الصورة الأولى التي أتحدث عنها هاهنا تعود إلى 20 شتنبر 2004 التقطت بمنطقة الريف، أما الصور فهي ملتقطة في مدينة الدار البيضاء ليلة الجمعة/السبت 6 أبريل 2019.

الصورة الأولى التي أعنيها هنا، فهي تلك التي أخذت مع شجرة بمنطقة تمزكيدة تقديمت “المسجد العتيق ” شجرة تبرم تحتها العهود التي لا يجوز التنصل منها مهما حدث والعهدة على صاحبي كتاب “كذلك كان”.

أما الصور الثانية التي أقصدها هنا -والتي وانتشرت كالنار فهي الهشيم- فهي تلك التي التقطت للألم والحزن والوجع والسواد الذي دب في أجساد وقلوب وعيون الحاضرين والمتابعين… بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ولكل الغيورين والحالمين بوطن يتسع للجميع ضامن ، وبالفعل والممارسة قبل القول، للحرية والكرمة والعدالة الاجتماعية والمجالية والمساواة بعدما رمى قضاتها بأحكام تأيد ما سبق عن المحكمة الابتدائية في حق متابعين على خلفية احتجاجات من أجل العيش الكريم ومحاكمة المتورطين في مقتل بائع السمك محسن فكري في خريف سنة 2016.

بين الصورة والصور مسافة زمنية تمتد لعقد ونصف وهو زمن ليس بالهين. كان بإمكانه أن يبني جدارا صلبا تعلق عليه الصورة الاولى وتمنع  صلابته وقوع مسوغات الصور الثانية.

الصورة الأولى شد عليها البعض بالنواجد وكان بالإمكان أن يعتز بها البعض الأخر لو صارت الامور فعلا نحو طي صفحات الماضي الاليمة .

أما الصور الثانية فلا اعتقد ان هناك شخص ما يمكن أن تسره إلا من كان في قلبه مرض ولم يقدر حجم النزيف والويلات التي عاشها هذا الوطن وماعاد في طاقته للمزيد من ذلك. 

الصورة الاولى، وكما حكى صاحبي “كذلك كان” كانت نقطة ختام لجولة قادت الراحل إدريس بنزكري بمعية وفد من هيئة الانصاف والمصالحة في 19 و 20 شتنبر 2004 إلى منطقة الريف بعدما تبين للهيأة العدد القليل من طلبات التعويض التي توصلت بها من سكان هذه المنطقة رغم حدة الانتهاكات الجسيمة التي عرفتها ما بين 1958 و 1959 وسقوط عدد كبير من الضحايا وحصول اعتقالات واسعة …في محاولة لفهم هذا الحجم المحدود من الطلبات رغم قساوة الماضي.

والصورة كانت كذلك بمثابة عهد بين المنطقة وهيأة الانصاف والمصالحة.

أما الصور الثانية، فكانت خلاصة دالة ومركزة ومكثفة لواقع الحال في العلاقة بين الريف والدولة في يوم الناس هذا بلا زيادة ولا نقصان.ورسالة لكل من يريد السير على خطاهم وخطيئتهم في الحلم بوطن اخر غير الذي أمامنا الان.

وأنا أقارن بين المشهدين ، بين الزمنيين، بين اللحظتين، بين التاريخين، تساءلت في قرارة نفسي هل استحضرت المحكمة وهي تصدر حكمها النهائي الصورة الاولى؟ وهل تعلم بها ؟ وهل استحضرت هذا العمل الذي أنهك الافراد والجماعات والقناعات وقسم ظهر الوطن؟.

تساءلت، وانا استدعي زمن الصورة الاولى لأبحث عن مسوغات للصور الثانية، هل خامرها –المحكمة-ولو من باب الشك فقط أن الملف الذي بين أيديها لا تحكمه قواعد القانون الجنائي ولا ينبغي ان تحكمه؟.

تساءلت وتساءلت عدة مرات هل راعت المحكمة وهي تصدر احكامها أو بالاحرى تأيد ما استقر عليه سابقا أنها تحاكم ردود فعل على إخفاقات دولة ونقض عهد مقطوع من قبلها على عدم تكرار ما جرى من تهميش واغتصاب لحقوق الناس وحرياتهم قبل عقد و نصف من الان؟.

تساءلت، هل استحضرت كل هذا وغيره من مقومات كلها تزكي أن الأجساد الحية لا يمكن لها إلا أن تنتفض وهي تنظر بأم عينيها إلى فشل البرامج والسياسات وتصغي إلى البوح بهذا الفشل من قبل الجميع ومن أعلى سلطة في البلاد؟.

تساءلت، هل المحكمة تعي جيدا وهي تنطق بأحكامها بحس جنائي صرف أنها بهذا تخرج ملف ظن أنه طوي وانتهى إلى غير رجعة عند التقاط صورة 20 شتنبر 2004 تحت شجرة العهود التي لا تقبل التنصل أو التنكر؟.

من سوء الصدف أن ما عرف بسنوات الرصاص السيئة الذكر التي اعتقدنا أنها ولت إلى غير رجعة تم التأريخ لبداياتها من الريف، وها نحن نعيد الكر ثانية في شاكلة عود على بدء.

وبهذا كذلك حق لنا أن نخلد نحن الإستثنائيون في كل شيء أسطورة سيزيف والصخرة.

وحق لنا أن نقول وبلا مواربة، أن كل ما نعيشه اليوم هو طبعة من كتاب سنوات رصاص منقحة ومزيدة بعدما استنفدنا النسخة الأولى، وأن الانصاف والمصالحة وحق الحلم في مغرب أخر ممكن مجرد خطأ مطبعي تسلل إليها في سنة 2005.