كشفت دراسة ميدانية أنجزتها جمعية “أطاك المغرب”، أن السياسة الفلاحية التي ينهجها المغرب وفرت شروط استحواذ كبار الرأسماليين على الأرض والثروات المائية وباقي الموارد الطبيعية، ومدهم بالإعانات العمومية والتسهيلات الضريبية لإقامة مزروعات تصديرية كثيفة، مستنزفة، ولا تغطي عائداتها سوى حوالي 47 في المائة من الواردات الغذائية ثلثها من الحبوب.

الدراسة التي عرضتها “أطاك” في ندوة صحفية، اليوم السبت بنادي المحامين بالرباط، أكدت أن الدعامة الرئيسية لمخطط “المغرب الأخضر” هي تشكيل مجموعات فلاحية، تجارية صناعية وتصديرية كبرى تخضع لمشيئتها غالبية الفلاحين الصغار، والمتوسطين، الذين احتدت سيرورة إفقارهم ويقاومون لإنتاج المزروعات المعيشية التي همشها المخطط، حيث يستغل العمال الزراعيون بأبشع الشروط، في ظل حيف قانوني كرسته الدولة بمدونة الشغل.

تشجيع الفلاحة التصديرية وتهميش الفلاح الصغير

ونبهت الدراسة إلى تسهيل استحواذ كبار الرأسماليين على أراضي الجماعات السلالية من خلال تعبئة مليون هكتار من هذه الأراضي لإنجاز المشاريع الاستثمارية بالمجال الفلاحي، وتحفيظ 5 ملايين هكتار منها في أفق 2020 بغية تسهيل تمليكها.

وأوضحت الدراسة أن نفس الأمر يتكرر من خلال تطوير مشاريع الاستثمار الرأسمالي التصديري الخاص بشجرة أركان بأقاليم الجنوب الغربي، خاصة مناطق سوس والصويرة، وتدمير تقاليد استغلاله الجماعي، وتهيئة المجالات الرعوية لصالح كبار ملاكي قطعان الإبل والماشية الرحل من خلال إصدار القانون المتعلق بتنظيم الترحال الرعوي وتنظيم المراعي.

وأشارت الدراسة إلى تغلغل النموذج الزراعي المالي التصديري برعاية مصالح الدولة ووزارة الفلاحة من خلال فرض أنماط إنتاج واستهلاك وفق البلدان الرأسمالية الكبرى، وتعميم البذور الهجينة والأغراس المعتمدة وسلالات الماشية والمشاتل الكبيرة، وتدمير آخر ما تبقى من الموروث الجيني الذي راكمه الفلاحون الصغار.

وأبرزت الدراسة أن الدولة وضعت نظاما متكاملا من الإعانات المالية للقطاع الفلاحي على مستوى الإنتاج والتسويق، خصوصا لتشجيع المزروعات التصديرية بالمناطق السقوية التي لا تشكل سوى 17 في المائة من المساحة الزراعية الإجمالية، في حين همشت المساحات المرتبطة بالأمطار، والتي يتركز بها إنتاج الموارد الغذائية الرئيسية كالحبوب والقطاني (حوالي 60%)، الشيء الذي جعل البلاد تفشل في تحقيق أمنها الغذائي.

ويعد نظام الإعانات حسب الدراسة مجالا لنهب المال العمومي من قبل كبار الرأسماليين والشركات التجارية الفلاحية، حيث يجد الفلاحون الصغار أنفسهم محاصرين بزحف نمط الإنتاج الرأسمالي الكبير بالزراعة، الذي يدمرهم كمنتجين ويهمشهم كسكان قرويين.

أغلب الفلاحين متقدمون في العمر وأميون

وكشفت الدراسة أن غالبية صغار الفلاحين متقدمون في العمر، ويهجر أبناؤهم الشباب القرى، حيث لم تعد مهنة الفلاحة تستهويهم، لأنهم يرون الأوضاع الاجتماعية المتردية لعائلاتهم كمزارعين وكقروين، والتي لا تسمح بضمان مستوى عيش لائق مستقر.

