في مساحة لا تتجاوز مترا واحدا مربعا،جلست على كرسيها الصغير خلف طاولة تضع عليها بضع حلويات،بالكاد تجني من وراءها بضع دريهمات تعتقد المسكينة أنها قد تضمن لها عيشا كريما،لأنها تؤمن أن البقاء جوعا وبدون تطبيب ولا تغطية صحية ولا ضمان اجتماعي ولا تأمين …نوعا من الحياة الكريمة،إذا لم تسرق ولم تمارس دعارة،هكذا هم الفقراء،بسطاء حتى في أحلامهم..ومع ذلك،لم يشفع لها وضعها البئيس ذاك،لذى قائد دائرة سكناها منطقة ببير الرامي بالقنيطرة،الذي أكد شهود عيان،أنه صفعها وأهانها،قبل أن تتوجه إلى أمام مقر المقاطعة وهي منهارة نفسيا،وفاقدة لأي تمييز في تلك اللحظة الصعبة عليها، وتضرم النار في جسدها،احتجاجا على تطاول القائد وأعوانه،على امرأة عزلاء ،لم يكتفي عنصر القوات المساعدة الذي كان يحرس المقر المذكور، بإغلاق الباب بالمفتاح، بل تسمر واقفا يتابع ألسنة اللهب وهي تأكل جسد الشهيدة ..مي فتيحة..أما زميله، فهو من تفضل ووثق لنا هذه الجريمة النكراء، ببرودة دم أعتى جهاز في الدولة، جهاز راكم ضحاياه بالآلاف منذ الإستقلال إلى يومنا هذا…قد يعتبر البعض،أو قد يروج هذا الجهاز نفسه،أن الأمر يتعلق بحالات معزولة، لكن الواقع يفنذ ذلك،لأن الأمر يتعلق ب6 ضحايا منذ بداية هذه السنة فقط، وهذه نسبة مثيرة للرعب،، ونحن ندق ناقوس الخطر إزاء هذا التحول الخطير، الذي بات يسلكه المواطنون في وجه تجاوزات وانتهاكات رجال السلطة بالمغرب..إن على هذه السلطة،أن تعلم ويعلم جميع عناصرها والمنتسبين إليها..أن عملية حرق الذات في مواجهة اعتداءات السلطة،مقترن حصرا بثورات الربيع الديمقراطي،وليس بأي شيء آخر…ولنا أن نتصور،حجم الضغوطات والمعاناة النفسية التي تدفع بمواطن سوي نفسيا،إلى درجة إضرام النار في جسده،إن ما لا تستطيعون استيعابه،هو أن المواطن المغربي،تخلص نفسيا من عقدة الخوف من رجال السلطة بعد الحراك،لكن السلطة،لم تواكب هذا التطور السيكولوجي للمواطن،وباتت تتصرف بعقلية ما قبل الحراك،عقلية رجل السلطة المتنطع والذي يعتقد أنه فوق القانون وأنه يقوم مقام القانون،إنها عقلية قواد القرن 19..والتي يُضرم اليوم ،المواطن النار في جسده إحتجاجا عليها،فهل هذا ناتج عن تدني مستوى التكوين الذي يتلقاه رجال السلطة،أم يعود الأمر لسياسة ممنهجة في التعامل مع المواطنين،سياسة تنهج إلى تخويف وترويع المواطنين والإعتداء عليهم تحت يافطة تطبيق القانون،وهو ما يجرمه هذا القانون نفسه؟؟ لقد كان بإمكان القائد المذكور أن يطبق القانون لو كانت هناك رقابة على ممارساته..دون أن يتسبب بأفعاله ،حسب الشهود،في إزهاق روح مواطنة،حملتها السطة نفسها قبل أسابيع في حافلة هي ورفيقاتها،واتجهت بهم نحو مدينة الرباط،كي ينددوا بتصريحات بانكيمون،قبل أن تتسبب هذه السلطة في تحويلها إلى جثة مشوهة،أهذه هي الوطنية التي تتشدقون بها علينا؟؟ أهذا هو جزاء من يحمل العلم الوطني للدفاع عن نزواتكم تحت مسمى الوطنية؟؟ ألا تعلم هذه الدولة أن المواطنين تشبعوا بعد حراك، ذهب ضحيته الآلاف في عالمنا العربي،بقيم الحرية والكرامة  التي لن يرضوا عنها بديلا،وأنه ليس بإمكان، لا الداخلية، ولا الشرطة، ولا أي جهاز أو سلطة،أن تعاملهم معاملة حاطة بالكرامة الإنسانية،أو معاملة العبيد؟؟؟ إنكم وإن كنتم حريصين على منازعة المغاربة في مواطنتهم وكرامتهم،فإنكم لن تستطيعوا أن تجعلوهم يفكرون ويتصرفون كعبيد….لذلك،أنتم اليوم،مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ وأمام القانون،عن روح الشهيدة مي فتيحة ومن قبلها،ومن سيأتي بعدها…..ورحم الله شهداء الكرامة والحرية،واللعنة على الجبناء.