ـ هذا محض سياسة ( تنطق مفخمة)

كثير من النقاشات التي حضرتها كانت هذه الجملة أو ما يشبهها، ” مؤامرة” “إلهاء”…هي خلاصة الحوار الذي يتم الانتهاء إليه حول ” كورونا”. هذه جملة لها مفعول السحر، عندما تنطق فالمقصود أن الحوار انتهى. في الحقيقة هي نتيجة مسبقة يعرفها الكل، فقط نتسلى ونراوغ الوقت متظاهرين بالنقاش، وكأننا بالفعل قد نصل إلى نتيجة جديدة مفادها مثلا، أن ” كورونا” ليس سياسة و إنما فيروس يهدد البشرية برمتها.

كم من مرة وقف السؤال على طرف لساني، ولكن لم أجرؤ يوما على طرحه حينما تُنطق الجملة الأخيرة ” محض سياسة”.

ما السياسة؟ و ما علاقتها بالفيروس؟ هذه أسئلة أتركها لنفسي، لا أبوح بها، لأن طرحها يعني أنك خارج الجماعة(النقاش)، وقد يعني أيضا أنك لا تحترم الإجماع الذي ينتهي إليه الكل. لا يمكن وأنت في “الدوار” أن تتجنب المشاركة في مثل هذه النقاشات، عليك أن تشارك و أن توافق.

نعرف أن “الدوار” وحدة اجتماعية لها ديناميتها وبنيتها الخاصة التي ترتكز أساسا على ديمغرافية سكانية متجانسة، حيث أن الفروقات سواء الاقتصادية أو الثقافية… تكاد تكون منعدمة، هذا التجانس يبرز في كون الكل يعرف الكل، لأن العلاقات أصلا دموية قائمة على القرابة والجيرة…، عادة ما توصف هذه العلاقات بأنها ساخنة، تجعل التضامن بين الناس متينا، يتمظهر هذا مثلا، فيما يصطلح عليه بالأمازيغية ب ” تيويزي” أو ” تيويزا”، وهو شكل من أشكال التضامن والتعاون المشترك بين سكان الدوار أو القبيلة، لإنجاز أعمال ذات نفع عام.

الحقيقة في ذاتها لا تهم كثيرا في ظل هذا النوع من العلاقات، ما يهم بالضرورة هو ما يجعل البنية الاجتماعية مستمرة ومتماسكة، قد لا تفيد أحيانا المعارف العلمية المركبة. سبق للفيلسوف الإنجليزي “فرانسيس بيكون” و أن تحدث عن “أوهام القبيلة” قائلا بأنها تُغلب الجوانب الذاتية في تفسير الظواهر، وإسباغ التمنيات والرغبات والمواقف الذاتية عليها. كما أن هذه الأوهام تتسم بسرعة التعميم والقفز إلى الأحكام الكلية، بسبب سيطرة فكرة معينة على الذهن والرغبة في إثباتها رغم أنف الحقيقة.

إذا استندنا على هذا القول ل”بيكون” فإن جماعة الدوار تلخص حقيقة ” كورونا” في السياسة رغم أنف الحقائق العلمية الصادرة مثلا عن منظمة الصحة العالمية والمتعلقة بالفيروس.

إن العقل عندما يعجز عن القبض على الحقائق المركبة والتي لم تكتمل بعد ـ باعتبار أن المعلومات العلمية المتعلقة بكورنا لاتزال تشهد تراكما ـ يفتش عن بدائل للتفسير قد لا تهم كثيرا قيمة هذه البدائل بقدر ما يهم أنها تملأ الفراغ، فأوهام القبيلة التي أشرنا إليها تجد لها فضاء للانتشار وهو السوق، “بيكون” تعرض أيضا ” لأوهام السوق” باعتبار أن السوق ليس مجالا اقتصاديا للتبادل التجاري فقط، بقدر ما هو ملتقى للتبادل الرمزي أيضا. تبادل الأخبار والمستجدات التي قد تعبر عن موضوعات وهمية أو تفتقر إلى الدقة والتحديد.

الدوار في الأخير ينتج الحقيقة التي يسعفه مخياله على بلورتها، قد يحدث أن تكون مجرد وهم لا علاقة لها بالحقيقة العلمية، ولكن وظيفتها العملية  في إدراك العالم وتصوره لا تنفك تؤديها.

 أستاذ الفلسفة بمديرية الصويرة