بلغت المعركة النضالية للأساتذة المتدربين أوجها، كما بلغ تشبث الحكومة بقرارها أوجه أيضا. وهو ما يدفعنا إلى طرح التساؤل الآتي: إلى أين تسير قافلة الأساتذة المتدربين النضالية؟ وبصيغة أخرى أي أفق لهذا النضال؟ لا حاجة لنا بالتذكير بالمرسومين اللذين صار يعرفهما القاصي والداني، ولا بالتذكير أنهما مرسومان ينافيان قواعد الديمقراطية التشاركية، والتي أقرها الدستور الجديد… وشتان ما بين الواقع والتطبيق !دخلت معركة الأساتذة المتدربين منعطفا آخر، أكدته المسيرة الوطنية الأخيرة بالرباط، والتي شهدت تضامنا واسعا ﻷطياف سياسية وجمعوية وحقوقية، دون أن ننسى المواطنين المتعاطفين مع القضية.

إن هذا التضامن الواسع يصب في صالح كسب الأساتذة المتدربين للرهان، وهذا الأمر يحكمه شرطان؛ أولهما تعضيد الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية لهؤلاء المناضلين بعيدا عن كل المزايدات المحتملة، وهنا وجبت الإشارة إلى أن التعضيد ينبغي أن يصدر مركزيا، عوض الاقتصار على الهيئات المحلية.

وثانيهما العمل على خطاب القرب، وذلك بالتواصل مع كافة أفراد المجتمع، وهذه ليست مهمة الأساتذة المتدربين وحدهم، بل هي مهمة كل واع بتداعيات المرسومين، فعلى سبيل المثال الشارة التي وضعها الأساتذة العاملون بالمؤسسات التعليمية بالمغرب، قد أتت أكلها في التعريف بهذه القضية؛ فكم من أستاذ سئل عن سبب وضع تلك الشارة.

وهنا أقترح أن يتم تعميم نداء الشارات الحمراء إلى عموم المواطنين، في أفق الدعوة إلى مسيرات من داخل المدن، إشهارا لهذه القضية التي يلفها ما يسمى بالإعلام الرسمي بالغموض. إنني موقن أن التكتل الشعبي والنقابي والحقوقي إلى جانب الأساتذة المتدربين، سيزيد من وضع الحكومة في موقف ضعف، لن تملك حياله إلا التراجع عن هذا القرار كما تراجعت عن مشروع قانون الخدمة الإجبارية والذي تصدى له طلبة كلية الطب بصمود أربك الحكومة، فلم تجد بدا من التراجع عن قرارها. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ماذا ستصنع الحكومة إزاء هذا الوضع؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، أتساءل هل لدينا حكومة؟

أول ما قامت به “الحكومة” هو التجاهل، وبعد أن لم يجد التجاهل نفعا، تم اللجوء للإعلام الرسمي لإنتاج “فزاعات” والتي لم تثن الأساتذة المتدربين عن مواصلة نضالهم، فلجأت “الحكومة” إلى أسلوب بائد في خرق سافر لحقوق الإنسان، وتزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى قمع مجموعة من الوقفات السلمية للأساتذة المتدربين، خلفت إصابات في صفوف أساتذة الغد، بعضها جسيمة.

ورغم القمع والتنكيل والاعتقالات والإرهاب النفسي بإنزال شتى تلاوين القمع السري والعلني، مايزال الأساتذة المتدربون يواصلون نضالهم الحضاري. ومن بين الوسائل التي ستلجأ إليها “الحكومة” الخناق المادي، لذا وجب التكافل الاجتماعي مع هذه الفئة حتى تحقيق ملفها المطلبي.

