الى فترة قريبة ، كانت  كثير من المؤسسات  الدولية المانحة للقروض ،  متفائلة  من  انفتاح  منافذ  النمو داخل اقتصاديات الدول الأفريقية

و تستبشر خيرا  بسبب هذا الانفراج ، الذي شجع هذه الدول المتخبطة في دوامة التخلف ، على العودة ، للتزود بكثافة  من سلة بورصات  الأسواق المالية الدولية.

– ولم يثر هذا حينها ،  اي  مخاوف ، لا بشأن احتمال سقوطها في  إدمان  مثل هذا النوع من  القروض،  المرتفع نسبيا حسب  سلم سعر الفائدة الدولي  ،  و الذي يستوجب ، طبعا ،  دفع  فاتورة الحساب كاملة عند ساعة الحسم ، و عند توقيت سداد الديون .

–   و لا حتى التساؤل ،  جديا ،  في  حالة المغامرة باستدامة سلوك الاقتراض المجازف في  تدابير ماليتها ، كيف سيتم تأمين المخاطر  ، عند حدوث أي أزمة اقتصادية مفاجئة ، بإمكانها تهديد السيادة المالية  لهذه الدول الهشة  ، التي مازالت تسير بصعوبة و بتذبذب على سكة النمو  .

و مع ذلك ، فبعض الخبراء الدوليين المفوضين خصيصا  لمثل هذه المهام ،    و العارفين بصناعة ألاعيب الجذب الاقتصادي ،  وكيفية تدبيج  أوراق التقارير المغرية ،  ذهبوا في تكهناتهم  ، إلى  أن البلدان الأفريقية لا يزال لديها فرص مريحة غير مقلقة ،    لاقتراض مزيد من الديون! !

فدون حتى التحذير ،  بما فيه الكفاية ،  من أنه  لو افترضنا -من باب الفراسة –  أن   هامش هذه الفرص موجود ، فإنه هامش فعلا مقلق ، بل يشكل مجازفة،   تقرب من حافة الكارثة ،

و بهذا ، سيكونون قد أعطووا مسبقا  الضوء الأخضر ، لعدد من الدول الأفريقية ، ومنحوها صك تفويض رمزي ، يغري  بالانزلاق  مزيدا في منحدر المديونية ، ومراكمة الديون دون كبح !!.

فبلدنا المغرب ،  من دول شمال  أفريقيا المستهدفة من طرف المؤسسات النقدية المقرضة ، و الذي كما نعلم أنه قد لبى نداءها بلهفة  مند مدة طويلة ،  و سار على نهج  إقتراحاتها  و لم ينج بدوره من السقوط في دوامة القروض الممنوحة بشروط مجحفة .

وسبق أن  اختبر بدوره ،  وبالموازاة مع  استجابته سلفا لإملاءات صندوق النقد الدولي ،    إغراء  الاستشارات  التي تحفز و تدعو سلطاته  المالية ، للرفع مزيدا من وتيرة اللجوء  للإستدانة ؛ استشارات خبرة  يكون قد تم إعدادها ، إما  من طرف  مكاتب دراسات مفوضة ، أو من محللين  معتمدين من عين المكان ؛  أي غالبا من القطب المالي المنشأ  مؤخرا في قلب العاصمة الاقتصادية casa city.

– فمثلا لم يمر زمن طويل،   على تقدم   لجان بحث منتمية لإحدى الشركات الكبرى ، المدرجة في  البورصة المحلية على إطلاق  مقترح  تقديري  يرى – وهذا دون  أن يرف لهم جفن – أنه مع وجود مستوى ديون تبلغ نسبته – مئويا – النصف  من الناتج المحلي الإجمالي؛    زيادة على أن مجرد  القيام  بجرد تاريخي ، لبيانات استدانة المغرب من الخارج  ، ومقارنتها ببيانات  بلدان أخرى غير مستقرة ، سيتضح  أنه رتبته  تتموقع  في المتوسط ​​الأدنى من لائحة  خاصة  بعينة  تلك الدول الأخرى ، التي تلجأ دوما للاقتراض بإفراط .

يعني  بالمقارنة  معها ،  يبقى بلد  المغرب  من فئة الدول المعتدلة  في استهلاك القروض الأجنبية  المتدفقة من الخارج ! .

