«هاجمتموني لفيلم لم تشاهدوه.» ظهر في فيديو وجه لبنى أبيدار وهي تقول الجملة، وحاجبها الأيسر مفروع،  والكدمات بادية على الوجه والعنق. مشتكية الضرب في الشارع العام على يد مجهولين، ورفض الشرطة -ولاية الأمن بالدار البيضاء- استقبالها، والاهانات المتوالية التي تعرضت لها بعد ذلك.

وأضافت أبيدار، بطلة فيلم “الزين اللي فيك”: «شفتوا غير هاداك الشي اللي حطوا لكم في يوتوب». كان ذلك وضعي شخصيا، رأيت الأربع ساعات من الفلم التي كانت موضوعة في يوتوب، ولم أكن أظن أني في حاجة لرؤية نسخته المعتمدة للسينما، تساءلت ماذا يُمكن أن يقدم المخرج شيئا مختلفا عما شاهده كل المغاربة عبر الأنترنت؟! لكن عزومة كريمة من احد الأصدقاء جعلتني أعود وأقرر الذهاب لمشاهدته في السينما.

دار السينما التي تعرضه، وسط مدينة مارسيليا، امتلأت، بالفرنسيين. قلة منهم فقط ينحدرون من أصول مغاربية. دخلت القاعة وأنا أستبعد من رأسي الأربع ساعات التي كنت شاهدتها على يوتوب كما ملايين المغاربة: “إنها ليست الفيلم” حدثت نفسي. وكلما تقدم الفيلم كنت أتأكد من أنها ليست الفيلم، حتى وإن كانت بينهما الكثير من اللقطات المشتركة. 

يصور الفيلم قصة أربع ممتهنات للدعارة، في مراكش، وعلاقاتهن بالزبائن المفترضين من عرب وغربيين، و كيف يحاولون تنظيم علاقاتهن الشخصية والعائلية والعلاقات بينهن، في عالم مليء بالعنف والسباب والمادية الفجة.

تصوير المخرج لمراكش لم يكتف فيه بالمسار الاعتيادي للأفلام الترويجية التي تصدر عن وزارة السياحة، بل وصور أيضا الأحياء الخلفية التي تحاول الدولة تغطيتها واخفائها عن السياح المفترضين، والأغنياء من العالم الذين يشكلون مصادر مفترضة للعملة.

عاملات الجنس في القصة لم يكن بئيسات، ولا خنوعات، ولا فجات، ولا محتجزات، ولا باردات.. فقد استطاع الفلم أن يكسر القوالب الجاهزة التي غالبا ما يتخيلها البعض ويحاول الصاقها بالعاملات في عوالم شبيهة. تجد في الفلم قصة عاملة جنس في جميع الحالات

الممكنة، ساعة تضحي من أجل عائلتها، وساعة تصخب. وفي حالتها وهي تحب وتعيش حبها بالتضحية والرغبة والفرح. وأيضا حين هي تُقرر و تجيب ب”لا” حتى على الرغم من اغراء المال، وتختار مع من تنام وعمن تتمنع ومن ترفض بشكل كامل، وتجترح لأناها ورغبتها وذاتها فردانية وقرارا مستقلا.

في الأوساط الفجة الشبيهة، يتخيل الناس أنها مليئة فقط بالعنف والفجاجة والخنوع. الفلم قلب كل ذلك، كما دور الفن النابع عن البحث في مواضيع شبيهة؛ يدفعك لخلخلة المسلمات الكسولة والأحكام المسبقة، فصارت الفجاجة غير فارغة كلية من المتعة، وأوساط العنف غير فارغة تماما من الحنان، وقواميس السباب لا تقصد بالضرورة الاهانة، بل وقد تعبر عن القرب والمحبة والاهتمام، خاصة ساعة نتابع الحوارات المليئة بالسباب بين بطلات الفلم في القصة. فيصير للسب معنى غير المسبة والتنقيص، بل وينقلب معناه الى الاهتمام والقرب.

انتهى الفيلم بشكل مفاجئ. علت تصفيقات القاعة بصخب. قال صديق لبناني أن نهاية الفيلم لم تكن موفقة حتى وإن وجده  قويا بشكل عام، إذ أنههاه مخرجه بدون تهيء لقفل القصة، ما جعله محتجزا قريبا من الوثائقي أكثر منه الى السينما. لكن بعد ضرب بطلة الفلم وإهانتها، وأخبار عن لجوءها لفرنسا، يبدوا أن فيلمنا، الزين اللي فينا، لم يكتمل، مجتمع عنيف يرغب في الاكراه والإخضاع بالعنف من يبحث عن مخارج لذاته، ليعبر عن اختلافه، ولا يفرق حتى بين الفن والواقع. وأفراد مقاومين يفتحون لأنفسهم فرصا جديدة للأمل والحياة.