تحتفظ ذاكرة المغاربة بذكريات طيبة لكثير من رجال السلطة، الذين كانوا يقومون بواجبهم بكل تفان وإخلاص خدمة للوطن والمواطنين. وقد ظل الكثير منهم يحظى بالاحترام والتقدير والثناء الحسن حتى بعد انتقالهم من مكان عمل إلى آخر على طول جغرافية المغرب، بل إن منهم من استمر ذكره الحسن على ألسنة المغاربة حتى بعد انتهاء خدمتهم وإحالتهم على المعاش فجمعوا بذلك بين الحسنيين، خدمة الوطن واحترام المواطن.

غير أنه أيضا، ظلت ولا تزال ذاكرة المغاربة، مليئة بذكريات سيئة عن ممارسات وتجاوزات بعض رجال السلطة وهم قلة على كل حال بالنظر إلى العدد الكبير للمنتمين إلى جهاز رجال السلطة . غير أنه كانت لتجاوزاتهم الأثر السيئ على البلاد والعباد. منهم من عاش في كنف الاستعمار الفرنسي حيث وصلت تجاوزاتهم حد الخيانة العظمى والتآمر على المغرب ملكا وشعبا ( نموذج القائد التهامي الكلاوي….). ومنهم آخر مارس السلطة ولا يزال في ظل مغرب ما بعد الاستقلال، كانت أعمالهم محل استنكار، و شكاوى كثيرة، وتظلمات عديدة من قبل المغاربة  كانت أبرزها تجاوزات فترت ما عرف بسنوات الرصاص، ومنهم من لا يزال مستمرا في تجاوزاته إلى اليوم.

فمن تلك القلة رجال سلطة مرتشون اغتنوا على ظهر المواطنين البسطاء لأجل تمكينهم من وثائق إدارية بحق أو بغير وجه حق، ومنهم من كان سببا في انتشار البناء العشوائي و زحف دور الصفيح على هوامش مدن المغرب الكبرى مما كان له الأثر الوخيم في وقوع مآسي اجتماعية واقتصادية لا يزال الجميع يعاني منها. ومنهم من كان يتحيز سياسيا لبعض النافذين في مختلف الاستحقاقات الانتخابية. كل تلك التجاوزات كانت الجرائد الوطنية، ولا تزال، ترصد يوميا البعض منها على صفحاتها مع ما يتبع ذلك من احتجاجات للمواطنين عليها في شتى الأقاليم.

فكيف إذن، حين يتحدث الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأستاذ عبد الإله بنكيران، في احتفالات الطبقة الشغيلة يوم فاتح ماي، عن تجاوزات بعض رجال السلطة، ونؤكد هنا كثيرا على صفة الأمين العام، و هو قطعا كان يقصد بكلامه تلك الفئة من رجال السلطة الذين تتصف ممارستها في تطبيق القانون والحفاظ عليه بالشطط والتعسف في تجاوز صارخ لحدود صلاحياتها المحددة بالقانون، كيف تثور ثائرة بعض ممن يحسب على المعارضة وغيرها ممن يدعي انتماؤه لرجال السلطة ويعتبر أن ذلك تهجما على جهاز رجال السلطة الهدف من ورائه إسقاط هيبة الدولة المغربية.

وهل هيبة الدولة تحفظ عبر احترام القانون  وإقامة العدل بين الناس أم عبر إطلاق العنان لمن كلف بالسهر على احترام القانون وتطبيقه ليعمل ما شاء وقت ما شاء دون حسيب أو رقيب ؟ أليس للمواطن كرامة كما للدولة هيبة؟ وما قيمة هيبة لدولة مواطنوها بدون كرامة؟

لقد تابع المغاربة جلهم إن لم نقل كلهم، وعبر وسائل التواصل المختلفة، الأحداث التي كان أبطالها نموذجين سيئين لرجال السلطة. قائد ” الدروة ” ( بطل الجنس مقابل رخصة البناء ) الذي تناسى واجبه في السهر على احترام القانون  وزجر كل من سولت له نفسه تجاوز ذلك عبر المساطر و الإجراءات التي يخوله إياها القانون. وأطلق لنفسه العنان في استغلال مخالفات أحد المواطنين والعمل على استغلال ذلك لتلبية نزواته المكبوتة، وإشباع رغباته الجنسية المنحرفة، عبر ابتزاز أسرة مغربية في عرضها لها عليه حق الحماية والصون لا أن يعمل إلى التعدي على عرضها و شرفها والسعي للعيث فيه فسادا.