فحسب اقتراحاتهم المغالية في التفاؤل ،

و لهذه الأسباب  خاصة ، يمكن للسلطات المالية المغربية ، أن  تضغط  باطمئنان على دواسة تسريع دينامو الإقتراض دون تردد ،  لأن الوضع في البلد أقرب الى  مناخ اقتصادي قار و إيجابي فلاخشية على مؤسسات المغرب إذن  من السكتة الاقتصادية   ! .

بل ،  لا يزال ،  بامكانه استغلال هامش مديونية ، يتيح له ان يواصل  الإستدانة ، دون التخوف من العواقب  المستقبلية ، لمثل هذا الإجراء المغامر بالسيادة المالية في غياهب المجهول !.

– فتبعا اذن ، و وفقا لما تسرب من رؤاهم  لمجمل إشكالية المديونية و طرق تدبيرها مستقبلا في المغرب،  الحل في نظرهم ، هو تسريع وتيرة القروض للرفع من نسبة النمو !!!!!

Eurêka  وجدناها هكذا  قال مرة أرخميدس حين اكتشف قانون الدفع  وكأن  ماقاله هذا الحكيم اليوناني ينطبق على حالهم !

–   فمن النظرة الأولى ،   لمثل هذه التوصيات الاستشارية ، يبدو كأن التحليل جاء  متسقًا  ، وله صلة بحل يعتد به ، ولكن رغم ذالك  يتضح ، أن هناك شيء غير متزن  يتخلله ، يترك لدينا فورا انطباعا ،  بأن ثمة خدعة في حشد أرقام النسب ، والمعدلات لتسويغ ما لايستساغ ،  وما يمكنه أن  يثير حتى حذر اي متتبع عاقل ، من عقلاء و كتاب  الرأي الإقتصادي العام .

  – فمثلا ، متوسط ​​معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي،  مند تعديل دستور البلاد و مند تسلم حكومة الإسلاميين لمقاليد السلطة ، إلى يومنا هذا ، لا يتجاوز 3٪  إلا بقليل ، مع ان متوسط ​​تكلفة الدين الخارجي ، على العكس ، يتراوح في فاصل قيمة زائد  باثنين في المئة .

هذان المعدلان ، اللذان يتم تقديمها احيانا كحجة للنجاح في إيجاد خطة ناجعة لعلاج أمراض الإقتصاد المغربي ،  يحطمان بالتمام الركائز  التي يبنون عليها ملاحظاتهم  المغلوطة .

لأنه ، عندما يكون متوسط ​​تكلفة الدين العام ، أعلى من معدل النمو الاقتصادي  ، تميل حسابات الخزينة الجارية التي تستدين داخليا  إلى الزيادة في القيمة و بالتالي في حصة من الناتج المحلي الإجمالي .

-ربما كان عليهم بالأحرى ،  لتصحيح  معادلة  الديون ،  و حتى  يستوي قياسها   منطقيا  ،  اقتراح  ترسيم  جديد لتدابير  ناجعة   من بينها  ترشيد النفقات العامة ، و  بلورة  سيناريو للخيارات المطروحة الخاصة بتصريف الميزانية .

لأنه فقط  ،   عند اتخاذ قرار  السير في مثل  هذا التوجه   ، ستتأتى في حدود الممكن  فرص  الرفع من النمو الاقتصادي الداخلي  لتجاوز على الأقل  نسبة  تكلفة الديون المتراكمة

وهكذا  إذن  ، و من هذا المنظور ،  تصبح بعدها  تكلفة الدين مقبولة  وعندها  تبرز الملامح العامة لنمط النمو و الهيكلة الاقتصادية  المبتغاة  و المستهدفة  مستقبلا

لكن للأسف ، مند مدة و الحكومات المتعاقبة ، سائرة توسع حجم حفرة  الديون .