زد على ما سلف، التخوين والتشكيك في الأطراف المساندة لقضية الأساتذة المتدربين، وهو ما يستنتج من كلام رئيس الحكومة، والذي نشر بموقع حزبه وفي مواقع إلكترونية أخرى وورد فيه ما مضمونه أن هناك من يسعى لاستغلال هذه القضية لمآربه الخاصة. السيد رئيس الحكومة لنسلم أن كلامكم على حق، ما هي هذه المآرب؟ ومن سيحقق لهم هذه المآرب؟ الذي فهمته من كلامكم وأنتم تحذرون الأساتذة المتدربين من استغلال نضالهم، وتدعونهم إلى العودة إلى مراكز التكوين، هو استعدادكم للتفاوض مع هذه الهيئات والنقابات، أو بتعبير أكثر دقة مقايضتها، بل يفهم من كلامكم أنها طوع يدكم. ماذا لو أعلنتم سنة بيضاء؟ هذه أيضا من بين العصي التي تسعى بها “الحكومة” إلى قصم ظهر الأساتذة المتدربين، وهو الأمر الذي لوح به وزير الصحة في وجه الطلبة الأطباء، حين تجاهل تهديدهم بسنة بيضاء، مبديا لا مبالته بالأمر. ها أنتم سيدي “رئيس الحكومة”، أعلنتم سنة بيضاء، من الخاسر؟ هل ستتعاقدون مع خريجي عشرة آلاف إطار أم سترفعون من سقف جدول الحصص الزمنية للأساتذة إلى أربعين وخمسين… ساعة؟ ومن الأمور التي ستلجأ إليها “الحكومة” أو بالتدقيق الدولة العميقة خلق بؤر أخرى، تطبيقا لشعار فرق تسد، لذا ينبغي التكتل حول هذا المطلب، وتأجيل غيره مهما بدا ضروريا، أو لنعمل على توحيد نضالات الحركات الاحتجاجية، فلا شيء يخيف حكومات الدول المتخلفة غير الوحدة، فتسارع للاستجابة لمطالب فئة دون أخرى، قصد تقزيم النضال ووأده، ولنا في حركة 20 فبراير عبرة. لكل ما سلف، لا تستغربوا إن جرمت الدولة العميقة النضال…

طاحت الصومعة… وعلقوا الحجام

عود على بدء، إن الولوج إلى المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، لم يكن يعني التوظيف؛ حيث إنه لا يتم إلا بعد النجاح في امتحان التخرج، إذا ما معنى إضافة امتحان آخر تحت شعار جودة التعليم؟؟ !! وما العلاقة بين جودة التعليم وتقليص قيمة المنحة؟ بل لماذا حين يتعلق الأمر بالجودة في قطاعات أخرى مثل القضاء والأمن، لا تذكر(الجودة) إلا مقرونة بالزيادة في الأجور والتعويضات والمنح؟ ألا يعلم السيد رئيس الحكومة أن بالمراكز أرباب أسرة؟ كيف ستحقق الجودة في ظل غياب الشروط السيكولوجية، والتي يشكل الشرط المادي أحد أهم أسسها؟

إن المتتبع لهذا المشروع، والذي يدافع عنه، في جل التصريحات الصحافية، وزراء منتمون إلى حزب العدالة والتنمية، تفتقد للبعد العلمي، بمعنى آخر القرار ارتجالي، ولا يسنده أي سند علمي أو واقعي؛ إذ يتحدثون عن الجودة بوصفها مفهوما ميتافزيقيا، دون أن يقدموا التوضيحات الشافية للرأي العام، ولاسيما الأساتذة المتدربين، والفاعلين في حقل التربية والتكوين. ما الأبحاث التي قمتم بها؟ من قام بها؟ متى وأين؟

إنه قرار لخدمة أجندات أخرى، ولا يرمي البتة إصلاح منظومة التربية والتكوين، فالخلل لا يكمن في تأهيل الأساتذة فحسب، بل في افتقاد المنظومة كلها لسياسة تربوية واضحة المعالم، تتم صياغتها وفق مقاربة تشاركية، يسهم فيها إلى جانب السياسي المثقفون، ومختلف العاملين بحقل التربية والتكوين، علاوة على جعل الأمر بؤرة للأبحاث الجامعية في مختلف الأسلاك، ولكن هيهات ذلك في مجتمع ما تزال “الزرقة والمرقة” هي برنامجه الانتخابي، والاستقالة من المجتمع  تحت شعار “ندخل سوق راسي” خوذته، وتكريس الولاء للقبيلة أو الحزب ديدنه، ونظرية المؤامرة والفتنة البراديغم الذي يعالج به المشكلات. خلاصة القول، وبتعبير إدكار موران في إحدى مقالاته، إن الإصلاح أولا وقبل كل شيء يقتضي إصلاح العقليات، فأصلحوا عقلياتكم أولا، وليكن التعليم ثانيا…

أسئلة معلقة

إلى السيد رئيس الحكومة المستأسد على الكادحين:

لم لم يتم نمرير قانون الصحافة الذي جاء به أخوكم وزير الاتصال؟

 لم تنازلتم عن صندوق مفراسيش؟

لم لم تحتجوا على إسناد إدارة مشروع الطاقة إلى عضو في حزب تعدونه حزب المفسدين؟

من اقترح المرسومين اللذين تدافع عنهما، باستحضار أن وزيركم للتربية الوطنية أخرج مرسوم فرنسة المواد العلمية بالسلك الثانوي دون علمكم؟

لم انتقلتم من التعنت إلى المفاوضات؟ عم تتفاوضون؟ كيف سيتم تعويض الأشهر التي ضاعت من السنة التكوينية في حالة إتمام السنة؟

السيد رئيس الحكومة، لم تحترس من التماسيح والعفاريت؟ نحن أيضا تماسيح وعفاريت.