تقرير أمريكي عن حالة العالم في 2035: عودة خط الفقر إلى التصاعد في شمال إفريقيا وظهور فيروس فتاك في السعودية
في عام 2017، رفعت وكالة المخابرات الأمريكية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقريرا حول حالة العام عام 2035، تضمن استشراف جهاز المخابرات الأمريكية للعالم بعد 18 عشر سنة من كتابة تقريرهم.
وبالرغم من أن التقرير لم يتوقع الأزمة العالمية الحالية التي فاجأت الجميع، وجعلت مضامين هذا التقرير تبدو متجاوزة، إلا أن أهميته تكمن في تصور العقل الاستخباراتي الأمريكي للعالم بعد عقدين من الزمن، ولا يهم سواء كان هذا التصور صحيحا أم خاطئا، إلا أنه يقربنا أكثر من طريقة تفكير الأمريكيين في مستقبل العالم كما يحبون أن يروه.
في هذا الجزء الذي ترجمع موقع “لكم” فصل مخصص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وفيه إشارة خاطفة إلى المغرب على اعتبار أنه من الدول التي سيعود خط الفقر فيه إلى التصاعد بعدما شهد انخفاظا طفيفا في بداية الألفية الحالية.
وفيما يلي ترجمة حرفية لنص التقرير.
على مدى السنوات الخمس المقبلة، ستعيش المنطقة أزمات سياسية، مع تزايد مطالب السكان في مواجهة النخب الدائمة والمنفصلة هموم الناس وسوف تستمر الحروب الأهلية وبالوكالة في العديد من الدول الفاشلة. ومن المرجح أن تشتعل الصراعات داخل الجماعات الدينية والسياسية عندما يقوض انخفاض أسعار الطاقة كل المؤسسات.
ومن شأن هذه الصراعات أن تؤجج التنافس من أجل الهيمنة بين إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل وربما مصر، وأن تجر إليها الصين وروسيا والولايات المتحدة. وستزداد الصعوبات الاجتماعية – الاقتصادية سوءا. ويمكن للتوترات الموروثة من الأنظمة الاستبدادية والقمعية أن تحيي المطالبة بتمثيل سياسي أفضل لدى بعض المجموعات العرقية، مثل الأكراد.
توقف فترة تراجع الفقر وتحرر الأفراد
وتتمثل التحديات الرئيسية في هذه المنطقة في تحفيز النمو وتهيئة الظروف السياسية والفرص الاقتصادية التي تستجيب لمطالب الشباب في سن العمل.
ومع ذلك، إذا كان ذلك لا يتلاءم مع المعتقدات التقليدية ولا يأخذ في الاعتبار إمكانيات الشباب، فإن الإهانات وغياب العدالة سيظلان يغذيا اليأس وفي أقصى الحالات سيؤدي انتهاك الكرامة إلى التطرف الديني، خاصة وأنه غالباً ما ينتشر بالتوازي مع العلمنة التي يشهدها العالم العربي من خلال العولمة والسياسات العامة الغربية والشبكات الاجتماعية التي يعتبرها المؤمنون التقليديون مسيئة لمعتقداتهم .
وقد أدت الاضطرابات التي شهدتها السنوات الأخيرة إلى توقف فترة تراجع الفقر وتحرر الأفراد. ومنذ عام 1987، انخفض الفقر تدريجياً في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في الجزائر والأردن والمغرب ومصر، حيث انتقلت نسبة السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر من 12 إلى 2 في المائة بين عامي 1981 و2005.
ومنذ ذلك الحين، أدت الاضطرابات دون شك إلى تباطؤ هذا التحول أو ربما تراجعه. كما خفضت إيران الفقر ووسعت طبقاتها المتوسطة وزادت معدلات التعليم منذ عام 1979. وبدون المساعدة، فإن البلدان الأقل سوءا ً، مثل لبنان والأردن على وجه الخصوص، والتي تحتضن أعدادا كبيرة من اللاجئين، ستشهد أيضاً تراجعا في هذا التحسن، مع ضغوطات تدفق اللاجئين على النظم الصحية و على موارد الميزانية المحدودة أصلاً. ومن ناحية أخرى، فإن انخفاض أسعار النفط يضغط على ميزانيات دول الخليج، مما يحد من قدرتها على إنقاذ الدول الاستراتيجية مثل مصر والمساعدات التي تقدمها لبلدان أخرى.
لقد حالت الثورات والثورات المضادة في مصر، والحروب الأهلية في العراق وليبيا وسوريا واليمن، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، دون انطلاق ديناميكية نمو محلية في المنطقة، حيث أن هذه الاضطرابات قد ألغت أي محاولة جادة للانتعاش الاقتصادي والسياسي.
