“منصة محمد السادس للحديث” تتجاهل العشرات من أحاديث “البخاري” و”مسلم”.. هل الأمر يتعلق بـ “تنقية” أم بـ “انتقاء”؟

كان لافتا لانتباه الباحثين والمراقبين للشأن الديني المغربي، حجب اللجنة العلمية المشرفة على منصة محمد السادس للحديث الشريف العشرات من الأحاديث الواردة فيما يوصف بـ “الصحيحين”، “صحيح البخاري” و”صحيح مسلم”.
وتتوخى المنصة، التي سبق وأن أعلن عن انطلاقتها يوم تاسع ماي 2022، في ندوة صحفية ترأسها أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بحضور حشد كبير من علماء الدولة الرسميين، يتقدمهم محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، استثمار وسائل العصر المتنوعة في تقريب الحديث النبوي لعموم الناس، وتوسيع دائرة نشره في مختلف بقاع المعمور، وفق رؤية معرفية ومنهجية مستمدة من طبيعة الدرس الحديثي بالمدرسة الحديثية المغربية، حسب كلمة ألقاها بالمناسبة الوزير أحمد التوفيق.
ومن المعلوم أن كتاب “صحيح البخاري” وكتاب “صحيح مسلم”، عادة ما يوصفان وسط المختصين في علم الحديث بأنهما أصح كتب الحديث الشريف، الذي يعتبر الأصل الثاني في الدين بعد كتاب الله، ومع ذلك تجاهلت المنصة التي تعتبر فريدة من نوعها، العشرات من الأحاديث الواردة فيهما، في خطوة أسالت الكثير من المداد ولا زالت بالنظر لهيبة الصحيحين عند كافة الطائفة السنية بجميع مذاهبها ومدارسها.
وتعرف الساحة المغربية، نقاشا غير مسبوق حول حقيقة مجموعة من الأحاديث بما فيها تلك التي تضمنها “صحيح البخاري”، ليس فقط وسط من يعتبرون أنفسهم “قرآنيين”، بل حتى وسط من يؤكدون على ضرورة اعتبار الحديث كأصل ثاني في الدين، حيث يعتبرون أقوال النبي وأفعاله وتقريراته وحي بياني منزل كالقرآن الكريم.
فما هي المعايير التي اعتمدتها اللجنة المشرفة على المنصة، في قبول هذا الحديث ورفض ذاك ؟ وما هي القواعد المؤطرة للعملية ؟ولماذا تجاهلت اللجنة مجموعة كبيرة من الأحاديث الواردة في الصحيحين ؟ وما هي مبررات ردها ؟ وهل القصد هو تنقية “السنة النبوية” مما يعتبر شاذا عن تعاليم الاسلام العليا ومقاصده الكبرى ومبادئه السامية؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تواصل موقع “لكم” مع الباحث إدريس جنداري وعبد الله الجباري الباحث في الدراسات الإسلامية، ومحمد ابن الأزرق الأنجري خريج دار الحديث، كما نشير إلى أننا تواصلنا مع اللجنة المشرفة على المنصة، ومع المجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة أصيلة، لكنهما فضلا عدم التفاعل مع معنا رغم التأكد من التوصل بأسئلة الموقع، إلا أن مجموعة من العلماء المنتمين للمجالس العلمية المحلية أحالونا على بعض ما جاء في المنصة طالبين منا عدم ذكر أسمائهم.
عشرة آلاف حديث
حسب ما جاء في المنصة فإنها تحتوي على أزيد من 10000 حديث نبوي شريف بمختلف مراتبه الصحيح والحسن والضعيف وكذلك الموضوع للتحذير من نسبته إلي النبي محمد.
وتقول المنصة، إنها وٌضعت بغاية تمكين المهتمين من معرفة الأحاديث النبوية وتبين درجاتها من الثبوت وعدمه، وقد اعتمد في تخريج الأحاديث على الشرط المغربي وأعطيت الأولوية لمصادر الغرب الإسلامي.
