عادت قضية “البيعة” في الانتماء للتنظيمات الإسلامية المغربية لتعود من جديد إلى الواجهة، بعد إثارتها بشكل فاجأ العديد من المراقبين من طرف أحد الأعضاء البارزين داخل حركة التوحيد والإصلاح في نص الاستقالة التي وجهها يوم 8 نونبر الجاري لمسؤول حزب العدالة والتنمية بمدينة طنجة، حيث كان يشغل عضوا ملحقا بكتابتها الإقليمية .

وبغض النظر عن أسباب استقالة امحمد جبرون من حزب “العدالة والتنمية” وفي هذا الوقت بالذات، فإن إثارة مسألة “البيعة” في النص، ومن طرف عضو محسوب على الفئة المثقفة داخل حركة “التوحيد والإصلاح” وأحد المفكرين البارزين داخلها، حيث سبق له أن توج بمجموعة من الجوائز وطنيا وعربيا، خلف ردود أفعال قوية، وجدلا لا يبدو أنه سينتهي على هذا المستوى، سواء على المستوى القيادة أو القاعدة، ظهر ذلك جليا من خلال صفحات موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، وكذلك تصريحات بعض رموز الحركة .

جبرون: الانتماء كان يقتضي “بيعة” ولا يتم فقط من خلال تعبئة أوراق

وبالعودة إلى نص الاستقالة كتب محمد جبرون  عبارات مثيرة “لقد انتميت لهذا المشروع وأنا تلميذ أواخر الثمانينيات، وبشكل قانوني يوم 01/01/1992م بين يدي الداعية الفاضل الكبير الأستاذ عبد الله شبابو، وكان الانتماء آنذاك يقتضي (بيعة) وألفاظا خاصة، ولا يتم فقط من خلال تعبئة أوراق”، وأضاف جبرون “ومن العبارات التي أذكرها في هذا السياق والتي رددناها بين يدي الأستاذ عبد الله، ونحن نؤدي طقوس البيعة للحركة آنذاك: (وعيا مني بمسؤولياتي الحضارية…) “.

وأكد جبرون في استقالته من حزب “العدالة والتنمية” أن “هذا الوعي بالمسؤولية الحضارية والدينية جعلني لا أتردد في التضحية لصالح هذا المشروع بالغالي والنفيس، والاستعداد للقضاء في طريقه، كنا مستعدين للموت والاعتقال، وعاكسنا في هذا الطريق كل محبينا من المقربين، ومنهم الأب والأم، والكثير من أفراد العائلة، الذين كانوا يرون في هذا الانتماء كلفة لا نتحملها”.

وتابع “لقد سافرنا كثيرا، وجُعنا، وعِشنا الخصاصة، وأدَّينا من مالنا ونحن فقراء ..فرطنا في أهلنا، وعائلاتنا كثيرا، وعرضناها أكثر من مرة للمخاطر.. كدتُ أن ألقى حتفي في إحدى المرات في حادثة سير خطيرة في هذا الدرب يعرف تفاصيلها كل المقربين.. كنا مستعدين للموت من أجل (الأستاذ بن كيران) في أيام لا يذكرها هو بالتأكيد، ولا يعرف تفاصيلها من حوله اليوم، وكنا مكلفين بحمايته.. وأنا غض طري”، مشيرا إلى أنه لم يندم يوما على هذه التضحيات، واعتبرها بمقتضى عملي لتلك الكلمة البريئة “وعيا مني بمسؤولياتي الحضارية”.

شيخي : ما تحدث عنه جبرون يرجع الى وقت سابق

وفي أول رد فعل لحركة “التوحيد والإصلاح” على حديث جبرون عن اشتراط طقوس “البيعة” في الانتماء إليها، نفى عبر الرحيم شيخي، رئيس الحركة في تصريح نشره موقع تنظيمه على الأنترنيت، أن تكون حركته قد اشترطت في أي وقت من الأوقات “بيعة” لدخولها .

وقال شيخي: “حركة (التوحيد والإصلاح) لم تشترط في أي يوم من الأيام البيعة على أحد لدخولها، وما تحدث عنه الاستاذ جبرون يرجع الى وقت سابق عن تأسيس حركة (التوحيد والإصلاح) فيسأل عنه”.