كما أن التدبير التقليدي للتذمر الاجتماعي من خلال الإعانات وغيرها من المدفوعات النقدية، الممولة من الريع النفطي والمعونة الدولية، لم يعد يشتغل جيدا. وأسعار النفط انخفضت كثيرا وأصبحت أقل من مستويات عام 2014 وليس لديها أي احتمال حقيقي للانتعاش. وبعد عقد من فائض رأس المال (الذي استفادت منه بعض الدول غير النفطية في شكل مساعدات)، ومن الاستثمارات المرتفعة والتحويلات المالية، ستعاني المنطقة من عجز مالي هائل.
ستعتمد دول الخليج النفطية الغنية وهي دول مجلس التعاون الخليجي على احتياطاتها لدعم الطلب المحلي، ولكنها ستقلل من مساعدة الأخرين ، ومع مجهودات المنتجين المتوسطين مثل الجزائر والعراق لشراء السلام الاجتماعي، سيزداد احتمال قمع المعارضين والمتظاهرين. وستشهد مصر والأردن ولبنان، المحرومة من سخاء الخليج، تدهوراً في أوضاعها الاقتصادية وزيادة خطر عدم الاستقرار. هناك بلدان في المنطقة لاهما عربيان ولا هما نفطيان هما إسرائيل وتركيا وقد تفلتا من هذه التوترات، لكن اقتصادهما وعلاقاتهما بالمنطقة غير كافية لدفع عجلة النمو.
ونظرا لأوجه القصور في المؤسسات المركزية، فإن الأفراد وخاصة القبائل، التي ستسعى للتنظيم والتعبئة على المستوى دون الوطني، ستحتل مكانا أكثر أهمية في المشهد العامة. قد يشير إنشاء مجالس محلية وبلدية في كل من سوريا وليبيا وهما بلدان مزقتهما الحرب الأهلية إلى هذا التحول.
الصورة الجيوسياسية للمنطقة للسنوات الخمس المقبلة: العدوى والتنافس، ومن المرجح أن يستمر العنف الواسع النطاق والحروب الأهلية والفراغات المؤسسية والأزمات الإنسانية لعدة سنوات، وسيكون احتمال إحراز تقدم نحو إبرام اتفاق أمني محدودا في أحسن الأحوال. هذا الجزء من العالم سيعيش تحولات كبرى بتدخل أطراف حكومية وغير حكومية تسعى إلى الحصول على مزايا سياسية واستراتيجية في خدمة طائفتها، ولكنها أيضاً تسعى إلى تغيير سلوك وآراء المؤمنين الآخرين على نطاق أوسع.
إن شدة العنف في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية قد تؤدي إلى مزيد من تفتيت المنطقة (من خلال خلق ظروف سياسية واقتصادية مختلفة ومتناقضة بين الخليج وبلاد الشام والمغرب الكبير) وقد يتسرب عدم الاستقرار نحو ى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا وجنوب وسط آسيا وشرق آسيا عبر الحركات الإسلامية المتطرفة العابرة للحدود.
والمنطقة معرضة بشكل خاص للإجهاد المائي والتوترات المحلية والوطنية وعبر الوطنية الناجمة عن مشاكل الحصول على مياه الشرب المأمونة. كما يمكن لأغنى البلدان التي توجد بها محطات لتحلية المياه أن ترى حياتها مهددة إذا وقع تدمير هذه المحطات .
ومع أنه من غير المرجح معالجة علل المنطقة، ستزداد الأزمات الإنسانية واضطهاد المدنيين، مما يزيد من تقويض القانون الدولي لحقوق الإنسان والصراعات الدولية. إن الدعاية الصاخبة التي يطلقها الغرب للترويج لهذه المبادئ، دون تجسيدها بما فيه الكفاية، تسيئ إلى صورته أكثر في نظر الرأي العام العربي.
وبما أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر شريكاً موثوقاً به (منحها الأولوية للقارة الآسيوية ورفضها دعم الرئيس حسني مبارك وغيره من القادة العرب في عام 2011)، فقد أصبح المجال مفتوحا للمنافسة الجيوسياسية مع روسيا والصين، في حين تتوخى الدول العربية الحذر بشأن التزامات واشنطن. ومع استمرار الصراعات، سيستمر تدفق اللاجئين، على الرغم من أنه سيتعين على بعضهم البحث عن وجهات أخرى غير أوروبا التي أصبحت أقل رغبة في استضافتهم.
