الذكرى 20 لتأسيس مؤسسة وسيط المملكة
مدخل:
آراء أخرى
نصت المبادئ العامة للباب الثاني عشر لدستور المغرب لفاتح يوليوز 2011، في شأن الحكامة الجيدة على أنه ” تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة و تستفيد من دعم أجهزة الدولة،ويمكن للقانون أن يحدث عند الضرورة، علاوة على المؤسسات و الهيئات المذكورة بعده، هيئات أخرى للضبط و الحكامة الجيدة”[1].نفس الباب نص في فصله الثاني و الستين على أن”الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة و متخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة و المرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل و الإنصاف، وقيم التخليق و الشفافية في تدبير الإدارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية و الهيئات التي تمارس صلاحية السلطة العمومية”.
لا شك أن الهندسة المؤسساتية التي اختارها المشرع الدستوري لمؤسسات الحكامة، و من ضمنها مؤسسة الوسيط كمؤسسة تابعة لرئاسة الدولة فوق السلط الثلاث : التشريعية و التنفيذية و القضائية، تنطوي على رغبة من المشرع الدستوري في التأكيد على محورية مقتضى دستوري أخر صادر في ديباجة نفس الصك الدستوري لفاتح يوليوز2011 و المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة. هذا التوجه للمنظومة الدستورية المغربية يجد صداه المذهبي في علم الاجتماع السياسي المؤسس للديمقراطية في الأنظمة الحديثة بأوروبا و المبني على أساس أنه”من الضروري أن كل سلطة تحدها سلطة ” و أيضا لأن ” المالك للسلطة يميل للتعسف في استعمالها”. إذن كيف يمكن لمؤسسة الوسيط أن تفرض نفسها في مشهد مؤسسات الحكامة كسلطة رقابة و عدل و إنصاف مستقلة على السلط الثلاث؟ كيف يمكن للنصوص المراقبة القبلية على النفقات العامة أن تستجيب للمقتضيات الدستورية المستجدة بعد 2011؟ و كيف يمكن للمجهود المغربي لإخراج القرار الأممي 75/186 أن ينعكس محليا في الممارسة الإدارية و المالية لمؤسسات و مصالح الدولة؟
إن القارئ لبعض المقالات المنشورة في عدد ماي2018[2] لمجلة الوكالة القضائية للمملكة،وكذا تقارير مؤسسة الوسيط السنوية فضلا عن القانون المنظم لاختصاصات المؤسسة يمكنه الخروج بالملاحظات و الاستنتاجات التالية :
– الملاحظة الأولى : إن تنزيل المشرع لإرادة الدستور في القانون 16-14 الصادر في 11 مارس 2019 ،عبر تأكيده على الطابع المستقل لعمل مؤسسة وسيط المملكة الذي يعينه ضامن الحقوق و الحريات الملك، وكذا التأطير الدستوري لتدخلاته بضمان الحق الأساسي في العدل و الإنصاف، هو تأكيد من الدولة على أن الخطأ الإداري و السياسي[3] و القضائي و سوء تأويل القواعد و سوء استعمال السلطة العامة مسألة مفترضة و واقعية وجب تأطيرها دستوريا و إجرائيا، لذلك أحسن المشرع الدستوري عملا حين أسرع إلى التأطير القانوني لتلك الحالات عبر اختيار تموقع مؤسساتي مستقل لمؤسسة الأمبودسمان فوق كل السلطات الثلاث، حيث أن والي المظالم سابقا،الوسيط حاليا يستمد سلطته و تفويضه مباشرة من الضامن الأسمى للحقوق و الحريات في النظام الدستوري المغربي أي الملك، أمير المؤمنين، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول للنيابة العامة و رئيس مجلس الوزراء و رئيس رئيس الإدارة/الحكومة وصاحب سلطة تسمية رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان. بالتالي، وجب القول أن الباحثين و الممارسين في مجال الفعل الإداري و السياسي و التشريعي و القضائي خاصة ذلك التيار المحافظ الذي يدفع بضرورة تحصين فعل تلك الأجهزة كيفما كان نوعه من رقابة الإنصاف الدستورية للمؤسسة هو دفع مشوب برغبة في وضع فعل سلطة عامة و محيطها-المثير للجدل مؤخرا بتسريبات كثيرة- فوق الدستور و التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان خاصة تلك المتعلقة بالحقوق المدنية الأساسية. في هذا الباب ومن باب التنوير، قد يكون تذكير دعاة تلك النزعة الأرثودوكسية اللا-دستورية و اللا-سياسية،هل يفهموا حقيقة أن القانونيlégal ليس بالضرورة شرعياlégitime؟ هل سبق لهم أن قرأوا شيئا عما تسميه أدبيات مؤسسة الوسيط بضحايا الصيغ القانونية و ضحايا الخطأ القضائي الثابت مؤسساتيا هل بمقدور ثقافتهم الحقوقية و القانونية أن تستوعب بديهية أن ما يمكن أن يكون قد راج أمام قاضي[4]justicié ليس بالضرورة قانونيا أو منصفاéquitable ؟ و ما معنى أن ينافحوا عن تحصين فعل إداري- قضائي لقاضي مستعجلات أو درجة أولى (قضاء تجاري أو أسرة أو إداري مثلا) قد يكون موضوع تصحيح أو تأديب قضائي بعدي من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشبهة معاينة مثبتة لزورية دفع أو شهادة زور أو عيب مسطري أو مادي جسيم أو إنكار بين للعدالة أو مجرد سوء تقدير للقاضي الإنسان وحتى مصادرة مثبتة للحق الأساسي في المحاكمة العاملة بسوء نية الموظف القضائي أو محامي مواطن؟ و ما معنى مثول محامين أمام تأديب هيئاتهم أو القضاء بشبهات متعلقة بالإخلال الخطير بأخلاقيات مؤسسة الدفاع؟ و ما معنى اضطلاع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأكثر من 30 مهمة تأديبية في السنة بالمغرب؟ وما يفترضه ذلك من ثبوت وقوع ضرر المس بالحق الأساسي في المحاكمة العادلة و ضمانة صون الحقوق و الحريات و الإنصاف التي يضمنها النظام الدستوري المغربي؟ أظن أن هذا السجال الذي قد يصادفه الباحث في المجلة المذكورة أو المفتشون العامون للقطاعات الوزارية بمصالح المالية قد يصبح غير ذي موضوع لو تسلحنا بما يكفي من الثقافة الدستورية و الديمقراطية، و التي تساعد حتما على استيعاب حقيقة أن الفعل المحسوب على المرفق القضائي على غرار فعل إداري في مرفق خدمي فعل معرض للخطأ و سوء التقدير و حتى الانحراف الفردي[5] المقرون بسوء النية و رغبة في تسخير سلطة عامة في غير ما وجدت لأجله، هذا إن أردنا عدم الخوض في إقرار المشرع الدستوري الواضح و الجرئ نفسه بفعلية الخطأ القضائي كواقع سوسيو- قضائي حسب منطوق الفصل 122 من الدستور المغربي، فهل الأستاذ المساهم في المجلة – المقلل من شأن توصيات و أحكام وسيط المملكة- أكثر اطلاعا من المشرع الدستوري الذي أطر و طوق الخطأ القضائي و الإداري دستوريا؟ هذا الأخير الذي اهتدى ذكاءه القانونيle génie juridique إلى وضع مخارج مؤسساتية لتلافي أضراره على الدولة و المجتمع و الأمن القانوني و القضائي و فعلية حقوق الإنسان و سيادة القانون في الدولة La primauté de Droit.نافلة القول في النازلة، لتجاوز أضرار عدم اضطلاع حكومات دستور 2011 بواجباتها في تحيين و ملائمة النصوص القانونية المنظمة للإدارة و المالية العامة مع أحكام الدستور،و كذا طفا للسطح من تفويت الحكومات لفرصة توسيع النقاش المهني في الوسط القضائي حول مستجدات الرقابة الاستثنائية و الدستورية على الفعل القضائي ونظرية الخطأ القضائي و نظرية الإنصاف الدستوري، فإن وزارة العدل و الأمانة العامة للحكومة و وزارة المالية )خاصة مديريتي الحكامة و المؤسسات العمومية (مطالبة أكثر من غيرها ببرمجة دورات تكوينية لتطوير قدرات قضاتها و أطرها في مجال حقوق الإنسان و مبادئ التكامل المؤسساتي في القانون الدستوري المغربي و مبادئ الوساطة المؤسساتية ، التي جعلت التوصيات التي تصدر باسم الدستور و الملك، ثاني أعلى نص قانوني ملزم لكل متعهدي السلطة العامة القضائية و التنفيذية و التشريعية و الإدارية، علما أن درجة لزوميتها لا تقتصر على حقيقة تعاقد العرش و الشعب المغربي على الصك القومي الأسمى لفاتح يوليوز 2011، بل باتت تستمد قوتها من صكوك الشرعية الدولية لحقوق الإنسان مع صدور القرارات الأممية الأخيرة المعززة لحصانة مؤسسة الأمبودسمان و إطاره القانوني، والذي اضطلع المغرب في عملية بلورته بأدوار طلائعية و محورية، و هو ما يفترض في الحد الأدنى انعكاس هذا الانخراط الدولي على المستوى المحلي، و ذلك عبر تأطير الفعل المؤسساتي ليصير أكثر انضباطا و تسلحا بروح و فلسفة هذا التوجه الدستوري و الملكي الطامح لمزيد من التقوية و التكريس للصرح الديمقراطي المغربي.