أما النموذج الثاني السيئ لرجال السلطة فهو ( القائد الحكار)، قائد الدائرة السادسة بالقنيطرة الذي أسفر عن وجهه في حادثة ( أمي فتيحة مولات البغرير ). حيث لا أعتقد أن مواطنا عاديا و سويا، يقبل على نفسه أن يصفع امرأة على وجهها في عمر والدته. بله أن يكون رجل سلطة كلفته الدولة بالحفاظ على الأمن العام والعمل على تيسير حياة الناس لا أن يعسرها ويجعلها جحيما ونارا تأكل أجسادهم.

أن تقوم وأنت رجل سلطة، باحتقار الناس والحط من  كرامتهم وإهانتهم، لا يمكن لأحد أن يقول أن القانون قد طلب منك ذلك أو أن ذلك سيزيد في هيبة الدولة كما قد يتوهم البعض أو أنه من بين المهام الموكولة إلىك كرجل السلطة. كما لا يمكن لأحد من المواطنين أن يتعاطف مع  هذا النوع من رجال السلطة، خاصة وقد شهد العالم، في  عهد ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، كيف أن ممارسات تعسفية من ذلك النوع قد أدت إلى خلق اضطرابات سياسية كارثية، وفوضى عارمة أتت على شعوب وأوطان  في العديد من البلدان العربية.

لذا فإنه في الحقيقة، يصاب المرء بالدهشة حين يرى تهافت بعض الجهات وتسابقها في توجيه اللوم والنقد لكلام أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي مارس حقه في إبداء رأيه فيما يقع على الساحة الوطنية، وهي التي ظلت لسنوات طويلة تشكو من تعسفات وتجاوزات بعض رجال السلطة نجدها  قد تحولت اليوم في مواقفها إلى 180 درجة و تقوم بتوجيه سهامها الوجهة الخطأ. وهم الذين صدعوا رؤوسنا في خطبهم ومؤتمراتهم و على صفحات جرائدهم ، بضرورة أن تقطع الدولة في تعاملها مع المغاربة  مع منطق الرعية، وأن تتعامل معهم وفق منطق المواطنة. لكن العجيب في هذا كله هو أنه حين قامت الدولة المغربية  بتكريس منطق الموطنة من خلال أبواب وفصول دستور 2011، نجد أصواتا تدعي الحداثة والليبرالية تحن في خطاباتها اليوم إلى منطق الرعية.

قد يقول قائل: إن الأستاذ عبد الإله بن كيران هو في نفس الوقت رئيسا للحكومة وهو بحديثه عن وقائع هي معروضة أمام القضاء سيؤثر ذلك منه على السير العادي للعدالة، وهذا ما يتعارض مع مبدأ فصل السلط الذي هو مبدأ دستوري لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال. هنا نقول أن هذا كلام حق أريد به باطلا. لأن رئيس الحكومة هو أيضا رئيسا للإدارة المغربية بنص الدستور، وانتقاده لبعض ما يراه انحرافا في الممارسات أو عدم سلامة بعض إجراءات التقاضي التي قد يكون لها انعكاسات وخيمة على النظام العام والسلم الاجتماعي هو حق مكفول له وفق الضوابط القانونية. فلا داعي للتباكي على السير العادي للعدالة خاصة وأصحاب ذلك الطرح هم أول من يعرف قبل غيرهم أن رئيس الحكومة لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتدخل في عمل السلطة القضائية.

وخلاصة القول: أن على الجميع أن يعلم أنه كما للدولة هيبتها يجب أن تحفظ وتصان فكذلك للمواطن كرامته يجب أن تحفظ وتصان. و لا يمكن لدولة أن تستمر دون مواطن حر و كريم لأن المواطن هو سر وجود الدولة وشرط بقائها.