يعتبر العنف ظاهرة اجتماعية متفشية في المجتمع، فالمغرب يعيش على واقع العنف متكرر ومتعدد الاشكال ، والذي يعود في اصوله الى التربية العنيفة التي يتلقها الطفل من الاسرة والمدرسة والشارع ، بالإضافة الى العنف التي تمارسه الدولة على المواطنين ويعد التهميش الاجتماعي و الاقتصادي  أكبر عنف تمارسه الدولة على المواطنين أفرادا وجماعات .

 لعل المشاهد العنيفة الكثيرة والمتعددة التي بدأت تنشر على العالم أزرق و على صفحات الجرائد لأكبر دليل على عنف الدولة تجاه الافراد ، التي هي في اخر المطاف جزء من تكوين التربوي و النفسي للمجتمع ، فمشهد قمع الاساتذة المتدربين “بإنزكان” بطريقة وحشية ، يظهر بالملموس عقل الدولة العنيف ، هذا من نتائجه تغلغل العنف في كل خلايا المجتمع المغربي ومؤسساته ، فالأسرة أصبحت الخلية الاولى للعنف ، التي يكون الاطفال مستقبل المجتمع ضحيته  الاولى ثم النساء ، بالإضافة الى العنف بالفضاء المدرسي الذي اصبح متبادل بين الاستاذ والتلميذ ، بالخصوص بالمستوى الاعدادي والثانوي ، بالإضافة الى العنف الذي يمارس على المواطنين في الادارة المغربية ، و أخطر في الامر هو عنف بالجامعة المغربية ،  الذي يظهر  بوضوح عنف الدولة ،و تجليات صناعة العنف بداخلها ، وتسهيل نقل عنف المجتمع العرقي والثقافي ، والطائفي والإيديولوجي الى الجامعة ، هذا الذي أصبح يزعج قوى التقدم التي تراهن على الجامعة من أجل تكوين نخب فاعلة في المجتمع ، ومناضلة من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات ، المطالبة بتحقيق المساواة بين الجنسين …الخ ، الطالب الذي كان من المفترض أن يطالب بتعليم شعبي وديمقراطي علمي وموحد ، منفتحا في نضاله عن مكونات المجتمع ومساندا لهم طبقا لمقرر من مقررات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ” لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة ”  ، الان وبعد أن أفلح المخزن في وضع بديلا له  بإشراك القوى الاصولية في ممارسة العنف بالجامعة المغربية نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ، التي ذهب ضحيتها الطالب القاعدي ” ايت الجيد ” .

اذا كان المخزن منذ السبعينات وهو يمارس العنف على المناضلين بالجامعة تحت يافطة تهديد أمن الدولة وزعزعة الاستقرار ، أدخل مع بداية التسعينات عنف جديد ، وهو العنف باسم انتماء الديني ، لمحاربة الفكر التقدمي الداعي الى الديمقراطية الحقيقة بهذا البلد ، موكلا الامر الى الاصولية ، التي توفقت الى حدود  اللحظة في مهامها ، ومن أهم نتائجها ترسيخ العنف بالجامعة حتى أصبح معطى مقتل طالب ما معطى عادي ، لا يستفز الدولة ، و أنت ترى الدودي وهو يتهم عن مقتل الطالب ” الفزازي ” بموقع فاس شيء .

ليتضح من بعد أن تكريس العنف بالجامعة ، هو مخطط من أجل ضرب التعليم العمومي بشكل عام والجامعة بشكل خاص ، لأن شهية الاستثمار في هذا القطاع بدأت تتفتح ، وبالخصوص عند الحزب الحاكم ، ربما مقتل الطالب الحسناوي في مؤامرة 24 ابريل ، كانت ترمي الى تفتيت أول قلعة نضالية ، وذلك بإعادة طرح ملف اغتيال السياسي ، غير ان هذه المرة الضحية محسوب عن القوى الاصولية ، ليس لخلق التوازن كما يضن البعض ، بل من أجل إحياء الصراع العنيف الذي استشعروا أنه بدأ في تناقص . غير أن هذا لم يتوقف عند هذا الحد ، بل كانت له تداعيات إعلامية كبيرة بتصريحات بنكران والدودي مزينة بدموعهم التي تنم عن خبايا ما كانت تكون في الحسبان ، لتخرج جحافل بنكران تتجل في الشوارع فاس بمدججة بالأسلحة ، بدون رقيب ولا حسيب.

الان وحدث مقتل ” ازم ” ، الذي لم يذهب فيه بنكيران الى العزاء ولا الدودي ، ولم يعطي فيه الملك كما اعطى في سابقه ، ليس الامر يتعلق بالتجاهل ، لا بل من أجل احداث صراع أخر وهو الصراع الطائفي الذي يؤسس له المخزن داخل الجامعة ، ( تحليلي الخاص مع احتراماتي الى كل الفصائل ) ، مع العلم أن أي نقاش داخل الجامعة هو نقاش الشارع ، لكن يؤسس له من داخل الجامعة .

أنا لا أستثني  فصائل أخرى من ممارسة العنف بداخل الجامعة ، بفرض الرقابة على الطلبة ، وضربهم نظرا لانتمائهم السياسي ، أو ألاختلافهم مع ” لي شد الساحة ” ، فهناك معطيات صادمة عن هذه ممارسات ، تؤدي بهم إلى منعهم من إتمام الدراسة ، وبعض الأحيان بتمزيق شواهدهم ، وهذا أمر خطير ، بالإضافة الى الاعتداءات المتكرر على السلامة الجسدية للطلبة ، باسم المحاكمة الجماهيرية 

في النهاية لابد من التأكيد على أن العنف بالجامعة هو عنف مؤسس له من طرف المخزن ، لأنه العنف عبر التاريخ لم يخدم الطلبة ولا الجامعة والمجتمع ، العنف كان ولا زال في خدمة المخزن ، غير أن ما يحاك للمستقبل خطير جدا من أجل فتح الجامعة على الصراع الطائفي ، وهذا خطير جدا ، فالهجوم على التعليم هو من صفات النظام المستبد ، فلا يمكن أن تستعبد شعبا متعلما ، الرهان على التعليم ، وهو رهان القوى الحية في هذا البلد ، والتي يجب ان تناشد من التخلي على العنف ، والتأسيس لحوار فعال ،من أجل الرقي بالمجتمع .