قال الأنثربولوجي عبد الله حمودي إن المفكر محمد عابد الجابري كان دائما يأخذ مسافة من نساء ورجال الحكم بمفهومه الانتهازي، مشيرا أنه التقى به مرتين فقط واحدة في الدار البيضاء، وأخرى في “برينستون”.

وجاء كلام حمودي عن الجابري في  الندوة التي عقدتها مؤسسة “محمد عابد الجابري” يوم أمس الأحد، حول “سيناريوهات ما بعد كورونا..وطنيا وعربيا وعالميا”.

وقال حمودي إن الخروج من “الحجر الصحي” أمر مهم ويطرح عدة إشكاليات، لأن الخروج من الأزمات شيء يربك المجموعات البشرية والدول ولا يخلو من مآزق وانزلاقات.

وأشار حمودي أن السؤال المهم هو هل ستنتهي هذه الأزمة بإفراز أوضاع جديدة متجددة مع بعض القطيعة مع الماضي؟، وكيف يمكن أن نفكر بالتشكلات الجديدة للأشياء؟.

وفكك حمودي في مداخلته مفهوم “الما بعد” شارحا أنه عويص جدا، لأنه يطرح مشكل الزمان وهناك خلفيات فلسفية لهذا التصنيف، لكنه في العمق يتضمن مفهوم القطيعة والفاصل، وهذا الفاصل له علاقة بالشكل الذي يكتب به التاريخ.

وأوضح أنه إذا كنا في عصر انحطاط فما الذي علينا أن نفعل، مشيرا أن تساؤلات “ما بعد” و”ما العمل”ّ طرحت كثيرا في الكتابات العربية حول فترات الازدهار والانحطاط، ذلك أن الناس الذين كانوا يعيشون أواخر عصر الازدهار في التاريخ العربي الإسلامي لم يكونوا يشعرون أن القطيعة ستأتي، لكنها حدثت بعدما ظهرت عمليا مظاهر التأخر.

وأكد حمودي أنه يجب أن نكون حذرين في “ما بعد” كورونا، لأن هناك تساؤلات مهمة حول هذا المفهوم في حد ذاته، لأنه يجب أن نتساءل أولا هل سيكون هناك “بعد”، ولماذا نتحدث عن “بعد”؟.

ولفت إلى أن الناس في محنة اليوم، وهناك من يحاول استشراف المستقبل، لكن لا بد من “التحري”، لأننا لا نعلم ماذا ينتظرنا وهل ستكون أزمة “كورونا” بداية لأزمات أكبر وأعمق؟.

وأضاف “أقول هذا وأحتفظ بالأمل وأشتغل من باب التحري والبحث والتفكير والمناقشة”، لأنه فيما بعد كورونا يمكن أن تعود الأشياء كما كانت فيما قبل، أو يكون الضباب بالنسبة لمستقبلنا.

وشدد حمودي على أن أزمة “كورونا” هي مسبوقة وغير مسبوقة في نفس الوقت، فهناك سوابق لمثل هذه الجائحة لأوبئة عديدة ضربت العالم سواء في أوروبا أو أمريكا ومثل الوباء الكبير الذي ظهر في زمن “ابن خلدون”، لكن تفشي عدوى “كورونا” كان “معولما” وخطيرا خاصة في جانب الوفيات وتصدع الاقتصاد العالمي، وهذه الإشكاليات داخل الكيانات الوطنية والدول تفتح بابا كبيرا من التساؤلات.

وأبرز حمودي أن ابن خلدون سبق وتحدث عن تصدع الأرزاق والحرف والمدينة وتفكك العصبيات بسبب الوباء في عهده، وطبعا هذه الجوانب لها أمور مشابهة اليوم منها تصدع الاقتصاد العالمي.

وتابع “طبعا هناك تشابه لكني أقول لا بد للتحليل أن يبحث عن التمايزات، لأنه لما تصدعت العصبيات والدول قديما والمدن والحرف والأرزاق حسب ابن خلدون، ماذا وقع في المغرب الكبير والمشرق مقارنة مع كيانات شمال البحر الأبيض المتوسط الذي نسميه بالغرب؟”.

وأجاب بالقول “الذي وقع هو نفس الخراب لكن يبقى السؤال كيف خرجت منطقتنا من هذه المرحلة بالمقارنة مع منطقة شمال البحر الأبيض المتوسط”.

وأضاف “يظهر أن منطقة شمال البحر الأبيض المتوسط خرجت بحصيلة أريح من هذه المرحلة مقارنة مع منطقتنا، فبعد نصف قرن من الوباء بدأ الحديث عن النهضة في أوروبا، ووقعت الهجومات على الأندلس وتمت استعادتها، وكانت السفارات والرحلات الكبرى التي أدت بالأوروبيين إلى اكتشاف ما يسمى اليوم بأمريكا”.