وأوكل هذا الأمر إلى لجنة علمية متخصصة بإنشاء المنصة وجمع متون أهم الأعمال الحديثية المغربية الجامعة لجمهور سنن النبي المحتج بها في الموطأ للإمام مالك بن أنس، وصحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم وكتب السنن الأربعة المعتمدة ومسند الإمام أحمد.
وتتكون اللجنة العلمية للمنصة من مجموعة من العلماء والأساتذة يتقدمهم، إدريس بن الضاوية الذي اعتبره مجموعة من الباحثين الذين تحدثوا مع موقع “لكم” في سياق الإعداد لهذا التقرير بمثابة “أمير علماء الحديث” ليس في المغرب فقط بل أيضا على مستوى العالم الإسلامي، بالإضافة إلى محمد مشان ومحمد بنكيران والمصطفى زمهنى وتوفيق الغلبزوري وإدريس الخرشافي ومحمد ناصيري فضلا عن عنصر نسائي وهي زينب أبو علي، وساعد في الاشتغال حسب ما أعلنته المنصة عدد من الأئمة المرشدين والمرشدات يزيد عددهم عن مائة.
سياق تأسيس المنصة
اعتبر الباحث إدريس جنداري، أن تأسيس منصة محمد السادس للحديث النبوي جاء في ظل تحديات جمة يواجهها الخطاب الديني، عبر العالم، سواء من خلال توظيفه، سياسيا، من طرف الجماعات الدينية المتطرفة لزعزعة الأمن والاستقرار، أو من خلال الحرب الإيديولوجية الطاحنة التي تقودها حركات الإلحاد الديني التي تشكك في القيم الدينية و تناضل من أجل عصر بلا دين.
وأضاف الباحث في تصريح لموقع “لكم”، أن المغرب كان دائما سباقا لتدشين مبادرات تنسجم مع خطه الوسطي الاعتدالي، فبقدر ما يرفض المغاربة التطرف الديني و يحاربونه بجميع الوسائل المتاحة، فالمغاربة كذلك يرفضون إيديولوجيا الإلحاد الديني، و يعبرون عن الالتزام العقلاني بقيمهم الدينية الإسلامية التي يعتبرونها جزءا من نظامهم المعرفي.
و أشار جنداري، إلى أن المغرب عبر في هذا السياق، عن الالتزام الكامل بحماية المقومات الأساسية للدين الإسلامي، قرآنا وسنة، فأنشأ لذلك معهدا يحمل قيمة أكاديمية سامية ( مؤسسة دار الحديث الحسنية) و أسس لمنظومة إعلامية دينية متطورة، إذاعيا (إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم) و تلفزيا (قناة السادسة)، و الآن تم ولوج العالم الافتراضي عبر (منصة محمد السادس للحديث الشريف).
مأسسة الحقل الديني
علاقة بتأسيس المنصة بالسياسة الدينية التي ينهجها المغرب، قال إدريس جنداري، إنه ومنذ أحداث 16 ماي 2003 ركزت الدولة المغربية على مأسسة الحقل الديني عبر الخروج من تقليد سائد يمنح العلماء حرية كاملة في الوعظ و الإرشاد والتأطير، مبرزا أن هذا التحول نتج عنه وضع جديد حيث أصبحت وزارة الأوقاف، عبر مجالسها العلمية، هي المسؤول عن أداء هذه المهمة بالتنسيق، طبعا، مع العلماء لكن ضمن خط و منهج متفق عليه مسبقا.
وزاد أن هذا الوضع تم تكريسه دستوريا من خلال المجلس العلمي الأعلى الذي أنيطت به مهمه تأطير وتأهيل الحقل الديني، مؤكدا على أن هذا البناء المؤسساتي الرصين قادر، بالضرورة، على أداء المهمة المنوطة به، و لا يجادل في ذلك إلا مؤدلج أو متسرع.
