نظر إلى الأعلى ، فرأى بشرا يتساقطون من السماء، هاله المنظر فرمى ما بيديه، و انطلق كالرمح نحو أمه، الأم التي تعرف كل شيء و تجيب على ألف سؤال و سؤال:

ـ أمّاه ! إنها تمطر بالبشر، و الشمس في كبد السماء، و لا مزن و لا غمام .

ـ هدئ من روعك يا بني ، إن السماء لا تمطر ذهبا و لا حتى بشرا .

ـ رأيتهم بعينيّ هاتين  يا أمي ، طيور في هيئة البشر ، لهم أجنحة واسعة عظيمة، تحجب الشمس و تكاد تخفيها.

أعرض عن أمه، و عاد إلى حيث كان يلهو و يرتع، و انغمس يطوي العيدان و يقصها، يبني بيت المستقبل.

في غمرة اللعب و تيهان الطفولة، و في غفلة منه، انطلق من بين جوانبه كائن ضخم، ملأ الدنيا أزيزا و رعبا ، كائن حديدي كالجرادة ولكنها كبيرة مزمجرة ، تطاول عنان السماء.

رمى القصب و العيدان ، و انطلق كالمجنون ، لا يلوي على شيء، هذه المرة لم يلجأ إلى أمه، بل سار رأسا إلى الأب، لعله يحظى بالخبر اليقين.

ـ أبتاه!  لن تصدق ما رأيت . جرادة عظيمة ، صمت أذنيّ، مرت أمام ناظريّ، تطير  وتلهو بين السحاب ، تدور و تدور…

ـ هدئ من روعك يا بني ! برجلك تلك، تستطيع سحق مائة جرادة.

يا أبي ! ليست بالجنادب ولا بالصراصير التي نعرفها …أكبر من تلك بكثير، شيء يفوق الوصف و الخيال…أكبر من الرّخ الذي حدثني عنه.

        أعرض عن أبيه، و عاد حيث كان، ونظر إلى الأفق الأعلى، رأى الجرادة تصغر و تصغر، حتى صارت نقطة سوداء في قبة السماء العالية، ضيّق عينيه، و حدق مليا ،فرأى الجرادة ، يخرج من بطنها، صغار يتقافزون ويطيرون في الأعالي . بدوا كأسراب النحل، تتبّعهم بعينيه الصغيرتين، أعشته أشعة الشمس، و داراها بيديه.

        و بدأ يبحث في ذاكرته الصغيرة يستنطقها، ليسوا بُزاة، و لا نسورا، و لا حتى رخّا … أكبر من الفراش ، و أغرب من الحمام و اليمام و القبّرة و الحدأة.

 كان يعتقد أن الفضاء الذي تطاله عينيه ، حِكر على هذه الطيور التي يعرفها، و حتى اليوم الذي حطّ فيه على شجرة القرية عُقاب مهاجر، جريح الجناح، رهيب المنظر، استنفرت القرية كلها، و ظلوا يرقبونه لثلات ليال، حتى غادر ، مسلما الفضاء لذويه.

        اقترب سرب النحل من من الأرض، و بدأ حجم النحلات يكبر و يكبر، حتى استحالت كالبشر، كائنات في هيئة البشر، معلقة إلى أجنحة كبيرة زاهية الألوان، تابعهم و هم يتساقطون على الأرض، فيجمعون أجنحتهم و يمشون كالبشر.

فازت القصة ضمن مسابقة مجلة العربي ـ أكتوبر2014