– الملاحظة الثانية : على المستوى الإجرائي،تنصيص القانون المنتظر لمؤسسة الوسيط على لزوم الإستعانة حصرا بالمفتشين العامين للقطاعات الوزارية الذين يقومون مقام”المخاطبين الدائمين”أو”المأمورين القطاعيين للمؤسسة” يعد أيضا من مداخيل تقوية منظومة الوساطة الدستورية و ضمان مزيد من نجاعة تدخلات المؤسسة. بتعبير أوضح، بات من الملح أكثر من أي وقت مضى، تعزيز استقلالية إجراءات المفتشيات العامة عن السلطة السياسية القطاعية في كل ما يتعلق بالشكايات و التظلمات الواردة على القطاعات الحكومية من المؤسسة الدستورية الوسيط، و ذلك تفاديا لمزيد من حوادث الصمت المتواطئ و تضارب المصالح الذي عرفته الفترة السابقة في عدة قطاعات(الثقافة،التكوين المهني،قطاع الإتصال،التعاون الوطني،…)،و التي قد تحول دون قيام المفتشيات العامة بمهام”التفتيش- الدستوري ” [6] تجاه مرؤوسين من حزب الوزير و الوزيرة.
– الملاحظة الثالثة : احتراما للآجال الدستورية للبث في تظلمات المرتفقين و المشتكين من نشاط الإدارة، بات من الملح للجان التتبع و التحليل للمؤسسة التركيز على الصيغة“الرئاسية”أو”المركزية” في عملية هيكلة و تشكيل لجان التحقيق و التحري التي تقرر تشكيلها،و إن كان هاجس سرعة التفاعل مع الشكاوي يؤدي في بعض الأحيان، إلى تجاوز شكليات السلاليم الإدارية و البيروقراطية و التناظر الهرمي بين المؤسسات الدستورية،إلا أننا لا ينبغي أن ننسى أن المسألة هي من الأهمية لدرجة أنها قد تعرقل أداء رسالة المؤسسة في إحقاق العدل و الإنصاف.على سبيل المثال،لنتصور موظفا في إدارة في منطقة نائية،تظلم شطط رئيسها،فتفاعلت المؤسسة،فراسلت رئيس الإدارة اللا-مركزية، فقام بتشكيل لجنة “للبحث و التحري”، و بعد 30 يوما بعثت الإدارة لمؤسسة الوسيط بتقرير تضليلي يحمل معطيات كاذبة مصدرها نفس رئيس الإدارة اللا-مركزية المشتكى به بتجاوز السلطة ضد الموظف المحلي أو الجهوي المشتكي و النتيجة طبعا ستكون مقرر دستوري غير منصف لا لطموح الدستور و لا للضحية و لا لجنة المؤسسة الدستورية المنكبة على الملف لشهور أو سنوات . و في مثال أخر بصيغة الملاحظة المثارة أعلاه، حدث أن عالجت مؤسسة الوسيط تظلما في قطاع ما عن طريق اللجوء لتحقيق رئاسي أو مركزي تحت إشراف المفتش العام لقطاع نفس المدير الجهوي المتظلم من سلوكه، النتيجة طبعا و كليا ستكون تقريرا خارجيا موضوعيا و ضامنا لمبادئ ليس فقط العدل بل حتى الإنصاف، و النتيجة الإستراتيجية تبقى دعم الثقة في المؤسسات و ضمان فعلية الإنصاف و إدارة القانون و الحكامة الرشيدة بالمؤسسة المتظلم من فعلها المرفقي. مما يعضد هذه الصيغة من التحريات و التحقيقات أن أبجديات التحكيم و الوساطة كونيا لم تجمع يوما بين الخصم و الحكم في بحثها عن الإنصاف و الحقيقة.