مخاطر عدم الاستقرار ستزداد في مصر والجزائر والسعودية
وستحتفظ إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا في نهاية المطاف بالنفوذ مقارنة مع الجيران الذين يشكون من عدم الاستقرار. ولكن هذه البلدان سوف تختلف حول العديد من المواضيع، في حين أن الصعوبات الداخلية سوف تعوق الطموحات الإقليمية للبعض. وسيظل قوة إيران وطموحها النووي وعدوانيتها مصدر قلق لإسرائيل والمملكة العربية السعودية وإمارات الخليج. ومما يزيد من حدة هذه المخاوف التنافس المذهبي بين إيران والمملكة العربية السعودية، الذي انتشر في جميع أنحاء المنطقة من خلال الخطاب المهين والاتهامات المتبادلة.
ومن المؤكد أن مخاطر عدم الاستقرار في مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية ستزداد على المدى الطويل، لا سيما إذا ظلت أسعار النفط منخفضة. أطلقت الرياض حزمة من الإصلاحات، متواضعة اجتماعياً وسياسياً، وأكثر طموحاً في الاقتصاد. ويمكن أن تسعف هذه الجهود في خلق بعض الوظائف للشباب، ولكنها قد تأتي متأخرة جدا لتلبية توقعات السكان وسيكون تحقيق الأهداف أيضاً صعباً للغاية، وخاصة تحويل المملكة العربية السعودية إلى بديل منخفض التكلفة للبلدان الآسيوية الصاعدة والمصدرين الأفارقة ومنافساً للبلدان المتقدمة في مجال الخدمات. وأخيراً، فإن عدم اليقين يلقي بثقله على استدامتها بسبب عدم وضوح الخلافة على العرش بعد الملك سلمان.
إن الطلب على موارد الطاقة، وخاصة في البلدان الآسيوية، سيضمن للمنطقة اهتمام المجتمع الدولي والتزامه، ولكن القوى الأجنبية لن تكون لديها الإرادة ولا الوسائل اللازمة “لحل” مشاكلها العديدة. وسينجر البعض إلى صراعاتها مع احتمال إطالة أمد تلك الصراعات.
تشعر إسرائيل والمملكة العربية السعودية وبعض الممالك الخليجية بالقلق من أن إيران تنفق بعض الأموال التي يوفرها اتفاق فيينا بشأن السيطرة على برنامجها النووي لتمويل الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وعلى المدى الطويل، ستواصل هذه البلدان الخشية من سلوك طهران إذا ما رُفعت القيود المفروضة على أنشطتها النووية.
وسوف تتوتر العلاقات بين بلاد الفرس وجيرانها إذا استخدمت إيران فائض مواردها المالية والعسكرية لتأكيد هيمنتها في المنطقة بقوة، أو إذا كان جيرانها يخشون استئناف أنشطتها النووية العسكرية.
كما أن استئناف لعبة القوى العظمى مع عودة روسيا الى المنطقة ، وهو الهدف الذى سعى فلاديمير بوتين لتحقيقه منذ توليه السلطة في عام 2000، سوف يؤثر بشدة على الديناميكيات المحلية. إن الدعم المستمر من طرف الجيش والاستخبارات الروسية للسلطة في دمشق قد يدفع إلى انفتاح وشيك على حلفاء آخرين سابقين للاتحاد السوفياتي مثل العراق ومصر.
خطر الأزمات الإيكولوجية
اعتبارات أخرى:. من المرجح ألا يتضاءل الضغط الاقتصادي والديموغرافي الذي تجلى خلال “الربيع العربي”، بل قد يتفاقم إذا أدت الاضطرابات المطولة إلى هجرة كبيرة للأدمغة. إن بطالة الشباب (وهي مشكلة من المتوقع أن تستمر بالنظر إلى الهرم العمري) وضعف تنوع الاقتصاد، سيزيدان من إعاقة النمو وتحسين الظروف المعيشية وإدماج معظم البلدان في الاقتصاد العالمي.
وسيظل خطر الأزمات الإيكولوجية (الجفاف ودرجات الحرارة القصوى والتلوث) مرتفعا. وستصبح موارد مياه الشرب والأراضي الصالحة للزراعة أكثر ندرة نتيجة للتحضر والنمو السكاني وتغير المناخ. وقد أدى تحسين التدبير ورفع العقوبات إلى عودة النمو في إيران، ولكن ليس من المؤكد أن التحسن الاقتصادي سيؤدي إلى إصلاحات سياسية.
