الهند الروحي المهاتما غاندي. فصول التطرّف كانت ولا تزال مدمرة في الهند. في توظيف  الهندوسية، التي تدعو في جوهرها الى التسامح و نشر المساواة، كاداة سياسية لحشد الاصوات و خدمة مصالح رجال السلطة والمال خطر على الهندوس كما الأقليات. فالمواجهة الحقيقية في نظر البعض ليست مواجهة هندوس مقابل مسلمين او هندوس مقابل مسيحيين بقدر ما هي مواجهة علمانيين و رافضين للعلمانية. اغتيال المفكر ناريندرا دابهولكار المعروف بآرائه اللاذعة حيال التوظيف السياسي للدين، نهاية اغسطس الماضي يؤشر لذلك. بمنطق إلغاء حق الاخر في الاختلاف، في بلد يتجاوز سكانه المليار فردا من ديانات متعددة، يبدو مستقبل التعايش صعبا .  باضعاف توازنات تركيبة اجتماعية معقدة، تضعف كل يوم الديمقراطية الهندية. و تنتصر الأفكار الظلامية للمرة المليون في اهدار فرص التركيز على  نقاشات الفقر و الفساد و اشكاليات النمو والعدالة الاجتماعية.