– الملاحظة الرابعة : ضمانا لمزيد من التكامل المؤسساتي في الممارسة الإدارية المغربية، الإطار الوظيفي لمؤسسة الوسيط في حاجة ماسة لمزيد من آليات التدخل و التقرير المباشر بالتنسيق مع المصالح الرئاسية و الرقابية المعنية بتنزيل توصياتها و الرقابة على الفعل المزاول باسم أشخاص القانون العام كوزارة المالية و النيابة العامة و مديرية التنسيق و التفتيش تابعة لرئاسة الحكومة أو الأمانة العامة للحكومة. في هذا الصدد، إن كان طموح محامي القانون بالمرفق الإداري هو تجاوب المخاطبين مع الطلبات في أجل 30 يوما، إلا أن الواقع الإداري كما كشفه السيد وسيط المملكة العام الماضي لا يرتفع، فبعض الملفات قد تتطلب من 90 يوما حتى 600 يوم من زمن الوساطة الدستورية،بالتالي وجب القول، أنه من غير الواقعي انتظار تفاعل مدير إدارة موضوع توصية دستورية تصحيحية بالقيام بالمطلوب منه دستوريا لتصحيح انحرافه و شططه دون تماطل أو مزاجية أو هدر للزمن الدستوري للمؤسسة و زمن ضحاياه،بالتالي،من بين المداخيل المقترحة لتجاوز هكذا مأزق دستوري و حقوقي و مرفقي يمكن القول أن تمكين مؤسسة الوسيط من مخاطبين دائمين لدى وزارة المالية و الأمانة العامة للحكومة مهمتهم الحصرية الإشراف والحرص على تتبع و تنفيذ توصيات و اقتراحات المؤسسة الموجهة للقطاعات الوزارية و إدارات الدولة و تمكين أصحاب المصلحة من حق التواصل المباشر مع تلك المؤسسات حال تبليغهم بتلك التوصيات أو الأحكام الدستورية في الأجال القانونية الجاري بها العمل أي ثلاثين يوم ( ضمان إرجاع مبلغ فاتورة مستخلصة خارج القانون،إلغاء تنقيل تعسفي، تنفيذ توصية إلغاء عزل خارج القانون، تنفيذ توصية إلغاء إعفاء غير معلل،تنفيذ توصية إلغاء مصادرة رئيس جماعة ترابية لعقار مواطن خارج المساطر، ضمان المتابعة الجنائية للتوصيات الصادرة في مواضيع ذات صلة بالفساد الإداري و المالي كجرائم التزوير و حمل الغير على توقيع وثائق بغرض تبديد أموال عمومية و خرق القانون،إلخ)،و ذلك لما للأمر من وقع إيجابي على جهود نشر مناخ المحاسبة و احترام القانون بالمرفق العام و تحسين مؤشرات الجودة الإرتفاقية،
– الملاحظة الخامسة : تكريسا لضمانة الإنصاف التي نص عليها الدستور و جعلها اختصاصا حصريا لمؤسسة الأمبودسمان دون غيرها من المؤسسات، واعتبارا لحجم شكايات التزوير و التدليس التي يعرفها سلوك التقاضي للإدارات و أشخاص الحق العام و احصائيات الشكايات التي تتلقها المؤسسات الرقابية المعنية بالموضوع نظرا لما يؤدي إليه ذلك من هدر لضمانة الإنصاف للحلقة الضعيفة في المعادلة أي المواطن أو الموظف العام أو المقاول متعهد خدمات الإدارة، و اعتبارا أيضا لصفة محامي القانون بالإدارة العامة المكفولة لمؤسسة الوسيط، يبقى تمكين مؤسسة وسيط المملكة من الولاية الحصرية و المطلقة لتلقي و بحث تظلمات و شكايات المواطنين و المرتفقين ضد المحسوبين على السلطة العامة في مواضيع ذات صلة بشبهات محاولة إنكار الحق في الانتصاف و عدم احترام أخلاقيات المرفق العام و التزامات المرفق العام في مجال حقوق الإنسان الأساسية خاصة تلك المتعلقة بالحق في التقاضي بحسن نية و الحق في المحاكمة العادلة مدنيا و جنائيا. في هذا الصدد،قد نكون في غنى من التذكير بأن المسطرة القضائية الكتابية، التي تحجر على حق الإنابة المباشرة لمواطن أو موظفة دكتورة في القانون الجنائي و المعدومان من امتياز السلطة العامة و سلطة أختامها الرهيبة، لا يمكن أن تضمن و لو بنسبة ضئيلة إحقاق الإنصاف لأن قواعد لعبة العملية أصلا غير متكافئة، و هو ما يفترض إعادة التوازن réequilibrage إليها من هذا المدخل المؤسساتي للأمبودسمان،صونا للمقتضيات الدستورية و لحقوق الإنسان.