أسباب الحجب
وقبل أن نعرض بعض الأمثلة من الأحاديث التي تجاهلتها المنصة رغم ورودها في الصحيحين، نورد مبررات اللجنة العلمية المشرفة، حيث قالت أنها قامت بـ “حجب أحاديث قد تكون موضوع سؤال أو محل استفسار، وثق رواتها، واتصل إسنادها، لما تبين لها قوة إشكال ظاهرها، أو ضعف معانيها ومراميها، أو شذوذ مؤثر لائح فيها”.
وأبرزت اللجنة المشار إليها، أنه “لا يجوز أن تخالف الرواية في مقصودها ما لا يجوز خلافه مثل: صريح القرآن، أو صحيح السنة، أو مستند العمل المتوارث، أو مسلمات التاريخ المتناقل، أو موجبات العقل الصريح، أو فصيح اللغة والبيان المليح، أو ما كان عليه الواقع الذي ظهرت فيه. لحصول الاتفاق على وجوب رد كل ما ورد مباينا لهذه الأصول، مضادا لمقتضى مسلمات العقول”.
يقول محمد ابن الأزرق الأنجري، المتخصص في علوم الحديث، إن “منصة محمد السادس للحديث الشريف” تعمدت إسقاط عشرات أحاديث الصحيحين على الرغم من صحتها عند المحدثين القدامى والمعاصرين، مبرزا أن هذا أمر عظيم بالنظر لهيبة الصحيحين عند كافة الطائفة السنية بجميع مذاهبها ومدارسها.
وأضاف الأنجري في تصريح لموقع “لكم”، لقد أسقطت المنصة كل الأحاديث المحرضة على التطرف والإرهاب مثل حديث البخاري: “من بدل دينه فاقتلوه” وحديث مسلم: “لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام.. “، وكذلك الأحاديث المشوهة لصورة النبي مثل حديث السحر المتفق عليه بين الصحيحين، وكذلك الأحاديث الحاطة من كرامة المرأة.
من الأحاديث أيضا التي تجاهلتها المنصة، وبشكل مثير،“أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً، فأتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهي تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلى أَصْحَابِهِ، فَقالَ: إنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شيطَانٍ، وَتُدْبِرُ في صُورَةِ شيطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ؛ فإنَّ ذلكَ يَرُدُّ ما في نَفْسِهِ. [وفي رواية]: لمْ يَذْكُرْ: تُدْبِرُ في صُورَةِ شيطَانٍ. رواه مسلم.
وأيضا حديث رواه أبو هريرة، وهو متفق عليه بين الصحيحين “البخاري ومسلم”، وجعل الخيانة الزوجية في المرأة ورثته من حواء “لولا بَنو إسرائيلَ لم يَخنَزِ اللَّحمُ، ولولا حَوَّاءُ لم تَخُنْ أُنْثى زَوجَها الدَّهرَ”.
اختلاف الإمامين
وفي هذا الصدد، دعا الأنجري، إلى “التفريق بين السنة النبوية التي نعظمها ونحترمها، وبين الرواية والخبر”، مشيرا إلى أن إثبات الحديث إلى الرسول هنا المشكل، متسائلا “إذا وجدنا حديثا في الصحيحين، لا يعني أنه صحيح، لأنه لا يكفي أن تجد حديثا في البخاري أو مسلم أو موطأ الإمام مالك لنقول إنه صحيح لتلزمني به وأصدقه”، مضيفا أن البخاري نفسه قال بأن ما جاء في كتابه يراه صحيحا حسب اجتهاده وشروطه، وكذلك مسلم.
أكثر من هذا يضيف الأنجري، ومما يعرفه علماء الشريعة أن الإمام البخاري ضَعَّف مجموعة من الأحاديث الواردة في صحيح مسلم، مشيرا إلى أن هناك حوالي 200 حديث في صحيح مسلم لم ترتق إلى الشروط التي وضعها البخاري، والعكس صحيح، فالإمام مسلم ضعَّف أيضا بعض الأحاديث المتواجدة في صحيح البخاري، بحيث أن هناك حوالي 100 حديث لم تتوفر فيها شروط الإمام مسلم لذلك تجنبها وتحاشاها، مبرزا أن لكل عالم شروط، لدرجة أن الإمام مالك كان يرد كل حديث يخالف عمل أهل المدينة.