وأشارت الدراسة أن نسبة الفلاحين المستجوبين في العينة، الذين تقل أعمراهم عن 30 سنة لا تتجاوز 5%، في حين يصل معدل الذين تفوق أعمارهم 50 سنة 43%، وهذا يتجلى أكثر في المناطق الهامشية والفقيرة، فبمنطقة درعة مثلا تبلغ نسبة الذين تفوق أعمارهم 50 سنة 67%، وبمنطقة تادلة 57%.

وتبلغ نسبة الأمية لدى الفلاحين المستجوبين 33%، وترتفع نسبة الأمية أكثر وسط النساء، حيث أنهم في غالبية الأسر ربيات ببيوت يتحملن جزء كبيرا من الأشغال الفلاحية اليومية، دون إمكانية للتعلم أو الإستفادة من خدمات عمومية أو أكثر.

الفلاحون الصغار لا يحصلون على التمويل

وأبرزت الدراسة أن الفلاحين المستجوبين يملكون معدل مساحة يصل إلى 6 هكتارات، ويستغلون منها فقط 4، وتنخفض هذه المساحة إلى 3 بمنطقتي اللوكوس وسوس اللتان تتوسع بهما الزراعة الكثيفة، وترتفع إلى 7 هكتارات كمساحة مستغلة بمنطقة الغرب التي تتسم بهيمنة الزراعات الكبرى، كزراعات الحبوب والقطاني والزراعات الزيتية والشمندر.

وتشكل الآبار المصدر الرئيسي للمياه بنسبة 30%، في مجموع مناطق البحث الميداني، وتكبر هذه النسبة بمنطقتي سوس 65%، واللوكوس 47%، في حين تتعدد مصادر السقي بالمناطق الأخرى مع سيادة الاعتماد على الأمطار بمنطقة الغرب.

ولايزال غالبية الفلاحين المستجوبين حوالي (45 في المائة) منهم، يعتمدون نمط السقي التقليدي، وهم يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على الإعانات والتمويل الضروري لاقتناء تجهيزات نظام السقي بالتنقيط، وترتفع نسبة مستعملي نمط السقي بالتنقيط بمنطقة سوس( 71 في المائة)، نظرا لتاريخ تطور الزراعة التصديرية، خصوصا بمنطقتي شتوكة آيت باها، وتارودانت، وقلة مصادر الماء بصورة حادة.

وأشارت الدراسة أن نسبة كبيرة من الفلاحين الصغار (90 في المائة من المستجوبين)، لا يتوفرون على وسيلة نقل خاصة، وهذا مازيد من معاناتهم ومصاريفهم في نقل ما يحتاجونه من مدخلات لزراعتهم ونقل ما ينتجون إلى السوق، كما أن أغلبيتهم لا يملكون لآلة جرار، ويلجؤون إلى كرائها نظرا لضيق الهامش المالي والمساحة الضعيفة، ولا تسمح شروط نظام الإعانات الحالي عمليا بحصول الفلاح الصغير على آلة جرار، وهنا يلجأ أغلبهم إلى خلق تعاونيات فلاحية من أجل الحصول على قرض فلاحي بفوائد منخفضة.

ويعتبر غالبية الفلاحين المستجوبين أن العلاقة مع السلطات المحلية منعدمة، وخصوصا بمنطقة الغرب ( 100%)، واللوكوس (60%)، كما تعتبر نسبة 22 في المائة من المستجوبين أن السلطات المحلية تعرقل المساطر الإدارية فيما يخص منح الرخص والوثائق القانونية، وترتفع هذه النسبة إلى 31 % بدرعة، و 28 في المائة بسوس، و 14 في المائة بتادلة.

ويرى الفلاحون الصغار أن العلاقة مع السلطات العمومية سيئة، فهي فقط تستخدم جيشا من الشيوخ والمقدمين لمراقبتهم، والتدخل السلبي بشؤونهم، بما في ذلك قمعهم كلما نظموا تعبئة للدفاع عن مصالحهم أو مكاسبهم.

ويشكو غالبية الفلاحين من غياب تنظيماتهم الفعالة كالنقابات، التي لا نجد سوى نسبة ضعيفة من المنخرطين فيها بمنطقة سوس 10 في المائة، وباللوكوس 5 في المائة، وتمثل التعاونيات الشكل رالتنظيمي لدى 30 في المائة من مجموع المستجوبين، في حين تمثل الجمعيات 14 في المائة من المجموع، ويبقى أكثر من نصف الفلاحين دون أي شكل تنظيمي.