– الملاحظة السادسة : كمشارك في نقاشات المنتدى الدولي للوساطة المؤسساتية، أعتبر جواب القاضي،أمبودسمان جمهورية السنغال عن سؤال حول ماهية العلاقة بين فعل الوساطة المؤسساتية و الفعل القضائي، و الذي أكد فيه على “اتفاقه مع طرح تفاعلي و سؤال باحث أن الإنصاف أعلى مرتبة من القانون، و ينبغي أن يفهم الفاعلون أننا- الوسطاء- لسنا سلطة تنفيذية و لا قضائية و لا تشريعية هذا هو معنى الاستقلالية…”،و انطلاقا أيضا مما جاء في مداخلة أحد أهرامات الفقه الإداري المغربي، الدكتور محمد أمين بنعبد الله في معرض مداخلته عن البعد التطويري للوساطة الدستورية التي اعتبرها إحدى الآليات الواعدة لضمان عصرنة و تطوير الممارسة القانونية و القضائية و ضمان فعلية دولة الإنصاف و حقوق الإنسان، بحيث أن التجربة أكدت أن ولاية الأمبودسمان قد تذهب إلى فرض تغيير القاعدة القانونية القائمة و ليس فقط الدفع بصرف النظر عن قاعدة ماسة بمبدأ دستوري،كما حدث في قضية أجنبي بفرنسا حول قانون التمييز ضد الأجانب حيث استعان القاضي الدستوري بثابتة “الإخاء” المضمنة في شعار الجمهورية الفرنسية رغم وجود حكم قضائي سلبي في الملف.
آليات الوساطة المؤسساتية كجزء من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان:
من البديهي أن التكريس الدستوري لمؤسسة الوسيط في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 شكل انعطافة حاسمة في تأكيد التموقع المستقل لفعلها المؤطر بضمان الارتفاق العادل و المنصف و انضباط الفعل الإداري لقواعد الحكامة الرشيدة .على المستوى الدولي، هذا التوجه الدستوري سيتعزز أكثر يوم 16 دجنبر 2020 مع تبني الجمعية للأمم المتحدة لقرارها عدد 75/186 ،و الذي جاء لينضاف لترسانة الصكوك المشكلة للمرجعية الدولية في مجال حقوق الإنسان كمبادئ باريس و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مضمون هذا القرار الأممي يحث الدول على اتخاذ الإجراءات التشريعية و القانونية لضمان اضطلاع مؤسسات الأمبودسمان بأدوارها في مجال “تعزيز و حماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و توطيد الحكم الرشيد و احترام سيادة القانون،بوصف ذلك وظيفة مستقلة و إضافية[7]“. يبقى المستجد النوعي في القرار الأممي تأكيده أهمية “إتاحة الإدارة الذاتية لمؤسسة أمناء المظالم و الوسطاء،حيثما وجدت،و الإستقلال عن السلطة التنفيذية أو القضائية أو عن وكالاتها أو الأحزاب السياسية،حتى تتمكن من النظر في جميع المسائل المتصلة بمجالات اختصاصها،دون تهديد حقيقي أو متصور لقدرتها أو كفاءتها من حيث الإجراءات التي تتبعها، و دون خشية أعمال الانتقام أو التخويف أو الاتهامات المضادة بأي شكل كانت سواء على الإنترنيت أو خارجها،التي قد تهدد أداءها أو السلامة الجسدية للمسؤولين التابعين لها أو أمنهم”[8]. من هنا يتضح سعي المجتمع الدولي لتمكين مؤسسة الأمبودسمان من كل الشروط القانونية لأداء رسالتها، بدءا بتصنيف القرارات الأممية المتصلة بمؤسسة الأمبودسمان كإحدى آليات حقوق الإنسان الكونية،مرورا بحث الدول على تنصيص الدساتير الوطنية على استقلالية المؤسسة عن باقي السلط، وصولا لوجوب ضمان حماية وسلامة و حصانة مؤسسة الأمبودسمان و مأموريها من قبل الدول.