بالإضافة إلى التكوين العلمي الأكاديمي، يؤكد الأنجري، “المفروض في المتخصص أيضا التوفر على الشجاعة لإبراز المواقف من مجموعة من الأحاديث الواردة في صحيح البخاري وصحيح مسلم، لأن هناك متخصصين رغم وصولهم إلى أن هناك مجموعة من الأحاديث الواردة في الصحيحين فيها مشكل ومع ذلك لا يستطيعون البوح بها، لأنهم يخافون على مصالحهم ومن أن يوصفوا بالزندقة أو حتى بالكفر، وبالضلال والابتداع، وبأنهم أعداء للسنة النبوية”.
ما مدى قبول “الصحيحين”؟
اعتبر الباحث الأنجري ، أن شخصية البخاري اختلف فيها علماء عصره، مشيرا إلى أن هناك علماء كبار كانوا في زمن البخاري جرَّحوه وطعنوا فيه، حتى أن شيخه وأستاذه محمد بن يحيى الذهلي الذي كان إمام عصره في الحديث، غضب عليه عندما اطلع على كتابه الجامع الصحيح، واعتبر عمله مخالفا للسنة، ومن جملة المخالفات التي ارتكبها البخاري أنه كفر الإمام أبي حنيفة، مؤسس المذهب الحنفي.
وحول المقولة الرائجة وسط أهل العلم من كون الأمة قد تلقت الصحيحين بالقبول، قال الأنجري : “عندما يقولون هذا الكلام فإنهم يكذبون”، معتبرا إياها دعاية غير صحيحة، المالكية ضعَّفوا عشرات الأحاديث الموجودة في الصحيحين، نفس الأمر بالنسبة للحنابلة والحنفية والشافعية، كل المذاهب السنية إلا وردت وضعَّفت بعض الأحاديث الموجودة في صحيحي البخاري ومسلم، وألفت في ذلك الكتب، بالإضافة إلى أنه وفي كل عصر كان يظهر عالم أو علماء من السنة يضعِّفون بعض الأحاديث الواردة في الصحيحين، فابن حزم الأندلسي مثلا ضعَّف مجموعة من الأحاديث في الصحيحين، بل حكم على بعضها بأنها موضوعة، حسب قول الأنجري.
المنصة علمية أكثر من غيرها
أما بالنسبة لعبد الله الجباري وهو باحث أكاديمي، فقد اعتبر أن هذه المنصة لها سياق عام، فكثير من الجهات رسمية أو الأهلية أنشأت منصات حول القرآن الكريم أو الحديث النبوي أو علوم شرعية أخرى، وفي هذا السياق جاءت “منصة محمد السادس للحديث النبوي”، مبرزا أنها تفوقت على نظيراتها في الشق العلمي، حيث كانت علمية أكثر من غيرها.
ومما يدل على ذلك، يضيف الجباري في تصريح لموقع “لكم”، أن بعض المنصات المختصة في الحديث النبوي “لا نكاد نجد فيها إلا حكم شيخ واحد من علماء الحديث، وهو الشيخ الألباني، وأحاديث المنصة دائما ما تليها عبارات من قبيل: صححه الألباني، ضعَّفه الألباني، حسَّنه الألباني … وكأننا لا نجد في تاريخ علم الحديث إلا أحكام الألباني، أما منصة محمد السادس فالتزمت ذكر أحكام حديثية لعلماء متعددين، كالسخاوي وابن حجر وابن القطان والعراقي، أو بعض العلماء المعاصرين كأحمد بن الصديق الغماري المغربي، وهذا التنوع يستبطن بعدا بيداغوجيا يبين لرواد المنصة أن علم الحديث فيه متخصصون كثر، وليس عندنا عالم واحد”.