ومما لا شك فيه أن بروز جيْل ضائع من الشباب الذين عرفوا في طفولتهم الحرب والحرمان من التعليم والرعاية، سيوفر مرشحين جددا للتطرف. وسيؤدي عدم الاستقرار إلى الإضرار بوضع المرأة كما يتبين من ارتفاع حالات التهجم والتحرش في السنوات الأخيرة. إن النمو المنخفض وانعدام فرص العمل من العوامل التي ستؤدي إلى زيادة التطرف الهويّاتي.
لقد رفض الشباب العربي الذي استجوبتهم وكالة بورسون مارستيلر Burson-Marsteller في عام 2016 بمناسبة استطلاعها السنوي الثامن، وبأغلبية ساحقة، ظهور “داعش” الذي أعلن نفسه مبشرا بتأسيس “الدولة الإسلامية”، مع التأكيد أن غياب الشغل هو الدافع الرئيسي للتجنيد ضمن هذه الجماعة.
وفي ضوء هذه الديناميكية، فإن تزايد الاهتمام بمصير الضفة الغربية وقطاع غزة من شأنه أن يحفز السكان العرب. لقد أعادت الحرب الأهلية في سوريا وبروز “داعش” على الصفحات الأولى من وسائل الإعلام تنشيط تحركات اللاجئين الفلسطينيين والتعبير عن القلق من نقص المساعدات المالية لفلسطين. ووفقاً للدراسات المحلية، لا يزال سكان غزة بحاجة إلى 3.9 مليار دولار كمساعدات لإعادة الإعمار في أعقاب الحرب بين حماس وإسرائيل في عام 2014.
وتؤثر معاناتهم على جميع السكان العرب. ووفقاً لدراسة استقصائية أجراها المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية في عام 2011، فإن أكثر من 80% من المستجوبين البالغ عددهم 16,000 شخص إن القضية الفلسطينية قضية عربية وليست قضية فلسطينية فقط. وستظل مخاطر الأزمات البيئية، مثل الجفاف ودرجات الحرارة الشديدة والتلوث، مرتفعة. وقد أصبحت موارد الأراضي والمياه بالفعل في مستوى حرج ومن المرجح أن تتفاقم مع التحضر وآثار تغير المناخ.
في اليمن، لم يعد 80% من السكان يحصلون على مياه الشرب بسبب النزاع وأسعار المياه والبنية التحتية المتضررة. ومن المرجح أن تكون المياه المخزنة في ظروف سيئة ملوثة وتساعد على انتشار والملاريا وحمى الضنك والكوليرا.
وفي الأردن، أجبر تدفق اللاجئين السوريين الحكومة على ضخ المزيد من المياه الجوفية التي استنزفت كثيرا وستواجه مصر صعوبات في التزويد بالماء نظرا للأشغال على مستوى منابع نهر النيل، خاصة عندما تبدأ إثيوبيا في ملء خزان سد النهضة.
ويعتبر مؤشر التلوث في مدن المنطقة، بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية، من أكثر المؤشرات خطورة في العالم. وستتفاقم مشاكل الصحة العامة. وفي مصر، أصبح فيروس أنفلونزا الطيور الفتاك منتشرا ويشكل تهديدا لحياة الناس . منذ عام 2012، تقوم المملكة العربية السعودية بمكافحة فيروس كورونا لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-CoV ، الذي من شأنه أن يعرف طفرة محتملة ويصبح له مستوى مرتفع من العدوى. ومن شأن ظهور جديد لهذا الفيروس و انتشاره على نطاق واسع أن يؤدي إلى عدم الاستقرار.
سيناريو إيجابي
وعلى الرغم من كل هذه التوترات، فإن السيناريو الإيجابي، وإن كانت فرص احتماله ضئيلة ، يمكن أن يحدث إذا انتعشت أسواق النفط، وارتفعت الأسعار. في هذه الحالة قد تعتبر إيران والمملكة العربية السعودية أنه لا جدوى من الاستمرار في منافسة لزيادة حصتهما في السوق، وأن تخفف كل واحدة من حدة خطابها العدائي المستند للعامل الديني. وقد يؤدي تحسين العلاقات الثنائية إلى نزع فتيل الحروب بالوكالة وتيسير تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وهذا من شأنه أن يهيئ الظروف لبديل شعبي وبناء للأنظمة الاستبدادية أو داعش أو التطرف الإسلامي. ومن الممكن أن يؤدي النقاش العام الحقيقي والتنمية الاقتصادية وفقاً للمعايير الثقافية والدينية إلى التخفيف من الإحباطات التي أدت إلى الانتفاضات العربية في عام 2011.