في ظل تصاعد النقاش الدولي حول مستقبل الطاقة النووية، تُسلط النسخة الأحدث من “التقرير الدولي لوضع الصناعة النووية لعام 2024” الضوء على الطموحات النووية للمغرب ضمن محور شامل مخصص للقارة الإفريقية. ويأتي التقرير في سياق دولي يتسم بتحديات متزايدة أمام الصناعة النووية التقليدية، مع بروز متسارع لمصادر الطاقة المتجددة التي باتت تفرض ضغوطا تنافسية كبيرة على المشاريع النووية من حيث الجدوى الاقتصادية والسرعة في التنفيذ والتأثير البيئي.

ويُعد هذا التقرير مرجعا معتمدا للخبراء وصناع القرار، حيث أُعد بمساهمة أربعة عشر خبيرا دوليا من جامعات ومؤسسات بحثية مرموقة حول العالم، ويقع في أكثر من 500 صفحة من التحليل المعمق للواقع النووي العالمي.

وفقا للتقرير، فإن المغرب يُعد من بين أربعة دول إفريقية فقط، إلى جانب الجزائر وليبيا ونيجيريا، التي تمتلك شبكة كهرباء ذات سعة إجمالية تتجاوز 10 غيغاواط، وهو الحد الأدنى الذي توصي به الوكالة الدولية للطاقة الذرية للسماح بإدماج مفاعل نووي واحد ضمن الشبكة الوطنية دون التأثير على استقرارها. ويبلغ إجمالي القدرة المركبة في المغرب 9,890 ميغاواط (ما يقارب 9.9 غيغاواط) حسب بيانات عام 2022، ويصل متوسط الاستخدام الفعلي إلى 4,000 ميغاواط، مما يجعله مؤهلا تقنيا من حيث البنية التحتية لاستضافة مفاعل نووي كبير بقدرة 1 غيغاواط، وفقا للمعايير الدولية التي تنص على ألا تتجاوز قدرة الوحدة النووية 10 بالمائة من إجمالي القدرة المتاحة في الشبكة الوطنية للطاقة الكهربائية.

رغم هذا المؤهل التقني، فإن التقرير يشير إلى أن المشروع النووي المغربي لا يزال في مراحله النظرية، إذ لم يتم تسجيل أي تقدم ملموس في اتجاه الشروع الفعلي في بناء منشأة نووية. وكان المغرب قد وقّع مذكرة تفاهم مع شركة “روساتوم” الروسية في أكتوبر 2017 بشأن التعاون في “الاستخدامات السلمية للطاقة النووية”، إلا أن هذه المذكرة لم تُترجم إلى مشروع عملي حتى لحظة إصدار التقرير في نونبر 2025. ويعكس هذا الوضع النمط السائد في عدد من الدول الإفريقية التي وقعت عشرات مذكرات التفاهم مع جهات دولية، في ظل زخم إعلامي وسياسي كبير، دون أن تُفضي هذه المبادرات إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع، بسبب تحديات التمويل، ونقص الكفاءات التقنية، وصعوبة استدامة المشاريع النووية في ظل بيئة تنظيمية غير مستقرة نسبيا.

ويرى واضعو التقرير أن المغرب، على غرار معظم دول القارة، يواجه تحديات اقتصادية وتنموية معقدة قد تُضعف من جدوى الاستثمارات النووية في المرحلة الحالية، خاصة في ظل التنافسية المتزايدة لمصادر الطاقة المتجددة، التي تُعد أسرع نموا عالميا وأقل تكلفة وأسرع تنفيذا. ويشير تقييم صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في يوليو 2024 إلى أن الطاقات المتجددة سجّلت في عام 2023 نموا قياسيا بنسبة 14 بالمائة مقارنة بالعام السابق، وهي نسبة تتفوق بكثير على ما تحقق في المجال النووي، حيث تستمر عمليات الإغلاق للمفاعلات القديمة بوتيرة أسرع من بناء مفاعلات جديدة، ما يجعل الطاقة النووية شبه غائبة عن سوق الطاقة العالمية الجديدة.

في المقابل، يتطرق التقرير إلى أن التوجه الدولي نحو تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة النمطية (SMRs) قد يمثل فرصة للمغرب، نظرا لقدرتها على التكيف مع شبكات الكهرباء ذات السعة المتوسطة أو المحدودة، ولما توفره من مرونة في التخطيط والتنفيذ وتكلفة أقل نسبيا من المفاعلات التقليدية. وفي هذا السياق، تشير معطيات التقرير إلى أن دولا مثل غانا، رغم امتلاكها لسعة كهربائية أقل من المغرب، بدأت فعليا بالتفاوض على مشروع SMR مع شركات أميركية ويابانية، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المغرب على اللحاق بركب هذه التكنولوجيا الجديدة واستغلال وضعه الأفضل من الناحية التقنية مقارنة بجيرانه.

على الرغم من هذه الإمكانيات، فإن التقرير يحذر من الإفراط في التفاؤل، حيث يشير إلى أن السوق العالمية لبناء المفاعلات تعاني من اختناقات كبيرة، فعدد الشركات القادرة فعليا على تصميم وبناء محطات نووية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكلها تواجه تحديات مالية وتقنية جسيمة. على سبيل المثال، تعاني شركة EDF الفرنسية من ديون تتجاوز 60 مليار دولار، في حين أن نظيرتها الكورية KEPCO ترزح تحت عبء ديون تزيد عن 140 مليار دولار. أما الشركات الصينية، فقد وُضعت على لوائح الحظر الأميركية، بينما تتأثر شركة روساتوم بالعقوبات الدولية المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، ما يجعل فرص نقل التكنولوجيا أو الشراكة في هذا القطاع محدودة للغاية في الوقت الحالي.