حول إقصاء بعض الأحاديث
في تصريح لموقع “لكم”، اعتبر عبد الله الجباري أن “هذه النقطة أسالت مدادا كثيرا، وراج في وسائل التواصل الاجتماعي أن المنصة لم تدرج بعض الأحاديث رغم وجودها في الصحيحين، مشيرا إلى أنه لا وجود لكتاب يستوعب جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وجود أيضا لمنصة تستوعب جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مؤكدا على أن عدم الاستيعاب قاسم مشترك بين جميع الكتب وجميع المنصات، هذا من الناحية النظرية”.
أما ما أثير من كلام حول الانتقاء، يضيف الباحث، ” أما الانتقاء وعدم إدراج جميع الأحاديث هو منهج العلماء المتقدمين والمتأخرين، منهم من مارس الانتقاء عن حسن نية، لأنه لم يقصد الاستيعاب ابتداءً، ومنهم من مارس الانتقاء لتحقيق هدف آخر”، مضيفا، “يعدُّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أوضح مثال على منهج الانتقاء، وهو الإمام الذي اشتهر بتحفظه الشديد على الأحاديث النبوية التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعض الإشارات وبعض العبارات الدالة على مثالب بعض الصحابة، مثل معاوية بن أبي سفيان وأصحابه البغاة الطلقاء، وكان الإمام أحمد يسمي هذه الأحاديث بـ: الأحاديث الرديئة، مبرزا أن هذه العبارة فيها سوء أدب مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحق لمسلم كيفما كان أن يصف بالرداءة حديثا صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم”.
وزاد الجباري: “نعم، يمكن أن ننعته حسب طريقة وصوله إلينا بكونه ضعيفا أو موضوعا، أما الوصف بالرداءة فسوء أدب. والإمام أحمد كان – إضافة إلى هذا التوصيف – يقصي هذه الأحاديث ويصفها بلفظ بذيء” ، ويضيف الجباري متسائلا: “فمن الأولى بالإنكار والانتقاد، أمنصة محمد السادس؟ أم الإمام أحمد؟ لكننا وجدنا أغلب المعلقين مبجلين ومعظمين للإمام أحمد ومنتقدين وطاعنين في المنصة، وهذا لوحده دليل على اللاموضوعية وعدم الإنصاف”.
وأوضح الجباري، أن “الإمام أحمد لم يكتفي بوصف الأحاديث النبوية المحذرة من البغاة بذلك الوصف، بل دعا إلى هجر من يجمع تلك الأحاديث، وقال بأنه يستحق الرجم”، وقال بصريح العبارة: “إني أضرب على الحديث الذي فيه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، وهذه العبارة تعني إقصاءه لتلك الأحاديث وعدم إيرادها في كتبه وفي مجالسه، وهذا الإقصاء هو نفس الانتقاء الذي وُصفت به المنصة إذا افترضنا أنها مارست ذلك بنية مسبقة، وإذا ثبت أنها مارست ذلك بطريقة عمدية فالمنصة والإمام أحمد سواء، لكن المنصة أفضل من الإمام أحمد، لأنها لم تسئ الأدب مع الحديث ولم تصفه بأوصاف قدحية”، على حد تعبير الجباري.
وأشار المتحدث، إلى أن “هذا المنهج الحنبلي مارسه الإمام أحمد منذ بداياته حين كان يذهب لحضور مجالس سماع الإمام عبد الرزاق الصنعاني، فإنه كان يعتزل المجلس حين يصل الإمام الصنعاني إلى أحاديث مثالب الصحابة البغاة والطلقاء الذين يُفْتَنون ويغيرون بعد النبي صلى الله عليه وسلم، متسائلا، فلماذا لا ينتقد هؤلاء الطاعنون في المنصة الإمامَ أحمد؟”.