وأضاف شيخي “بالنسبة لي شخصيا وطيلة مساري الدعوي الذي بدأ منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، فإنه لم يشترط علي أي تنظيم من التنظيمات البيعة لدخوله سواء ما عرف بتنظيم “التبين” الذي اصبح فيما بعد”جمعية الشروق الاسلامية” أو “رابطة المستقبل الاسلامي” أو “حركة التوحيد والإصلاح” حاليا”.

خرجة غير متوقعة لأحد أبرز مؤسسي “التوحيد والإصلاح”

من المفاجآت التي حدثت بعد إثارة جبرون لهذه القضية، هو خروج الأستاذ عبد الله اشبابو أحد مؤسسي العمل الإسلامي بالشمال إلى الواجهة بعد سنوات طويلة من الظل، ونشره لتوضيح قال فيه إنه لا علم له بها أبدا .

وفي هذا الصدد قال اشبابو “ما ذكره الأخ الكريم (يقصد جبرون) عن “الطقوس” و”البيعة” لا علم لي به أبدا، ولا أذكر أنني ـ طيلة مسؤوليتي التنظيمية في الحركة منذ انفصال رافدها “جمعية الجماعة الإسلامية عن “الشبيبة الاسلامية” سنه 1983 قد اشترطت على أحد عند عرض العضوية عليه تقديم البيعة لأحد، ولا كان عرض العضوية على الأفراد يجري في إطار طقوس معينة، بل كان يعتمد على التعريف بالحركة و مبادئها وأهدافها ، ويجري في لقاء عادي لهذا الغرض مع المتعاطفين، بعد اجتيازهم مرحلة تربوية يكونون قد تلقوا فيها دروسا ومواعظ في العقيدة والعبادات والأخلاق والسيرة النبوية، وأبدوا استعدادهم للانضمام”، وأضاف اشبابو موضحا بخصوص انتماء التلاميذ “كان لا يعرض عليهم الانضمام إلى الحركة إلا بعد بلوغ سن الرشد”.

 وأكد اشبابو في توضيحه على أنه وجميع من عرفهم من مسؤولي الحركة لم يسبق لهم أن تداولوا مفهوم “البيعة” في الجلسات التربوية واللقاءات التنظيمية وعند عرض العضوية منذ تقلدهم المسؤولية، مشيرا إلى أن الحركة قطعت منذ سنة 1983 مع أي مفهوم أو مصطلح تربوي أو تنظيمي قابل للتأويل المغرض، وعلى ذلك الأساس، ـ يقول المتحدث ـ غيرت اسمها ـ قبل الوحدة المباركة ـ من اسم ” جمعية الجماعة الاسلامية ” الى “حركة الاصلاح والتجديد” سنة 1992، وظلت تراجع وثائقها باستمرار منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا.

جبرون: رفعا للالتباس هذا ما أعنيه بمسألة “البيعة” في الانتماء للحركة

هذه التعليقات والتصريحات دفعت جبرون لإصدار توضيح عنونه “رفعا للالتباس وللدقة”، جاء فيه  “قرأت تصريح رئيس حركة التوحيد والإصلاح فيما يتعلق بمسألة البيعة في الانتماء للحركة، وللتوضيح أقول، إن الذي قرأ نص الاستقالة، ويفهم في أدوات الترقيم والرموز، أنه عندما نضع كلمة أو جملة بين مزدوجتين، فإننا نلفت انتباه القارئ إلى معنى غير معناها الأصلي”.

 وقال في ذات التوضيح المقتضب “البيعة كما استعملتها في نص الاستقالة وضعتها بين مزدوجتين، وتعني تعهدا، والتزاما، لا يكتفى فيه بتعبئة أوراق أو التعبير عن النية بل كان مطلوبا منا فيه التصريح..، وهذا ما كنا نفعله، وهذا ما قصدته، ولهذا أنا لم أختلق شيئا..”.

أما بخصوص قضية الطقوس الخاصة التي أوردها في نص الاستقالة فقال جبرون إنه “يعني بها جلسة خاصة، لها روح خاصة، وأجواء خاصة، كنا نتناوب فيها على الكلام والتعبير عن انتمائنا للحركة..”، مؤكدا على أن “هذه تجربتي، لا أعممها، ولا ألزم بها أحدا، ولا داعي للتأويل البعيد، والخروج بالنص عن سياقه، وتحميله أكثر مما يحتمل”.