  كان القصد  ، في البداية  ، هو تجنب  الزيادة في الضرائب المحلية  ، وثقلها على كهل دافعيها المتضررين خاصة من مثل هذه الاكراهات غير المنصفة للقوة الشرائية ،  فاكتفت حكوماتنا   بفتح  شهيتها  المالية للقروض الضخمة ،  و إدمان عادات التمويل  الأجنبي ،  وهذا  حدث بحدة عندما اختارت الحفاظ على الأسلوب القديم في  تسيير دواليب الدولة بكلفة عالية دون عقد على العزم على تقليص نفقاتها ولو من باب المحاولة

– عزمها كله ، كان يعتمد  إبراز اسلوب االنية النزيهة والصادقة و الإرتكاز على حسابات استشرافية غير واضحة  ​ بسداد تلك الديون  بالكامل في سنوات قليلة  لا تتعدى عدد الأصابع ؛   باستثناء أن هذه الإجراءات ،  تخون مبدأ الشفافية ، و تتمادى عنوة في إغفال ذكر ، من  هؤلاء  الذين سيدفعون الفاتورة مستقبلا ،  والذين بالضرورة ليسوا هم أولئك الذين استفادوا  ،

– ليست إذن  ،  فقط سياسة التغاضي عن  ترشيد النفقات مايقلق المراقبين و المتابعين لأحوال الدولة المغربية و المحذرين من مدى تفاقم مديونتها هذه الأواخر  بل مايثير غيض حتى مواطينها أن هذه النفقات المتزايدة مع مرور السنوات والتي تم تمويلها من  حسابات هذه القروض الضخمة  لم تعد بأي فائدة مرجوة   ولم يحصل منها النمو الاقتصادي الكافي الذي يسمح  في الحدود الدنيا المقبولة على الصعيد الدولي  بالحفاظ على مستوى مستقر ومشرف في لائحة الدول السائرة على سكة النمو   بعبارة أخرى   أزمة الوضع  تتحد في أن تصاعد  وتيرة اقتراض الديون  متمسك  بها و معترف بها  ومبرمجة طيلة تلك الفترة التي شهدت تعيين الحكومات و إقالتها لكن لا أحد من المسؤولين السابقين والحاليين يعلم كيف يخطط بحزم لمعدل نمو مؤكد و متصاعد  ويفتح آفاق جديدة  للإقتصاد المحلي

.-  فالحقيقة الساطعة  أن الجهود المبذولة  كانت كلها تتركز  طيلة  السنوات الأخيرة من حكومة الإسلاميين المخضرمة   في اتجاه إحتواء  ازمة عجز الميزانية حتى  تنال  ثناء  خبراء صندوق الدولي  المقرض الأجنبي  الأول  للدولة

   –  وكان في الأول  الأمل  معقود على إنجاز  تخفيضات في مجمل  الإنفاق العام  لم يتحقق  منها إلا اليسير من  خلال حذف  دعم المواد الأساسية من حساب صندوق المقاصة

– لكن لم  يحدث من وراء  هذا الاجراء الإصلاحي  المملى والمقترح من جهات مالية مانحة  التأثير المرجو على النمو الاقتصادي وتحسين القوة الشرائية  لدى الشرائح المستهدفة  و لم يستهدف  خاصة  التقليل من ثقل الإنفاق الإداري   وترشيد الإنفاق الاستثماري العام.

 -فمن هذا الجانب  نعيد ونصر على  أنه  لم تكن قيمة  الغلافات المالية المقدمة من مختلف الحكومات للقطاع العام تتغيا الرفع من مستوى النمو الاقتصادي  لعلة واحدة تتواتر أعراضها  عبر  الزمن الاقتصادي السياسي أي أن  هذه المنح العمومية  تبقى بدون رؤية واضحة لطبيعة ونوعية وجودة  الخدمة الإدارية  العامة المراد تقديمها

و لم يحصل منها إلا  خلق  مزيدا من عجائب أنواع الضرائب  وفرضها على مداخيل الساكنة  لتمويل رواتب جحافل  الوظيفة العمومية

-فالاستثمار العمومي للدولة المغربية في عديد من القطاعات مازال نسبيا  سجين  دوامة الإجبار على الإنفاق،الإنفاق ثم التبذير ثم  الإنفاق ،  ولم يخرج بعد لتنفس هواء النتائج حتى يكون هناك ذكر لأثر وعائد  هذه الاستثمارات بمجرد الانتهاء من تنزيل خططها على أرض الواقع

– فمع وجود انفاق إداري متضخم  يقدم  خدمات  ضعيفة الجودة  ، إستثمار عام لايولد عائد نمو  مرضي  بل يلزم بدفع تكلفة عالية من الديون  فإن  مطب ثقل  المديونية سيعقد الأمور أكثر فأكثر  و سيتطلب الوضع مع تقدم الزمن شبه معجزة للخروج من هذه الورطة  يقول المثل الفرنسي  au bon entendeur salut

كاتب- باحث