صرامة منهجية
من جهته، اعتبر عبد الله الجباري، أن “المنصة التزمت صرامة منهجية، فهي تذكر الحديث النبوي أولا، ثم الراوي ثانيا، ثم مصدره ثالثا، وهي المصنفات الأصيلة كالصحيحين والمصنف لابن أبي شيبة أو عبد الرزاق والمسند الحنبلي والسنن الأربعة، ثم تشفع ذلك بحكم الحديث صحة أو حسنا أو ضعفا، ثم تذكر مصدر ذلك الحكم، وهذا المصدر هو في الغالب لكتب التخريج أو الشروح، كفتح الباري والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر، ونصب الراية للحافظ الزيلعي، والمقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، هذا هو المنهج المتبع من قبل المنصة”.
وأبرز الباحث، أن “هناك أحاديث اختلفت أنظار المحدثين حولها، أو هناك متون رويت بأسانيد مختلفة، بعضها صحيح والآخر غير ذلك، فإن المنصة تذكر المتن في موضعين، لأن الخانة الخاصة بذكر الحكم ومصدره لا تسع ذكر حكمين اثنين، فظن البعض أن أصحاب المنصة وقعوا في التناقض والاضطراب، والأمر بخلاف ذلك”.
حول اليهود والنصارى
حول هذا الموضوع يقول الجباري لموقع “لكم”، “ادعى البعض أن المنصة تعمدت عدم ذكر الأحاديث التي ذكرت اليهود والنصارى في سياق الذم، وهنا نقر بأن بعض الأحاديث ذات الصلة بما ذُكر قد أغفلتها المنصة، ولعلها تعاملت معها بنفس طريقة الإمام أحمد، لكنها لم تتجنبهم بإطلاق، بدليل أنها تضمنت أحاديث ذكرت اليهود مثل الأحاديث رقم: 240 – 6023 – 6396”.
هل يتعلق الأمر بمراجعة؟
سؤال طرحناه، ونحن نعد التقرير على مجموعة من الباحثين، وفي هذا المضمار، قال عبد الله الجباري إنه لا يرى ذلك، لأنه حسبه لم يستشفه من هذه المنصة، كما أن “أصحابها والمشرفين عليها لم يذكروا أنها مندرجة في هذا السياق، مؤكدا على أن وزارة الأوقاف لم يسبق لها أن تبنت هذا المشروع، بدليل أنها مازالت تنشر كتب التراث المالكي بعد تحقيقها من قبل باحثين، مع ما في تلك الكتب من أقوال وأحكام بعيدة جدا عن مشاريع الحداثة والتجديد والاجتهاد”.
أما الباحث الأنجري، فقد قال إنه “تم إنشاء المنصة لتسهيل عرض الأحاديث النبوية على المهتمين المغاربة نظرا لكثرتها وتشعب مصادرها وفقدان الكتاب للإقبال الكبير الذي كان يعرفه من قبل، لكن أيضا بقصد ) تنقية السنة النبوية( مما يعتبر شاذا عن تعاليم الإسلام العليا ومقاصده الكبرى ومبادئه السامية”.
وأضاف الأنجري” لقد نادينا من قبل إلى ضرورة مراجعة أحاديث الصحيحين خاصة، بل باشرنا ذلك عمليا من خلال مقالات مفصلة، ثم جاءت المنصة بهذه الخطوة العظيمة لتؤكد صواب طريقنا، فكانت أشرف جائزة وأقدس شهادة تدفعنا لمزيد من المراجعة والنقد والنقض”.
وخلص الأنجري، إلى أن “العملية جاءت استجابة للتوجيهات الملكية التي تضمنتها الرسالة الموجهة لمؤتمر ديني بمدينة مراكش، حيث دعا الملك إلى مراجعة الأحاديث التي يعتمدها المتطرفون خاصة والمسيئون للإسلام ورموزه ومقدساته عامة”، مبرزا أن “الرسالة الملكية كانت حافزا ليتشجع العلماء المشرفون على المنصة فيتجنبوا معظم الأحاديث التي سبق انتقادها وتضعيفها من قبل جماعة من الباحثين”.