لا شك أن عزوف الشباب المغربي عن الولوج الى السياسة وما يحوم حولها له ما يبرره.

فالقضية التنموية وكذا مسألة الإصلاح ومايرافقهما من برامج حزبية وقوانين حكومية ومساءلات برلمانية واستحقاقات انتخابية وتمثيليات ومقاعد كل هذا بالنسبة للشاب المغربي لا يعدو أن يكون هدر للوقت أو هرطقة وجعجعة بلا طحين. هذا إن كان هناك تتبع واهتمام لما يجري وإلا فإن الأغلبية من المواطنين في واد وهؤلاء السياسيون في واد اخر.

إن هذا اولا ليس تشاؤما عديم الجدوى كما يظن البعض لأن تشاؤم العقل محمود لاستنهاظ الإرادة وتفاؤلها- التشاؤم هو عدم الرضى بالواقع قصد طرح سؤال المعنى لما هو موجود دون فائدة والبحث عن المفقود .

و هذا ثانيا ليس تذمرا ولا تركيز النظر تجاه النصف الفارغ من الكوب لأنه ببساطة ليس هناك كوب حتى ننظر الى نصفه أو ثلته.

الشاب المغربي لم يعد يصدق أيا كان من هؤلاء الحزبيون علته في ذلك انه لم يرى شيئا من التغيير المطلوب. اللهم بعض الرتوشات تطفو على السطح بين الفينة والأخرى فيتم تضخيمها وتكثيف الحديث عنها إعلاميا إما لذر الرماد في العيون أو قول أي شيء في الاعلام من أجل محاربة الفراغ. قد سمعت بعض الناس يقولون انه شدة فرط الكذب على المواطنين أصبحنا لا نصدق شيئا في الاعلام العمومي إلا احوال الطقس وحالة البحر. يقو لون أي شيء رغبة في المزيد من الانتظار ومن الصبر إلى أجل غير مسمى.

أيها العاملون في حقل السياسة من داخل النسق المرسوم أيها المختلفون المتجادلون داخل برامج إداعية واخرى تلفزية هل لنا بحصيلة تشفي الجراح بتغيير جدري يقطع مع الفساد وليس فساد ينمو ويتطور مع تطور العلم والتكنولوجيا. لا نريد ان نغوص في مفاصل مواضيعكم ولا الاطلاع الى الرؤى المختلفة بينكم ولا الأسباب والمسببات فقد بلغ السيل والزبى ولم نعرف ما يجري حقا داخل غرفكم المظلمة.

سئم المغاربة من لغة الخشب والتسويف والكلام المعسول والنقاشات الهامشية والعالم من حولنا يسير بسرعة ولا يلتفت.

أصبحنا لا نؤمن بما يطلق عليه مرارا و تكرارا بقطار التنمية، لانه لا زال لم يصل منذ ما يسمى بالاستقلال ، ولا نعرف ما سبب تأخره ، ولا الطريق الذي يسلكه. فقد سمع به أجدادنا واباؤنا بأنه يتحرك ويتقدم ولم يظهر له أثر. إنها اكبر كذبة عرفها تاريخ المغرب.
الحال أن هذا القطار لا نعرف من اين انطلق؟ ومتى انطلق؟ وعلى أي سكة يمشي؟ وما نوع هذ القطار وما مدى سرعته؟ يبدو أن هذا القطار لا يوجد إلا في مخيلة البعض للأسف الشديد.

أحيانا اثناء غفلتنا نشعر بقليل من البهجة مختلطة ببعض الاستغراب حينما نلتفت إلى نشرات الأخبار في تلفزاتنا المحترمة، ونرى ونسمع تطور المغرب في كذا وكذا، معززين في ذلك بأرقام وشهادات، ونسمع رئيس الحكومة الحالي والسابق ومن قبل الوزير الاول ومن قبله كيف يبشرون المغاربة برغد العيش، ويؤكدون غير ما مرة ان البلد أصبح قوة إقيليمة لا يستهان بها، وانه أحيانا يتقدم عن فرنسا واسبانيا وكندا في مجالات عدة وغيرها من الأوهام التي لا يصدقها حتى المجانين.

بمثل هذا الكلام نجد أنفسنا ونحن أمام التلفاز وكأننا في مشاهدة فيلم كوميدي يبعث على التفاؤل بمشاهده وأحداثه وشخصياته، لكن سرعان ما نصطدم بجدار الواقع المؤلم وهو التأخر والتذيّل في أسفل الترتيب مع دول فقيرة وأخرى لديها حروب أهلية أو تدخل خارجي.

يجب أن لا ينسى سياسيونا أن الشباب المغربي بفعل تواصله الدائم مع العالم كله من خلال الهواتف الذكية لم يترك المجال للكذب لأحد، لانه ينظر باستمرار كيف يتطور العالم، وإلى أين يسير. وهذا من شانه أن يصعّب المأمورية على من يتقلد المسؤولية، لكن لا حياة لمن تنادي.

