أعادت قضية “بنحماد والنجار” وما أثير ونشر حولها، إلى الواجهة ملف الفوضى التي تعرفها الساحة الإعلامية المغربية، وخاصة شريحة أصبحت مهمة من الإعلام الإلكتروني التي أصبحت “تصول وتجول” بنهشها لأعراض الناس خاصة المنتقدين للسياسة العامة، دون أن تجد من يردعها، أو على الأقل ينبهها، فقط لأنه يعتقد أن من ورائها جهات في السلطة، وهو ما يجعلها تتمادى في “غيها” متجاهلة كل الأصوات المطالبة بإعادة النظر في طريقة عرض منشوراتها.

مبدئيا لا مشكلة أن تكون لجهات في السلطة، أو حتى أجهزة للدولة منابر إعلامية تابعة لها أو قريبة منها، فالأمر معمول به في كل دول العالم بما في ذلك المتقدمة ديمقراطيا منها، لكن ما هو موجود عندنا بالمغرب، يطرح أكثر من علامة للتعجب حول غايات هؤلاء، وماذا يريدون بالضبط ؟ فهل بالسب والشتم والقذف، وتناول الحياة الخاصة للمعارضين بما في ذلك نشر معطيات عن ما يجري بغرف نومهم، وكيف يتعاملون مع زيجاتهم على فراش الزوجية سنقدم نموذج في التعامل مع المعارضة الجادة ؟ 

هذه المواقع الإلكترونية تجاوزت كل الأعراف، وانتهكت كل الأخلاق المهنية، وأصبحت نشازا داخل الحقل الإعلامي الوطني، وأصبحت تسيء إلى القارئ وإلى نفسها أكثر مما تسيء إلى غيرها، وبفعلها هذا فإنها تسيء أيضا إلى بلدنا المغرب، وإلى الصحافة الوطنية التي راكمت ما يكفي وأخرجت أسماء وأقلام تجعلنا نفتخر بها بين الأمم الرائدة إعلاميا، ويكفي أن نلقي نظرة على المؤسسات الإعلامية العربية والدولية لنجد الأسماء المغربية وقد أثثت واجهات تلك التجارب، وقدمت لها رونقا تفرق وانتشر بين الشعوب والدول، فكيف لنا أن نتصور وجود هذا النوع بيننا ؟ ينهش هذا ويسب ذاك ويقذف تلك، ولا حسيب ولا رقيب، بل وتحت أعين السلطة التي قيل أنها لا تنام .

بإمكان من وراء هذه الصحف (يعتقد أن وراءها أجهزة في الدولة) أن تقدم صورة أخرى لمكونات الدولة، وأن تكون وسائل للتواصل مع الرأي العام، وأن تدافع عن نفسها ومن حقها، أمام الانتقادات والملاحظات التي تطالها، وبإمكانها أيضا أن تستثمرها في تقديم رموزها إلى الرأي العام لشرح طريقة عملها واستراتيجيتها إن كانت، وكل ما يتعلق بها، عوض نهج هذا الأسلوب الذي وصل إلى دركات أصبحت غير مقبولة، وتحتاج إلى من يقومها.

والغريب في هذا العجب العجاب الذي يذكرنا بأمثلة لصحافة متواجدة على الساحة العربية، ومصر بالتحديد، أن وزير الاتصال مصطفى الخلفي، الذي صدع رؤوسنا بالمهنية والأخلاق المتعارف عليها، يدعم وبشكل مباشر هذا النوع الغريب عن بيئة الإعلام الوطني، تأكد ذلك عبر ثلاث آليات على الأقل :

ـ منحه إياها بطاقة الصحافة، بمعنى منحها “المشروعية المهنية”، وهو أمر في غاية الخطورة، وهو ما يعني أن السلطات المعنية وخاصة وزارة الخلفي راضية عن ما تفعله وتقوم به وتقدمه هذه المواقع للرأي العام، ثم بعدها يأتي الوزير ليتحدث عن المهنية وأخلاقيات الصحافة في ضحك بين على الذقون.

ـ منح أحد المواقع الإلكترونية المعنية بهذه الفوضى، الجائزة الوطنية للصحافة في صنف الصحافة الإلكترونية، وكأن وزير الاتصال يقول للعاملين في الإعلام الإلكتروني، “هذا هو النموذج الذي نريد، وهذه هي المواقع التي تمثل لكم القدوة والزعامة”.

ـ إعطاء قيمة معتبرة لهذا النوع من الإعلام، من خلال “المشاورات” التي تجريها وزارة الاتصال بشأن قضايا تهم الإعلام الوطني، وفي مقدمتها “المشاورات” التي أجرتها بشأن مدونة الصحافة والنشر، عبر بدعة استدعاء “20 موقعا” اعتبرتهم الوزارة المكلفة من “الأوائل”، بحيث أنه خلال هذه اللقاءات لا تجد إلا رموز هذه المواقع، في حين تم تهميش وبشكل متعمد الصحف الإلكترونية الجادة، والإطارات الممثلة لجزء معتبر من المشتغلين في الإعلام الإلكتروني.. 

وإذا كانت السلطات الرسمية المعنية حسب ما هو معاين، عاجزة عن القيام بالواجب، فإن الفاعلين والمهتمين، والمكونات المعتبرة .. تقف في وضع “المتفرج”، وكأن الأمر لا يعنيها، بل إن نقابة الصحفيين المغاربة احتضنت بعضهم، ومنحتم بطاقة العضوية، وأسست من أجلهم وعلى سواد عيونهم لجنة وطنية خاصة بالصحافة الإلكترونية من داخل النقابة، فماذا يعني هذا ؟ 

إن أجهزة الدولة ليست بحاجة إلى هذه المواقع الإلكترونية التي تؤكد منشوراتها أنها خارج إطار مفهوم الإعلام، وإلى هذه الطريقة في الولوج إلى فضاء الإعلام، فهي بسلوكها بدأت تسيء إلى المغرب، وإلى سمعته الإعلامية، لدرجة أن هناك اليوم من بدأ يشبهه بإعلام “السيسي” نسبة إلى الانقلابي الذي انقلب على السلطة المنتخبة بمصر، والمطلوب اليوم من المعنيين خاصة مكونات الساحة والمهتمين والباحثين الالتفات بشكل جدي إلى ما يجري من تحولات داخل الحقل الإعلامي الوطني الذي إن استمر بهذا الشكل، فإن الهاوية بلا شك ستتلقفه .