إستنتاجات :
يبقى الهدف الترافعي و البيداغوجي الذي أطر مضمون هذا المقال هو لفت انتباه الفاعل التشريعي و المؤسساتي إلى الأفاق الواعدة التي تفتحها الوساطة الدستورية أمام ورش النجاعة المؤسساتية و التخليق القضائي و الإداري و الإصلاح الديمقراطي ببلادنا، فلا غرو إن قلنا أن مؤسسة الوسيط تشكل إحدى المداخيل المؤسساتية الأساسية المؤهلة لتنزيل مقتضيات التقييم المؤسساتي و ربط المسؤولية بالمحاسبة بالجهاز التنفيذي- الإداري و القضائي و التشريعي،خاصة و أن مؤسسة الأمبودسمان تتمتع بقوة دستورية و سياسية مستمدة من الضامن الأسمى للحقوق و الحريات و الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.
تأسيسا على ذلك،يمكن اعتبار النقاش الحقوقي و القانوني الرصين و المتقدم الذي عرفه المنتدى الدولي الأخير إشارات قوية تستوجب انكبابا مستعجلا من الماكينة التشريعية للحكومة، بغية مباشرة إجراءات ملائمة معيارية و تحيين للترسانة القانونية المتصلة بمهام التخليق الإداري في كل تجلياته الإدارية و المالية و القضائية و التشريعية، و لبلوغ ذلك،وجب القول أن تمكين مؤسسة وسيط المملكة من إطار قانوني أكثر تقدما على مقاس أو أكثر تقدما قليلا من قانون الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة و محاربتها سيكون توجها معياريا في مستوى مؤسسة دستورية لحقوق الإنسان باتت معززة بمرجعية أممية[9].هذا المدخل المؤسساتي سيشكل لا محالة لبنة في مسار الألف ميل للوصول لفعلية المقتضى الدستوري للإنصاف و تنزيل توجيهات ضامن الحقوق و الحريات و استحقاقات الإدارة المواطنة و الحق و القانون، و كذا الإلتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان.
تلكم كانت بعض الملاحظات التي وددت مشاركتها مع كل المهتمين بتقييم عقد من الوساطة الدستورية لوثيقة فاتح يوليوز2011، بمناسبة مرور عقدين على تأسيس مؤسسة الوسيط/ديوان المظالم.كل عام و مؤسسة محامي القانون أو الأمبودسمان المغربي أكثر نجاعة و رقابة على الفعل الإداري لإرساء أسس علاقة ارتفاقية جديدة مبنية على الثقة و الإنصاف و الحكامة الرشيدة .
باحث في القانون العام،كلية العلوم الإقتصادية و القانونية و الإجتماعية-أكدال
[1] الفصل مائة و تسع و خمسون
[2] https://www.finances.gov.ma/Publication/AJR/2018/ajr_revue_ar_1er_num.pdf
[3] باعتبار جعل سلطة الوصاية على الإدارة في يد الحكومة طبقا للفصل 89 من الدستور
[4] On entend toute action ayant fait l’objet d’une procédure juridictionnelle non définitive pénale ou civile.
[5] للمزيد حول الموضوع، أنظر مداخلة الدكتور محمد أمين بنعبد الله في المؤتمر الدولي لمؤسسات الوساطة بمناسبة الذكرى 20 لتأسيس مؤسسة وسيط المملكة المنعقد بأكاديمية المملكة المغربية،الرباط،28 فبراير 2023
[6] نقصد بالتفتيش الدستوري كل أعمال تفتيش أو تحري في شكايات و طلبات واردة من مؤسسة وسيط المملكة على المفتشيات العامة الوزارية.
[7] حسب منطوق ذات القرار 75/186 ل16 ديسمبر 2020
[8] نفس المرجع،صفحة 2-3
[9] للمزيد أنظر القرار الأممي الأخير رقم 75-186 في شأن المرجعية القانونية الدولية لمؤسسات الوساطة المؤسساتية