على الرغم من تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار بمراكش في الانتخابات العامة 2021، شأنها شأن باقي المدن الكبرى، السائرة في فلك ميثاق التحالف الحزبي الثلاثي، الاستقلال والأحرار والبام، فإن قدر المدينة الحمراء أن تكون من نصيب حزب الأصالة والمعاصرة. وهو أمر ينطبع في الذهنية السياسية للمتتبعين، كونه يخرج عن المألوف، ويعطي الأسبقية لحزب لا زال يشكل في الوجدان الشعبي، أحد سياقات الجدل منذ تأسيسه وإلى الآن؟
لماذا تسترعي مراكش انتباه سلطة الحزب إياه، وشغفه السياسي، بعد أن تم إنهاك المجرى الزمني، لولايتين سابقتين، مرتان على رأس مجلس جهة مراكش أسفي، وأخرى على رأس المجلس الجماعي؟
هل هناك ما يعزز نظرية السيرورة، في الاتتقال عبر زمنين لتنمية المجال والإنسان؟ أم أن ثمة هوامش مسكوت عنها، تحيط بعملية تدوير الشؤون العمومية من قبل ما كان ولا زال ينظر إليه ب”الحزب الأغلبي”؟
هناك اتجاهان في مسار هذا النقاش:
الأول، يرتبط باتفاق عام بين الأحزاب الثلاثة، حول تقسم مسؤوليات التسيير، خصوصا على مستوى المدن الكبرى. وهو أمر تم التأكيد عليه في الاتفاقات التي تم توثيقها في بلاغات منفردة.
الثاني، يترسخ فيه مبدأ “الاستحواذ” الذي ضمن للبام في كل التوافقات السابقة، اقتسام التسيير على قاعدة “مادر”
ـ ومادر هو أبخل ما عرفت العرب قاطبة. يقال “أبخل من مادر”
وللمعرفة فمادر هو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وبلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه، ومدر الحوض به، فسمِّي مادرًا لذلك، واسمه مخارق
وقد زاغ الباميون حقيقة إلى هذا البخل السياسي الناذر. وإلا ماذا نسمي استحواذهم على مجمل المؤسسات الجماعية بمراكش، مقاطعات : سيدي يوسف بن علي والمدينة والنخيل، بالإضافة إلى المجلس الجماعي لمراكش ومجلس جهة مراكش أسفي.
وإن كان ما يثير في القضية، اعتيادهم على تقمص دور المنقذ، واحتذاؤهم بالتصويب المقل في مسائل الاستراتيجيا وبعد النظر. فما عاشته جهة مراكش، في عهدتين تحت قيادتهم، لم تنتج شكلا جديا للتدبير المحكم، أو تعضيد ما تم ترسيمه خلال عشرين سنة على الأقل من التنمية والحكامة؟
إن الخطوة التي أقدم عليها الحزب الذي يقود مراكش الآن، تقتضي أن توتر جملة من الاعتبارات، في سياق تداول التجارب بين “الحلفاء” الآخرين، الذين ظلوا طيلة ما جريات الانتخابات مربوطين بانتظارات النتائج، ومجارين أساليب الاصطفاء والاستدرار، دون مرجعية فكرية أو تأويل منطقي حتى؟
لقد تم إنزال “سخط المال” واستقطب “مريدو المرقة والزرقة” كما يقول المراكشيون، وأحيل المثقفون على الركن، وحوربت طاقات وكفاءات، وتم عزل كل الغيورين على مدينتهم وهي تهوي في جحيم الغموض والارتهانات العرجاء.
يتساءل المهتمون على المصير الذي ينتظر مراكش : ما السر في كل هذا الإنزال القاصم؟ وكيف سيتمكن الوافدون الجدد من ترسيم وجهة التنمية في مدينة مفتونة بالتاريخ ممزوجة بطين التحولات ، مطمورة في وهاد السجور.
لكنني أريد أن أختم مقولتي، كون ما تقدم عليه الفئة السياسية المستحوذة، هو تصميم على التنفد، وتصريف لمنظومة تغاير جوهر التفكير الجماعي، مع ما يقتضي المجال من إعمال لمنطق التحالف إياه، وما يؤسس لمنهج في تجسير المآلات والرهانات المرغوب فيها.
“ورب قائل “مَن تشبَّعَ بما لم يُعْطَ، فهو كلابسِ ثَوبَيْ زُورٍ