واعتبر حمودي أن المفكرين في منطقتنا إذا أرادوا التفكير في السوابق مثل أزمة الوباء الكبير كما ظهر في زمن “ابن خلدون” وزمن “كورونا” اليوم، لا بد لهم أن يفكروا في الفروق أيضا.

وأكمل بالقول “أنا لا أجزم لكن يظهر لي أن الخروج من الأزمة كان أسهل بالنسبة للأوروبين وأقبح بالنسبة لنا، وهذا يعود لعدة فرضيات لأنه ربما في أوروبا أحدثت مؤسسات ومنها “مؤسسات الحكم”، وتنظيم الإدارة والعلم، لهذا أضعفها الوباء مؤقتا لكنها نجحت في الانتعاش فيما بعد”.

وتساءل حمودي هل الفرق أن مؤسساتنا تقريبا قضى عليها الوباء أو أضعفها بشكل شبه دائم، وهنا يجب أن نتساءل لماذا؟.

وأبرز أن الوباء أدى إلى قطيعة في الشمال، وإلى قطيعة لكن من نوع آخر في الجنوب وهنا يطرح سؤال عريض هو كيف نفسر هذا؟.

وشدد حمودي على أن التحليلات الغربية مع “ماركس” أو “كينز” أو فلاسفة آخرين، كان التنظيم فيها يرتكز على العمل وقيمة الأشياء في السوق، وهذا الأساس النظري تأزم جذريا اليوم، لأن “كورونا” أظهرت أنه بدون علم لا رأسمال ولا قيمة ولا عمل يتحققان، وهذا ما يستدعي مراجعة الأسس النظرية اليوم، لأن كل هذه المفاهيم التي أطرت الحياة الإنسانية هي اليوم ربما تحتاج إلى مراجعة.

وأكد حمودي أن المفهوم الأساس اليوم هو مفهوم الحياة بجانبين أساسين، لأنها جوبهت بمفهوم راديكالي هو الموت، ليس فقط موت الناس لكن أيضا موت المؤسسات وربما موت الأخلاق إذا نظرنا إلى الدسائس الدائرة حاليا حول موضوع اللقاح وسوق اللقاحات.

وأضاف “مفهوم الحياة لا بد أن يكون جامعا لأنه يتأسس على وجهين، الأول هو أن الحياة تضم كل الحيوات بما فيها حياة الأرض والحيوان والمياه والهواء، والوجه الثاني هو الحياة بمعناها الكوني لأننا شعرنا في هذه الأزمة أن الحياة مهددة كيف ما كانت الديانة والقومية والوطن، وهذا كوني وجامع، ولا يمكن غض النظر عنه، وينبغي أن نستخلص منه العبرة”.

وأكد الحمودي على ضرورة الإصلاح الجذري لكل المؤسسات التي كانت تتأسس عمليا ونظريا على مفاهيم الشغل والعمل والقيمة، والتبادل وغيرها، مشيرا أن هذا مرتبط أيضا باستغلال الأرض وتصنيع السلع، وتسليع الحياة.

وأشار أنه لا بد أن نشعر أن أزمة “كورونا” لا تهدد الحياة فقط لكنها تؤشر على أزمة أكبر، لأن الأزمة الحالية تفوق بكثير العدوى وتتجه إلى أصل العدوى في حد ذاتها، ومعنى هذا أننا اليوم شعرنا بأزمة الأرض والبيئة، وهي أزمة طويلة المدى تعود إلى العصر الحجري، ومنذ تطور الدماغ الإنساني الذي بدأ يتسلط في الأرض وفي تخريبها.

وأبرز أن الاستثمار الجارف للأرض لاستخراج القيمة المادية والربح، وتطور الزراعة والصناعة والتقنيات والتكلونوجيا والتطور العلمي والمؤسسات كالمقاولات، جعل الأرض تضييق وهذا ساهم في نشر الفيروس بشكل راديكالي.

وختم حمودي مداخلته بالتأكيد على أن الرأسمالية الجديدة في أزمة، والرأسمالية في ظل السلطوية مأزومة وهاتين الرأسماليتين تموقعان الإنسان في أزمة أكبر، لأننا نؤدي ثمن التقدم الصيني وإذا أردنا تبين هذا فلنذهب إلى إفريقيا ونرى ماذا تفعل المقاولات الصينية في إفريقيا.

وختم بالقول “جربنا الرأسمالية والنيولبرالية مع السلطوية، جربنا القوميات في زمن عبد الناصر والبعث، وهناك من رفع شعار الإسلام هو الحل، وأنا أقول إن الإسلام حل فيما يخص الآخرة ومآل النفس، ولكن ليست هناك أطروحة في الإسلام للخروج من الأزمة بالمعنى الدقيق الإيكولوجي، وبمعنى استمرار الحياة، وإعادة بعث الحياة في إطار نظام اقتصادي ودولي وعالم جديد”.