ليس هناك قطار في الدول التي تتطور باستمرار، ولم يسبق لهم أن أخبروا شعوبهم بقطار التنمية او حافلة التنمية، كل ما هناك إرادة سياسية قوية يحملها هؤلاء المنتخبون، يظهر ذلك في أول اختبار لهم في مسكنهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم، بل وتجدهم أحايين كثيرة أقل الناس معاشا. يأتون ببرنامج واضح يبدؤون في تنزيله على أرض الواقع في اليوم مباشرة بعد تشكيل الحكومة. فيلمس الشعب ذلك دون تأخير. لم يسبقه في ذلك لا إشهار ولا تسويف ولا تفكير ولا تبشير كما يفعل العرب.

أرجو ألا أكون قد أكثرت من الكلام الإنشائي كما يحلو للسياسي المحنك ان ينعتني، لكن لا يسعني إلا أن أزيد وأؤكد انه ليس هناك قطار تنمية للإلهاء، بل يجب العمل بالليل والنهار ولفترة وجيزة لإخراج البلد من ظلمات الجهل والفقر والتبعية والمديونية إلى فضاء التقدم والازدهار والرخاء.

يقول المعترض المدمن على نشرات الأخبار هذا تحامل شديد وعدم الاعتراف بالأوراش الكبرى والتقدم الذي يعرفه المغرب ويؤكده المتتبعون في الداخل والخارج. أقول نعم قد يكون كلامك صحيحا لغة واصطلاحا، لكنه ليس كذلك واقعا وأرضا. ليس كذلك لأن الازدهار الذي لا يعود نفعه إلى الأغلبية الساحقة لا يسمى تقدما ولا تنمية، بل يسمى ريعا يتجه إلى جيوب النبلاء الذين لا ينتمون إلى الوطن.

ولا تسألني من هم لانني لا اعرفهم لقد سماهم رئيس الحكومة السابق تماسيح وعفاريت، فهو أدرى بهم إن لم يكن منهم والعلم لله.

يضيف المعترض سؤالا بديهيا ويقول آتيني بالحل؟ أو آتيني بنموذج تنموي فريد استطاع يحقق ما تحمله من أحلام وأوهام؟ قلت سوف لن آتيك مثالا من دول الاتحاد الأوروبي، ولا من دول شرق آسيا او دول أمريكا الذين تجاوزا قضية العيش الكريم والتنمية المستدامة واتجه همهم نحو التسابق الى التسلح وصناعة الربوتات والأقمار الاصطناعية والغواصات العابرة للمحيطات، بل سأعطيك مثالا يجعلك تفكر في إزالة تردد قنوات المغرب المحلية لمحاربة إدمانك الجلوس أمام نشرة الأخبار. إنها حالة رواندا صاحبة المليون قتيل .

دولة انتقلت من بحر من الدماء وكومة من الرماد والجثث إلى أفضل دول إفريقيا من حيث المجالات الرئيسة في كل الدول كالتعليم و الصحة و الامن، بالإضافة إلى محاربة الفساد. بلدنا طبعا غائب في كل هذه المجالات المذكورة وهذا باعتراف قيادتنا أنفسهم. في ظرف أقل من عشرين سنة قفزت رواندا من شبه دولة إلى دولة كاملة الأركان يحق لأهلها الفخر والعزة وأن يرفعوا رؤوسهم عاليا وتذكيرهم بقولة حب الاوطان من الإيمان.

بدون انتظار قطار التنمية، استطاعت رواندا ان تحقق ما لم تحققه كثير من الدول الافريقية والعربية التي تمتلك من الثروات والمقومات والكفاءات ما يجعلها _إن ارادت_ في مصاف الأنظمة الإقتصادية القوية في العالم بأسره.

أصبحت رواندا لاقل من عشرين سنة صاحبة أحد أسرع الاقتصادات تطورا في القارة الإفريقية إن لم نقل في العالم بإمكانات ضعيفة تخجل امام مدينة خريبكة لوحدها.

فرواندا الجريحة هذه قطعت مع ماض مؤلم، وأخذت تضمد الجراح بتغطية صحية فاقت 92% من الساكنة. تعليم وصحة خصصت لهما ميزانية تفوق 48% من ميزانية ، بحيث بدأ الولوج إلى المؤسسات التعليمية من 7% إلى أكثر من 96 % . ولضمان نجاعة التعليم والتفوق ومواكبة العلم الحديث وتراكم المعرفة ، فقد عملت دون تردد او انتطار توصيات من احد على استبدال اللغة الفرنسية بلغة العالم الحديث اللغة الإنجليزية والتي أصبحت لغة التعليم لجميع المستويات لأبنائها.

كما أنها تعتبر من أنظف دول العالم، بحيث احتلت العاصمة كاغالي المرتبة الاولى إفريقيا كأنظف مدينة. وهذا ليس مستغربا حين تسمع ان كل الحكوميين بمن فيهم رئيس البلاد بول كاغامي ينزلون كل سبت لتنظيف شوارع المدينة. لو انتظرت رواندا قطار التنمية لأصبحت في خبر كان .لكنها قوة الإرادة وصدق العمل جعلا منها خير نموذج للإستدلال به امام سياسيونا، عساهم ينتبهوا إلى ما هم فيه، ويوقفوا الحديث عن هذا القطار الذي خدعوا به أجدادنا ولا زالوا يستخدمونه دون وجود أي أثر له ولا لمن يركبه.